العرب وعشق الغرباء

بقلم: عدنان الصباح

غريب أمر العرب فقد تكون الأمة الوحيدة على وجه الأرض التي تلوذ بالغرباء من الغرباء حتى ادمنت الحكاية لحد وصل بها أن تلوذ بالغباء من الأهل أنفسهم فقد استجارت معارضة العراق بكل القوى الاستعمارية لاستعمار بلادها واستباحتها للتخلص من نظام قومي وطني مهما اختلفنا معه او عليه الا انه ظل نظاما موحدا للبلد ايا كان شكل الحكم وكان بالإمكان للشعب والجيش العراقي وحدهما ان يتخلصا منه بدل جعل العراق مساحة لكل صراعات الارض وتحويل البلد الآمن الى مقبرة لأهله لا للغزاة.

تجربة العراق انتقلت الى ليبيا واليمن وسوريا وباتت هذه الدول مسرحا لكل اسلحة الامبرياليين ووكلائهم وحلفائهم وباتت شعوبها وقودا للموت وانتشرت عدوى الهجرة والمنافي بين ابناء الدول العربية لتصير بلاد الاعداء ملاذا لشعوب العرب الذين تركوا بلادهم هربا من الموت بقنابل امريكا واوروبا ليستجيروا بها منها.
العرب في الازمة العراقية عاشوا صراعهم بين قطبي العراق من جهة والسعودية من جهة وبات كلا الطرفين ينهشون لحم بعض بينما القاتل الحقيقي يفعل فعله ويقطف ثمار جرائمه ويدفع العرب ثمن قتل ابنائهم واستباحة بلادهم للأجنبي الرابح بكل الاحوال ولا زال الكويت حتى اليوم يحتفل بفبراير التحرير في حين لا زالت العراق غارقة في بحر من دم وفوضى وفقر وجوع وفساد ومرض وهي المعروفة كأغنى بلدان المنطقة لكن ثروات شعوب العراق والكويت تدفع حتى اليوم اثمانا للحرب البشعة التي خاضتها امريكا باسم العرب لفظا ولصالحها عملا لتدمير العراق ونهب ثرواته.
الامر نفسه يجري في ليبيا بلد الخيرات والثروة العظيمة التي تحولت الى قبائل وجماعات واقتتال لا حدود له رغم ان المجتمع الليبي مجتمع متجانس دينيا وطائفيا وحتى قبليا فالقبائل الليبية بحالة سلام منذ اكثر من نصف قرن من الزمان وفقط لو قمنا باستعادة تاريخ التغير السكاني في ليبيا حسب الحروب لوجدنا الحال التالي
في العام 1801م كان عدد سكان ليبيا ثلاثة ملايين نسمة في تلك الفترة كان هذا العدد يوازي عدد سكان مصر وفي عام 1790 اظهر التعداد السكاني للولايات المتحدة ان عدد السكان هو اربع ملايين نسمة وعلى اثر الحرب بين ليبيا والحكومة العثمانية تراجع عدد السكان ليصبح في العام 1810 اكثر من مليون نصف بقليل اي ان ليبيا خسرت نصف سكانها بينما تزايد عدد سكان الولايات المتحدة ليصبح 92 مليون نسمة وعدد سكان مصر ليصبح اكثر من 12 مليون نسمة وخلال فترة الاحتلال الايطالي لليبيا استشهد اكثر من 800 الف مواطن ليبي وتراجع عدد السكان ليصبح في العام 1941م اقل من مليون نسمة بينما اصبح عدد سكان الولايات المتحدة اكثر من 130 مليون نسمة وعدد سكان مصر حوالي 15 مليون نسمة وفي نهاية الثورة الشعبية او حرب الاستقلال وصل تعداد السكان في ليبيا في العام 1951 الى مليون نسمة اي ان الزيادة في عقد من الزمان كانت فقط مائة الف في حين بلغ تعداد السكان في الولايات المتحدة في العام نفسه اي 1951م الى اكثر من 150 مليون نسمة وتعداد السكان في مصر حوالي 20 مليون نسمة وخلال فترة الاستقرار في ظل حكم العقيد القذافي تنامي عدد السكان ليصل في العام 2011م الى حوالي 7 مليون نسمة وهذا العدد تراجع باكثر من اثنين مليون من المهجرين واللاجئين عداك عن عدد ضحايا الحرب الاهلية هناك ومعارك حرية الناتو وحلفائهم من العرب ضد ليبيا وشعبها وسلامهم واستقرارهم.
