الفلسطينيون يكبلون أقصاهم

بقلم: محمد قنيطة

  مفارقة صعبة يمكن الوقوف عندها في حادثتين وقعتا بين أسوار المسجد الأقصى، الأولى حينما دخل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارئيل شارون المسجد الأقصى عام 2001 وانفجرت حينها انتفاضة الأقصى  في كافة الأراضي الفلسطينية ، وامتدت التظاهرات والاحتجاجات عشرات العواصم العربية والدولية رفضاً للفعل الإسرائيلي واسناداً وتضاماً مع الأقصى والشعب الفلسطيني .

أما الثانية ما نحن فيها الآن يوليو 2017، حيث أقدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على اغلاق المسجد الأقصى في سابقة خطيرة لم تحدث منذ قرابة 50 عاماً،- حيث كان الاغلاق الأول عام 1969 حينما أٌحُرق المسجد من قبل متطرف يهودي- هذا الفعل الإسرائيلي باغلاق قبلة المسلمين الأولى ومنع صلاتهم فيه، تحدي خطير لمشاعر وكرامة الفلسطينيين والمسلمين في بقاع الأرض لما يمثله الأقصى من قدسية ومكانة دينية ومعنوية لكل المسلمين .

المفارقة ليست في الفعل فالفاعل واحد سواء بالاقتحام من شارون أو الاغلاق من نتنياهو رغم أن الفعل الثاني الاغلاق أشد وطأة، لكن المفارقة تكمن في ردة الفعل هذه المرة من قبل الفلسطينين تحديدا والمسلمين بشكل عام.

قبل الحديث عن ردة فعل المسلمين وبالتحديد العرب وخاصة الشعوب ما الذي أصابهم تجاه قبلتهم الأولى ومسرى نبيهم !؟، سأطرق باب الفلسطينيين وبالسؤال نفسه وهم أشد قرباً وارتباطاً بالأقصى !! بدون مقدمات، الفلسطينيون كبلوا أنفسهم وأقصاهم ووضعوا الطوق حول أعناقهم، كبلوا مقاومتهم وحجرهم وكلمتهم، وهي أثمان ما يزيد عن عشر سنوات من الانقسام تُدفع من كرامتهم ومقدساتهم وهم يدرون ولا يستطيعون رد الفعل !!

قد يتعمد بعض الساسة وقادة الفصائل الفلسطينية التلاعب بالوقت واطالة عمر الانقسام بغية تحقيق مكاسب ذاتية وحزبية، ويصور لهم أن هذا الانقسام انجاز لمصلحة ما يردونها، وأن أضراره مادية يمكن تعويضها بعد تحقيق المصلحة، لكنهم تناسوا وأغمضوا عيونهم عن الضرر الأكبر الواقع الذي تتسع رقعته كلما امتدت سنوات هذا الانقسام، فقدان دلالة الوطن كبرى المصائب التي تعصف بالقضية الفلسطينية، تكدس المصائب أمام الناس والتي يشعرون أنها موجهة نحوهم بقصد، أفقدتهم الدافعية نحو الفعل، أصابتهم وامتدت نتائجها إلى ما هو أكبر من الماديات المباشرة امتدت نحو الهدف نحو الوطن والأقصى، وأخشى أن يصبح المرض مزمناً ولا ينفع معه العلاج الأولي، حالة التبلد التي أصابت الشعب الفلسطيني والرقيب الذي طوق عنق مقاومته بكل أشكالها هما نتيجة لفعل أثم ارتكبه الساسة طيلة سنوات ومازالوا..

هذا لا يعني أن الشعب الفلسطيني عقيم ويعدم الوسيلة، ولا يعني ستتوقف عجلة الأجيال التي تحمل هم القضية سواء بتعبئة حزبية أو بدون كما هو حاصل في هبة القدس التي لم يتفضل عليها وعلى ثوارها فصيل أو حزب، لكن وطأة الانقسام ومصائبه أثقلت كاهل الناس وشتت تركيزهم، ولم يعد في مخزون البعض الوقود الكافي ليكمل الطريق، وكما قيل الجيوش لا تزحف على بطونها، كذلك الثوار وأصحاب القضية أتعبهم الزحف بأجسادهم العارية وجروحهم الغائرة فوق جمر الانقسام الملتهب ونيرانه المسعورة وحسابات أصحابه الأنانية .

وإن عدت لما أصاب العرب والمسلمين، لن أتحدث عن المواقف الرسمية فلها ظروفها وحساباتها رغم تقصيرها، لكن الملفت ضعف ردة فعل الجماهير، لا أقلل من وطأة ما أصاب الشعوب وبلدانهم من مؤامرة وكأنها سايكس بيكو جديد بل أشد نكبة، أشغلتهم مصائبهم عن قضيتهم الأولى فلسطين ومسجدهم المبارك، وبالفعل ثبت القول أن المراد مما حل بالعرب بعد خريفهم الأسود هو رأس فلسطين، لكن الانقسام الفلسطيني البغيض وما نتج عنه من عداء بين الفلسطينيين أنفسهم أو مع بعض جيرانهم يطل مرة آخرى برأسه البشع بين العرب والمسلمين، وتظهر جلياً ضريبة حسابات الاصطفاف والمحاور، وارضاء طرف على حساب آخر وتدور الدائرة، وبت تقرأ تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي لأخوة عرب طالما تغنوا شعرا حميدا بفلسطين وشعبها ومقاومتها، يشتمون هذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك، وتدفع البعض مواقفه السلبية تجاه هذا الفصيل لينسى موقعه وموقفه كعربي مسلم  تجاه الأقصى، أعلم أن هناك الملايين من المسلمين يعشقون فلسطين ويتمنون أن يلمسوا تراب القدس، لكن نحن كفلسطينيين بحاجة إلى كل لبنة تشيد طريقنا نحو دولتنا وقدسنا، وأعلم أكثر أن الانقسام البغيض وحسابات بعض فصائلنا أفقدنا شيء من مكانة عظيمة تربعت في قلوب الملايين في العالم .

اغلاق المسجد الأقصى وإن فُتح قريباً يجب أن لا يمر مرور الكرام، ويجب أن تُقرأ التفاصيل الصغيرة التي واكبت هذا الاغلاق، وفي مقدمتها الفعل ورد الفعل على المستوى الرسمي والشعبي، الفلسطيني والعربي والإسلامي، وأن تعاد كل حساباتنا من جديد، وأن نقف بخطوط حمراء تحت كلمة الانقسام وحساباته، فمازال مشوارنا نحو التحرير طويل ويجب أن يبقى خزان وقودنا ممتلأ، وخير وقود لهذا الخزان شعبنا ثم أمتنا العربية والإسلامية، فلنحافظ عليه ..

على الهامش: الانتفاضة الأولى عام 1987 انطلقت واشتعلت شرارتها في وجه المحتل والشعب الفلسطيني حينها يعيش ظروفاً اقتصادية ميسورة، والإنتفاضة الثانية عام 2001 انطلقت واربكت حسابات المحتل والشعب كذلك يعيش حينها ظروفاً اقتصادية ميسورة، ما أريد أن أصل إليه أن الفقر والجوع والتهميش لايخلق ثوار ولا يُشعل ثورة على درب التحرير.

 بقلم/ محمد نمر قنيطة