حرب تموز شكلت مفصلا هاما في انتصارات المقاومة

بقلم: عباس الجمعة

رسمت حرب تموز 2006 حدا فاصلا بين زمن الهزائم العربية والتراجع والتنازل أمام الغطرسة الصهيونية المدعومة أمريكيا وزمن الصمود العربي والثبات على الحق والتحدي تمهيدا لزمن الانتصارات الأكبر واستعادة الحقوق المسلوبة.
أرادتها كونداليزا رايس بداية لرسم شرق أوسط جديد تريده أمريكياصهيونيا فجاءت النتائج لترسم شرق أوسط جديدا ممانعا للمشروع الأمريكيالصهيوني فتحت طاقة ضوء في ليل الأمة العربية لترى النور وتأمل بمستقبل حر كريم.
واليوم تنتصر المقاومة العربية حيث ترسم خارطة الوطن العربي من فلسطين الى سوريا والعراق ولبنان بمواجهة المشروع الصهيوامريكي والإرهاب في المنطقة، مؤكدا أن على سلسلة من الانتصارات ، فالمعركة واحدة والعدو واحد ، ولا بد من حشد الطقات في مشروع المواجهة.
في مقابل كل ما يجري اكدت المقاومة انها تمتلك إرادة سياسية صلبة وقدرات دفاعية لا يستهان بها وتراكم خبرة عالية ونوعية وخاصة بعد حرب تموز التي انتهت بانتصار المقاومة في لبنان ، فكان انتصار تموز عام 2006 ، هو بداية لمسار جديد في تاريخ المنطقة ولم يكن نهاية للصراع العربي الصهيوني .
ان ما سجلته وسطرته المقاومة الوطنية والاسلاميه في لبنان من انتصار في وجه للطاغوت الصهيوني الامريكي من خلال تحرير الجنوب ، بعدما تمكنت من تحرير كل الاراضي اللبنانية من الاحتلال الصهيوني وعملائه ، حيث شكل هذا الانتصار الاول الكبير على كيان زرعته القوة الاستعمارية الغاشمة على ارض فلسطين بعد غزو واحتلال لبنان صيف عام 1982 وخروج قوات الثورة الفلسطينية بعد الصمود الاسطوري على مدى ثلاثة اشهر للحركة الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية ، وبعدها شكلت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية نضالا مسلحا وموقفا سياسيا فكانت عملياتها البطولية اسقاط اتفاق 17 ايار المشؤوم ، و حملا راية تحرير الأرض والانسان، على ارض الواقع باللحم الحي والأذرع المشرعة والجباه الحرة، لم ترهن نضالاتها لأي جهة ، فكان هؤلاء المناضلين الحقيقيين في جبهة المقاومة لبنانيين وفلسطينيين ، الذين خاضوا غمار المواجهات ضد أعتى قوى الاحتلال وقدموا اعظم التضحيات من أجل حرية لبنان العظيم وحتى ينعم فيه مجتمعهم بالحرية والكرامة والتقدم والازدهار،فكان مدرسة الحزب الشيوعي والحزب القومي ومنظمة العمل الشيوعي وحركة امل مدرسة النضال والتضحية والإيثار، فقامات هؤلاء المناضلين هي قامات الشموخ، التي تطاول عنان السماء وأقدامها مزروعة في أرض النضال، ولتشكل بعد فترة مع المقاومة الوطنية والاسلامية نقطة انطلاق جديدة نحو تحرير اغلبية المدن والقرى اللبنانية المحتلة ولترسم المقاومة نضالها بدماء شهدائها خارطة لبنان وتحرير اغلبية اراضي الجنوب اللبناني عام 2000 بانتصار مدوي يسجل في التاريخ العربي والعالمي حيث انهزم العدو امام قوة المقاومة وصمود الشعب اللبناني ، هذا الانتصار سيظل مطبوعا في ذاكرة العالم وذاكرة صانعيه وبعدها تمكنت المقاومة من تحقيق نصر كبير اخر في العام 2006 ، لتشكل انتصارين متتاليبن بكفاحها الوطني التحرري وبصمود الشعب اللبناني حيث لقنت العدو الصهيوني دروسا لن ينساها وتمريغ أنوف رؤساء قادته ومرتزقته وجنودهم في الوحل، وما زال هذا النصر العظيم يشكل انتصارات بمواجهة القوى الامبريالية والصهيونيه والرجعية عصاباتهم من قوى الارهاب التكفيرية والظلامية الذين يحاولوا من خلال مشاريعهم التفتيتية