لم اورد الاحصائيات هذه هنا فقط لذكر الارقام والحذلقة الرياضية بل لأوضح الاسئلة التي قد تدور في الذهن لماذا هذا التراجع المتواصل في ليبيا ومثله مثلا في العراق الذي بلغ عدد سكانه في العام 1927م حوالي ثلاثة ملايين نسمة وبعد ثلاثين سنة اي في العام 1957 بلغ عدد سكان العراق حوالي ستة ملايين نسمة وبلغ في العام 1997م حوالي 20 مليون نسمة بينما تشير تقارير دولة الاحتلال الامريكي الى ان عدد سكان العراق بعد احتلاله من قبل امريكا وحلفائه مباشرة بلغ فقط 25 مليون نسمة اما سوريا فان عدد سكانها بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى كان ثلاثة ملايين ونصف نسمة بينما بلغ بعد حوالي اربعين عام اي سنة 1960م الى اقل من اربعة ملايين ونصف نسمة وبلغ في العام 2010م اي قبيل اندلاع الحرب هناك الى اكثر من 24 مليون نسمة بينما تشير تقارير الامم المتحدة الى ان هذا العدد تراجع الى 17 مليون نسمة وربما اقل من ذلك بكثير ولا زال العدد مرشح للتناقص اكثر فاكثر وعلينا ان نرى الفرق بين التزايد المحموم لعدد السكان حتى بالاستقبال من الخارج كما فعلت امريكا وتفعل الدول الاسكندنافية فان زيادة عدد السكان مصدر قوة للبلد وليس العكس وفقط الاغبياء والكسالى ومن هم بلا حيلة من امرهم وعقلهم من يخافون من يعتبرون الزيادة السكانية خطرا لا نعمة ولو كانت كذلك لما سعت امريكا وأوروبا لزيادة عدد سكانها باستمرار ولما اهتمت دائما بخفض عدد سكان البلدان الثرية لكي تتمكن من الاستحواذ دائما على ثروة البلد فبين سكان الولايات المتحدة التي تحتل العراق وتدمر ليبيا وسوريا واليمن عديد العديد من ابناء هذه البلدان وقد يكون بينهم من يستخدم امكانياته ويسخرها لمساعدة مشاة البحرية الامريكية على احتلال بلاده وسرقة خيراتها.
مرة اخرى يعود العرب للاستقواء بالأجنبي على ذواتهم وتتصارع مصر والسعودية والامارات والبحرين مع بلد صغير مثل قطر ويلجأ الطرفان الى الولايات المتحدة ويحجون اليها لتخليصهم من صراعاتهم وهم يدركون بالمطلق ان صاحب تأجيج هذا الصراع هي الولايات المتحدة فكلا الطرفين لا يملكان من امرهم شيئا بل انهم باتوا يتسابقون على عقد صفقات السلاح مع حكومة ترامب لاستجداء رضا ادارته عليهم فالسعودية عقدت صفقة مع ترامب فاقت قيمتها مائة مليار دولار والبحرين عقدت صفقة مصر الفقيرة اشترت خدمات واجهزة ودعم لوجستي وضمان جودة من شركة ماثيون الامريكية فقط بقيمة 27 مليون دولار وهي بصدد شراء 10 طائرات من حسابها و12 طائرة كتبرع من الامارات من شركة ايوماكس الامريكية ودولة الامارات الصغيرة ستشتري 160 صاروخ باتريوت الامريكي بقيمة 2 مليار دولار وقنابل بقيمة ثلاثة ارباع المليار من امريكا بعد موافقة البنتاغون وسبق ان اعلنت وكالة الدفاع الامريكية عن بيع مقاتلات امريكية لقطر بقيمة 21 مليار دولار والكويت بقيمة 10 مليار دولار وقد سبق لقطر وان اشترت رادار امريكي بأكثر من مليار دولار.
بكل الاحوال فان مبيعات السلاح الامريكية لدول الخليج تتنامى ضد العدو الايراني المفترض وتؤجج الولايات المتحدة هذا الصراع وهي حريصة على الابقاء عليه بدون انهاء لكونه المصدر الوحيد حاليا لتسويق السلاح للدول العربية علما بان امريكا تتحالف علنا مع ايران في العراق وافغانستان وتسكت عن احتلال ايران للجزر العربية وفقط الاغبياء او من لا خيار امامهم سوى التغابي من سيصدقون ان صراعا حقيقيا يتنامى بين حلفاء الولايات المتحدة وان الصراع يأخذ شكل تحالفات عجيبة بين اطراف اكثر عجبا فتعود العلاقات الايرانية القطرية لتصبح دافئة وترسل تركيا الناتو جيشا لحماية قطر قاعدة العيديد من السعودية حليفة امريكا الاكثر كرما هذه الايام اية مهزلة تتعامل بها امريكا علنا اليوم وكيف يمكنها ذلك الا لأنها تثق ان الشعوب العربية قد كفرت بالثورة والحكام والاحزاب وسائر تلاوين السياسة والساسة وهي تراهم جميعا يرتهنون علنا بإرادة امريكا وعلنا كما يقول المثل الشعبي فان الحكام العرب يسوقون الهبل على شعوبهم وهم يختلفون معا على عروبتهم وقضايا شعوبهم ويتحدون خلف مصالح امريكا بل واليوم واسرائيل بلا خجل ولا وجل وقد نرى قريبا تعاونا امنيا علنيا من اي عربي ضد اي عربي بالتحالف مع اسرائيل

 

بقلم
عدنان الصباح