حرب عسكرية لإنجاز أهداف سياسية.. قراءة في الإمكانيات

بقلم: أيمن تيسير دلول

ما من شكٍ فإن الحالة التي بات يعيشها المواطن الفلسطيني هذه الأيام لا تخفى على قارئٍ متفحصٍ للتاريخ، وأنا أقصد المواطن الذي يسكن على التراب الفلسطيني أو ذلك المشتت شمله في شتى بقاع الأرض، فما يدور في منطقة المشرق العربي لا يستهدف قطر أو غزة وحماس وحدهما، إنما هو مخطط الواضح بأن الإعداد والتجهيز له بدأ منذ عقود من الزمن حتى وصل إلى محطاته الأخيرة هذه الأيام، وهي محطة واضح بأن العدو الصهيوني عمل على تجهيزها من خلال أدواته وحلفائه في المنطقة على نارٍ هادئة على مدار تلك السنوات، وبموجب ذلك تم صناعة زعامات عربية تفتح الأحضان واسعة لـ” إسرائيل” بينما لديها الوقاحة في استخدام السلاح لإبادة عاصمة عربية بالكامل المفترض أنها شقيقة لها، وهي تقوم بذلك دون أدنى خجل، بل وفي ممارسات تمضي فيها بكل وقاحة وقلة أدب.11

وإزاء ذلك وما دامت غزة هذه الأيام تعيش مرحلة متقدمة من عمليات خنق عنقها، وهي من ضمن البنود الرئيسية لإعادة ترسيم الخارطة السياسية العربية، فلا ينبغي البقاء في هذه الحالة حتى الوصول لمرحلة انقطاع النفس بالكامل، وما دُمنا لا نرى في الأفق إلا السيوف لامعة تحت شمس الصحراء، فالمفترض أن نحرك ما في أيدينا من سلاح، ولتكن الدماء منا ومن أعدائنا، وليس منا فقط.

بمعنى أكثر توضيحاً، فإن ما أسميناه “تسهيلات مصرية” لا ينبغي رفضه بالمطلق، لكن لا يجب التصفيق له دون النظر إلى مخاطره، فتنصل الاحتلال الإسرائيلي من مسئولياته القانونية إلى جانب السلطة الفلسطينية تجاه مواطني قطاع غزة يشكل شعلة خطرٍ عظيمة توشك أن تحرقنا، ووضع بيضنا بالكامل في السلة المصرية “وإن حقق انفراجات وابتسامات في الوقت الراهن على أهميتها”، لا يجب أن يدفعنا نحو الاطمئنان كثيراً لتلك الخطوات، وهذا أمر نستوحيه من تاريخ علاقتنا مع الشقيقة مصر.

الخطوات المطلوبة:

رغم إدراكي بأن الحرب ستعود علينا بآلام كبيرة، غير أن ما يجري ويدور حولنا يدفعنا نحو دحرجة الأمور في سبيل إطلاق مواجهة واسعة مع الاحتلال الإسرائيلي وبأسرع وقتٍ ممكن تكون الضربة الأولى فيها للمقاومة الفلسطينية، بحيث تختار فيها التوقيت المناسب والأهداف المناسبة، وتشكل الضربة الأولى صدمة أكبر من أن يتخيلها قادة الكيان الصهيوني، فهي شوكةٌ أرى لا بُد من استخدامها في الوقت الراهن رغم ألمها لنا، لكنه ألم سيكون أقل كثيراً مما يمكن أن يصيبنا مع استمرار تلقي الصفعات من الاحتلال ورئيس حركة فتح محمود عباس دون الزمجرة على الأقل. والضربة التي أضعها للدراسة بين أيدي قيادة أركان المقاومة الفلسطينية يجب أن تكون باستخدام خيار أو عدة خيارات مجتمعة كالتالي:

1- التمكن من التسلل إلى مستوطنة كبيرة واحتجاز المئات من الإسرائيليين رهائن.

2- السيطرة أو تدمير مبني إسرائيلي استراتيجي ومهم داخل الكيان الصهيوني.

3- التمكن من أسر مجموعة كبيرة من قادة قوات الاحتلال سياسيين أو عسكريين.

4- تكون الخطوات السابقة مصحوبة بضربات قوية وموجعة للمقاومة الفلسطينية على مدار أسبوع كامل دون النطق بأي تصريح سوى البلاغات العسكرية، فالحديث عن اشتداد الحصار لغزة خلال الفترات الماضية والتحذير من الانفجار ليس بحاجة لتوضيحات جديدة، على أن تكون الضربات هذه المرة ليس للاحتلال وحده، وإنما يجب أن يدخل اللهيب إلى مبنى المقاطعة في رام الله بأي وسيلة كانت.

5- بعد سبعة أيام من الضربات المركزة التي توجهها قيادة المقاومة للمدن والبلدات الإسرائيلية، تطلب القيادة العسكرية التفاوض المباشر مع قادة الاحتلال برعاية دولية وعلى أرض فلسطين ولمدة محددة، بحيث تذهب قيادة المقاومة بمطالب محددة وبنادقها في أيديها، وتكون المطالب تم تجهيزها قبل اندلاع المواجهة.

