العملية الفدائية الأخيرة في مدينة القدس من مبشّرات ما أقول، وهي تدلّل على الإصرار العربي والإسلامي على تحرير القدس واستعادة مجمل الأراضي الفلسطينية الانتدابية المُغتصبة منذ عام 1948. القدس وجميع المقدّسات تقيم خالدة في نفوس العرب والمسلمين وخلجاتهم وعقولهم ومشاعرهم وأحاسيسهم وعواطفهم وانتمائهم والتزامهم. وهؤلاء الأغبياء في الكيان الصهيوني يصرّون على عميهم وضلالهم وغرورهم وكأن هذا العالم الإسلامي الكبير الشاسع جمهوراً وأوطاناً ريشة طير في مهبّ الريح.
فلسطينيون من الأرض المحتلة/48 يعدون بإتقان عملية فدائية في مدينة القدس انتقاماً لشعبهم ووطنهم ومقدّساتهم ويهزّون أركان الكيان الصهيوني، ويبعثون فيه روح الخيبة والفشل وعدم القدرة على توفير أمن لأكثر الأماكن حساسية أمنية بالنسبة لهم. وفي هذه العملية ما يؤكّد لقادة إسرائيل من عسكريين وأمنيين وسياسيين أنهم لن يتمكّنوا من السيطرة على النشاط الفلسطيني المقاوِم مهما اتّخذوا من إجراءات سلبية وإيجابية للسيطرة والحيلولة دون المساس بقواهم الأمنية. مهما بلغوا من القوة لن يتحقّق التحصين الأمني المُطلق ولن ينجزوا المنعة والأمان. وبالتأكيد هم سيتوصّلون إلى معادلة ردّدها المقاومون الفلسطينيون باستمرار وهي أنه لا أمن لأحد ما دام الأمن للفلسطينيين لم يتحقّق.
على المقلب الفلسطيني، أكّدت العملية الفدائية وحدة الوطن الفلسطيني والشعب. على الرغم من كل محاولات إخراج الأرض المحتلة/48 من معادلة الصراع واعتبارها إسرائيل الشرعية ذات السيادة والعضو في الأمم المتحدة، ما زال الشعب العربي الفلسطيني المؤمن الذي يقيم على تلك الأرض يرفض كل الترتيبات السياسية التي تمّت بين الصهاينة اليهود وصهاينة العرب، ويبقى متمسّكاً بقضيته وعدالتها. أخرجت اتفاقية أوسلو الأرض المحتلة/48 من الصراع واعترفت قيادة منظمة التحرير بالكيان الصهيوني وأخذت تنسّق معه أمنياً على حساب الأمن الفلسطيني. العملية الفدائية تؤكّد على وحدة الأرض ووحدة الشعب. إنها ليست عملية حمساوية أو فتحاوية أو غزّية أو ضفاوية، إنها عملية فلسطينية لا شأن لها بالانقسامات ولا بالتحزّبات السياسية التي استهلكت الوطن والمواطن، وهي عملية فلسطينية خالصة في سبيل الله والوطن. والرسالة الفلسطينية هذه واضحة لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ومفادها أن شعب فلسطين لا يقبل التجزئة ولا التقسيم وعلى الأطر السياسية أن تحترم وحدته وتماسكه الاجتماعي واستعداده للتضحية من أجل استعادة الحقوق الوطنية الثابتة.
والعملية الفدائية تؤكّد للقيادة الفلسطينية غير الشرعية المُنتهية الصلاحية أن لا خير بالمفاوضات، وأن ما لا تستطيع الأيدي تحريره لا يمكن أن يحرّره اللسان. وتجربة الشعب الفلسطيني مع اللسان مريرة. لقد فاوض الفلسطينيون على مدى خمسة وعشرين عاماً تقريباً وحتى الآن لم يتمكنوا من دفع إسرائيل إلى مناقشة وضع القدس على طاولة المفاوضات، وكل ما دارت حوله المفاوضات هو الأمن الإسرائيلي وكيفية تجنيد الفلسطينيين لخدمة الأمن الإسرائيلي. فإذا كان عدم جدوى المفاوضات قد ثبت عملياً وواقعاً ولا لبس في الفشل الذريع الذي ألحقته المفاوضات بالفلسطينيين، فإنه من الأجدى العودة إلى مبدأ المقاومة، إنما ليست المقاومة على نهج منظمة التحرير الفاشل، وإنما على نهج علمي أمني وفق معايير صارمة يبقي على تماسك المقاومة وصلابتها ورفع قدراتها باستمرار. العودة للمقاومة ليس بالأمر السهل، لكنه ليس من المستحيل، وإنما يتوجّب تبنّي مقاومة جادّة بعيدة عن الارتجالية والفهلوة والاستعراض والاختراق الأمني.
الصهاينة يتعاملون مع العرب على أنهم كغثاء السيل لا قدرة لديهم ولا خير فيهم. ليس كل العرب سامي الصالح سفير السعودية في الجزائر. سامي وأمثاله الذين ينعتون المقاومة بالإرهابية ليسوا العرب، وإنما هم عبيد أهل الغرب وعبيد شهواتهم وبطونهم وفروجهم، ولا كرامة لهم ولا عزّة ولا إباء. العربي الحقيقي هو ابن البلد الوفيّ المُخلص المقدام صاحب الشهامة والحمية الذي يعاف الإهانة والإذلال. هؤلاء هم الأمّة العربية التي ستنتصر وستدحر الكيان الصهيوني وكل الذين يدعمونه من أهل الشرق والغرب.
وإذا لم تحرّك عملية القدس وإغلاق المسجد الأقصى جماهير الأمّة العربية الآن، فإنها ستحرّكهم غداً. هبّة الجماهير عملية تراكمية تنضج مع الزمن. شجاعة الأمّة ستبعث فيها روح المقاومة والتحدّي، وغطرسة أهل الغرب والكيان الصهيوني ستبقى العامل المساعد.