الخامس عشر من تموز ، محطة متجددة في مسيرة حزبنا ، تتجدد المسيرة ، تمضي نحو المجد وتحقيق الحقوق وحماية ثوابت ووصايا المناضلين من سقط منهم على الطريق ومن ينتظر ، مسيرة حافلة بالنضال والعطاء والتضحيات الجسام ، جبهة النضال الشعبي الفلسطيني ، جبهتي المناضلة ، جبهة الشهداء والمناضلين والمثقفين الثورين ، جبهة العمال والكادحين ، جبهة بسطاء الناس الذين استطاعوا المضي بالطريق ليظل الطريق هو الطريق بعد خمسين عاما على تلك الانطلاقة ، تلك الشرارة التي انطلقت من أزقة القدس وحواريها القديمة رداً على تلك الهزيمة النكراء التي منيت بها الجيوش والأنظمة العربية في حزيران من عام 1967 .
جبهة النضال الشعبي الفلسطيني كانت انطلاقتها استجابة فورية من مناضلي القدس الذين أصروا أن يدافعوا عن مدينتهم وعن هويتهم الوطنية ، فتأسست الجبهة من قلب المعاناة ومن نزيف الدماء ومن آهات الثكالى وعذابات الأسرى والمعتقلين وكانت أول تعبير للنضال الشعبي ضد الاحتلال وسياساته وممارساته ، عبرت عن رفضها للاحتلال على طريقتها الخاصة بالنضال والكفاح المسلح انطلاقاً من قاعدة أن ” التناقض الرئيسي مع الاحتلال ” وان الشعب كل الشعب يجب أن ينخرط بالنضال والمقاومة للاحتلال حيث آمنت الجبهة منذ إرهاصاتها الأولى بـ " حرب الشعب طويلة الأمد " وآمنت إيماناً عقائدياً بالوحدة الوطنية شعاراً ومبدءاً وقاعدة للنضال في مواجهة الاحتلال ، معتبرة أن الوحدة الوطنية ضمانةً لتحقيق الأهداف وصمام أمان لحماية الحقوق والثوابت وسياج يحمي الشعب ومناضليه من اختراقات العدو وألاعيبه وعدوانه ، ومن ينسى تلك الكوكبة من مناضلي الجبهة الذين تفتحت باقات الياسمين والفل وشقائق النعمان على أياديهم ، من ينسى صبحي غوشة وإبراهيم الفتياني وفايز حمدان وخليل سفيان وبهجت أبو غربية ، من ينسى الدكتور سمير غوشة الذي غرس فينا حب الوطن والفداء من أجله والتضحية من أجل القيم والمبادئ ، من ينسى كل القيادات والكوادر وقوافل الشهداء الذين ما زالت دمائهم نديّة كأنهم سقطوا للتّو في معركة أو في اشتباك أو في غارة جوية .
تلك هي الجبهة ، جبهتي المناضلة ، 50 عاماً من النضال والعطاء ومراكمة المنجزات الوطنية والتنظيمية ، والطريق هي الطريق ، جرت مياه كثيرة في النهر ولم تتغير جبهة النضال الشعبي الفلسطيني بنضالها وتضحياتها ومبادئها وعنفوانها الثوري ، تجدد شبابها ، جيلٌ يسلم الراية للجيل الذي يليه ، لتستمر بالنضال من أجل تحقيق المشروع الوطني الذي نذرت نفسها له بكل أمانة ، لم تغيير الطريق ولم تغير توجيه البوصلة فكانت دوماً من فلسطين والى فلسطين .
بهذه المناسبة المجيدة ونحن نحتفل بالذكرى الـ 50 لانطلاقة الجبهة فإننا نجدد العزيمة والإصرار على مواصلة الدرب على ذات النهج ، نشحذ الهمم ونعلي النشيد لنواصل الطريق ، طريق سمير غوشة ورفاقه وتلامذته ، وانه لشرفٌ كبير أننا من الجيل الذي تربى في كنفه وفي رحاب مدرسته الفكرية والسياسية والنضالية .
نعم تستمر الجبهة بمسيرة النضال وها هم رفاقها ومناضلوها يكملون درب فارسهم وملهمهم الدكتور سمير غوشة ، وها هو أحمد مجدلاني ورفاق الخندق في المكتب السياسي واللجنة المركزية ومعهم كل مناضلات ومناضلي الجبهة على امتداد ساحات الوطن والشتات يواصلون المسيرة نحو تحقيق أهداف وتطلعات شعبنا في الحرية والعودة والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، مؤمنون بحتمية النصر أكثر من أي وقت مضى ، مؤمنون بحتمية انتصار
إرادة الشعب ودحر سجانيه ومحتليه وبناء أسس الدولة المدنية الديمقراطية التي تكفل الحقوق والحريات العامة وحرية الرأي والتعبير وحق التنظيم وحركة الأحزاب والنقابات والتظاهر السلمي وتكرس مبادئ الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ، هذه هي يساريتنا ، وهذه هي رؤيتنا ، وهذا هو فهمنا لتداخل مهام التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي والبناء المؤسساتي الديمقراطي .
نعم بعد 50 عاماً من انطلاقة جبهة النضال الشعبي لا بد من المراجعة الشاملة وتقييم الأداء ، فـ 50 عاماً مرت وحملت في طياتها محطات نضالية عظيمة وخالدة في ذاكرة ووجدان كل مناضل ، مرت بحلوها ومرها ، وكانت الجبهة على الدوام الحاضنة لأبنائها ومناضليها .
الجبهة تستحق منا آن نقوم بواجباتنا الوطنية والحزبية والنقابية على أكمل وجه ، أن نؤسس لمرحلة جديدة ، لعلاقات متينة مع الجماهير وأن نتلمس هموم وقضايا هذه الجماهير وفي المقدمة منهم العمال والفلاحون والطلاب وقطاعات المرأة والشباب والقطاعات المهنية وأن نبني جسور الثقة والتكامل مع كل الفئات والشرائح الاجتماعية وصولاً لبناء مجتمع مدني ديمقراطي يؤمن بالديمقراطية والتعددية والسلم الأهلي والعدالة الاجتماعية في ظل دولتنا الفلسطينية .
في هذه الذكرى المجيدة ، في اليوبيل الذهبي لحزبنا المناضل ، لجبهتنا العريقة بنضالاتها وتضحياتها ، لا بد من المراجعة الشاملة واستخلاص الدروس من هذا التاريخ ومن هذا الارث الكبير ، وأن نستنهض أوضاعنا التنظيمية والنقابية والجماهيرية وربط كل هذه القضايا والمتغيرات مع التوجهات المتواصلة نحو التحول لحزب اشتراكي ديمقراطي له رؤيته وبرنامجه وله خطابه السياسي والاجتماعي والاقتصادي المنحاز لأوسع الفئات الاجتماعية ويناضل من أجل العدالة الاجتماعية ورسم السياسات العامة القادرة على تحقيق أرقى شكل للمساواة والعدالة والتقدم الاجتماعي .
نجدد العهد على نبقى الأوفياء للمسيرة وان نكمل مسيرة قياداتنا ورفاقنا الذين شقوا الطريق في الزمن الصعب ، وأن نصون العهد ونمضي بطريقنا نحو الحرية والاستقلال والعودة مع شركاء المسيرة الوطنية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا .
عهدا أن تبقى الجبهة عنوان كل مناضلة وكل مناضل وأن نحتفل بالذكرى القادمة لانطلاقة جبهتنا في قلب القدس ، مهد انطلاقتها المجيدة وملاذ روح فارسها الخالد فينا الدكتور سمير غوشة .
بقلم/ محمد علوش