ومن خلال التفاوض وكما هو معلوم فالجميع يكون بحاجة لتحقيق مطالب ومنجزات، وهذه نتيجة أي مفاوضات، ويمكن دراسة حاجة قطاع غزة أو الكيان الصهيوني وحصرها في التالي:

أولاً/ مطالب واحتياجات غزة تتمثل في التالي:

1- منح غزة الحرية في ممارسة العيش بسلام على أراضي قطاع غزة والحكم الذاتي أو إنشاء كيان لأهلها بشرط أن يكون على كامل مساحة غزة وفق حدود عام 1967م دون التنازل عن ذرة من باقي التراب الفلسطيني.

2- منح الحرية لأهالي غزة من خلال السيادة الكاملة على بقعة القطاع جوا وبرا وبحرا بما يتضمن ذلك من إنشاء ميناء ومطار وحرية الاستفادة من الممتلكات الطبيعية في باطن الأرض وداخل البحر.

3- الاتفاق مع الكيان الإسرائيلي على استخراج الغاز الطبيعي من مناطق سواحل غزة وبالتقاسم بين الطرفين وفق نسبة يتم التوافق عليها.

4- حرية السفر لأهالي غزة جوا أو بحرا والاستفادة من الثروة السمكية وفق ما تحدده القوانين والشرائع الدولية.

ثانياً/ مطالب الاحتلال من غزة:

1- تحتاج ” إسرائيل” من غزة الأمن، وعلى غزة الموافقة على هدنة تمتد إلى عشر سنوات قابلة للتجديد بموافقة الطرفين.

2- إنجاز صفقة تبادل للأسرى بين الجانبين يتم بموجبها تبييض سجون الاحتلال الإسرائيلي في مقابل إفراج المقاومة الفلسطينية عن الجنود أو الجثث المحتجزة لديها وإعطاء أي معلومات عن الجنود الصهاينة المفقودين في غزة.

3- يتم إزالة محطة الكهرباء الوحيدة في غزة، ويتم إنشاء تعاون بين غزة والكيان الإسرائيلي في مجالات الكهرباء والمياه، بحيث يتم تزويد غزة بالكميات المطلوبة وبناء على الزيادة السكانية الطبيعية في مقابل الضرائب التي يتم جبايتها على البضائع القادمة إلى قطاع غزة التي يتم تحويلها لصالح غزة، على أن يقوم طرف ثالث بتسليم تلك الأموال لقيادة غزة بعد اقتطاع أثمان الماء والكهرباء منها.

4- تتعهد غزة وتعلن وقف العمل العسكري تجاه الاحتلال الإسرائيلي خلال فترة الهدنة، وهذا الأمر يكون للإعلام فقط، أما الإعداد والتجهيز فيبقى متواصلا ولكن يتم العودة إلى مرحلة وأسلوب العمل السري لهذه الأغراض.

المنجزات التي يمكن أن تحصدها مقاومة وأهل غزة:

1- سيتم إزالة ورقة الضغط عن قيادة غزة المتمثلة في مواجهة أزمات الحصار الذي يتم من خلاله تشويه مقاومة غزة بها “كهرباء وغيرها”.

2- توفير بيئة آمنة لمقاومة غزة لتطوير عملها والبحث عن وسائل جديدة تُضاف إلى أسلحتها وتحقق إنجازات أفضل كثيراً مما حققته خلال المواجهات السابقة مع الاحتلال، فلم يعد يكفي أن يكون لدينا سلاح أنفاق أو ضفادع بشرية لاستخدامها في المواجهة الفاصلة المقبلة مع الاحتلال الإسرائيلي.

3- العمل العسكري في ظل أجواء هادئة نتيجة الهدنة سيدفع المقاومة لتعزيز قدراتها من خلال البحث عن خطوط إمداد عسكري لها تتجاوز عقدة تهديد سلاح الطيران الصهيوني، بالإضافة إلى امتلاك وتطوير صواريخ تقوم بتعجيل انتهاء أي مواجهة قادمة مع الاحتلال.

4- التفرغ لتطوير العمل العسكري في الضفة الغربية والتفكير بخطوات يتم من خلالها تجاوز جرائم التنسيق الأمني التي تجري هناك وبشكل فج ووقح.

إن التقارب مع مصر وتيار محمد دحلان مغامرة سياسية كبيرة وفيها مخاطر ومجازفة كبيرة على المدى الاستراتيجي، غير أن المغامرة من خلال تفجير مواجهة عسكرية مع الكيان الإسرائيلي يكون مخطط لها بضربة أولى للمقاومة الفلسطينية، ترتكز على مطالب واضحة وسقف محدد قد تكون مغامرة نتائجها أفضل من المغامرة مع مصر التي لا بُد من تعزيز التواصل معها، لكن ليس حصره بها فقط.

تلك كانت مقترحات أقدمها لقيادة المقاومة الفلسطينية، وهي ناتجة عن دردشة دارت بيني وبين أحد أصدقائي خلال نقاشنا في الحالة الفلسطينية والمآلات التي وصلت إليها هذه الأيام، وتأكيدا، ففي هذا الكلام ما دام صادر عنا نحن البشر جانب من الخطأ، لكن أعتقد أن فيه كذلك مادة يمكن دراستها والبناء عليها للخروج برؤية تنقلنا من غرفة مظلمة بتنا فيها إلى حديقة غناء وارفة الظلال، أول على الأقل محطة نستريح فيها قليلاً ونستعد للانطلاق إلى جولة أخرى وشوكتنا أقوى.

 

بقلم/ أيمن تيسير دلول

كاتب وإعلامي فلسطيني

Email: [email protected]