للمنطقة يجرون أذيال الهزيمة والخيبة والعار، مما يفتح آفاقا جديدة ويعزز القناعات لدى كل منا بحتمية تحرير الارض والانسان، في اخطر لحظة من لحظات التاريخ العربي وفي وقت من ادق ما مرت به المنطقة في تاريخها المعاصر، وكأنه الشلل الذي اصاب بعض النفوس والوجدانات والضمائر وحتى بعض العقول فجمدها عن العمل والتفكير ، بينما المعركة الدائرة رحاها ترسم بدماء الشهداء مجمل الخريطة السياسية العربية وامتدادتها واتساعاتها ، ولكن للاسف بعض العرب كانوا غير عابئين بما يمكن ان تتمخض عنه نتائج الصراع، طالما ان هنالك ضمانات واتفاقات لتطمين هذا الموقع أو ذاك الموقع ، ونسوا أو تناسوا ان المقاومة برجالها يلتف حولها الشعب اللبناني وقواه المناضلة والاحرار والاصدقاء نسوا هذا البركان الذي بدأ من تحرير بيروت عاصمة العرب مرورا بكل مدن وقرى الجنوب لن يهدأ في هذه المنطقة وان الزلزال بدأ ياخذ ابعاده وامتداداته على كافة الخريطة السياسية في المنطقة كلها ليظهر الزيف وليكشف العورات، فها هو الشعب الفلسطيني لا يقل عطاء عن شقيقه الشعب اللبناني، أدرك أن الظروف في لبنان هي غيرها في فلسطين الا ان النضال الثوري هو فن كذلك هو الانتصار على معيقات استمرار الكفاح الثوري وابتكار الأساليب الملائمة والمواءمة لظروف النضال، ، حيث يتصدى الشعب الفلسطيني بانتفاضته الباسلة وبمقاومته الشعبيه وبأرادته الحية للاحتلال والاستيطان في الضفة والقدس ، بينما يتمسك بمقاومته في قطاع غزة ، لإن الإنسان العربي الفلسطيني في حقيقته الجوهرية إنسان نوعي لا يقبل الضيم والذل ومستعد لدفع حياته ثمنا للدفاع عن ارضه ووطنه وقضيته ، ولذا فان إمكانيات الصمود لدى هذا الشعب العظيم وقدرته على مواجهة التحديات ،تفوق كل خيال لانها تستند إلى قيم ومبادئ ولقد حاول مدعوا الدين أن يغيروا طريقة تفكير هذا الإنسان من خلال التمسك بالانقسام ومحاولة اقامة الامارة ، من اجل اعادة الشعب إلى العصور الجاهلية أو عصور قبل التاريخ ولكنهم فشلوا.
من هنا ونحن نقف امام ذكرى انتصار المقاومة رسم ابطال عملية الاقصى بدمائهم مع شهيدي مخيم الدهيشة والنبي صالح خارطة فلسطين أرضا وشعبا واحدا موحدا، مؤكدين للعالم ان زمن الحرية والاستقلال الناجز لشعب فلسطين، سيبقى خيار شعب فلسطين حتى الانتصار وكنس المشروع الصهيوني من أرض فلسطين.
ان ما يقوم به الشعب الفلسطيني في فلسطين وتحديدا في القدس والمسجد الاقصى ، يستدعي احتضان شعبي عربي في مواجهة الاحتلال ودعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته البطلة.
وفي ظل انتصار تموز نرى انه لا بد لجميع القوى والاحزاب العربية تخليد بطولات عشرات آلاف الشباب والرجال والنساء الذين تشكلت منهم قوى المقاومة والذين تحدروا من مشارب سياسية وعقائدية ومنابت اجتماعية مختلفة منذ تجربة الفدائيين التي قادها الشهيد معروف سعد في حرب فلسطين وصولا الى تجربة جبهة المقاومة الوطنيه اللبنانية ومؤسسها الشهيدين القائدين جورج حاوي وانعام رعد وحركة امل وافواجها المقاومة التي قادها الشهيدين محمد سعد وخليل جرادي وحزب الله بقيادة سماحة السيد حسن نصرالله ورفيق دربه سماحة سيد الشهداء عباس الموسوي والقائد الشهيد عماد مغنية ولن ننسى المناضل العربي ابن فلسطين ولبنان القائد الشهيد سمير القنطار لن ننسى البطل القومي خالد علوان ورمز جبهة المقاومة في الحزب الشيوعي كمال يوسف البقاعي وما بينهما مساهمات ريادية لمقاومين شيوعيين ويساريين وقوميين وسواهم من مناضلي الفصائل الفلسطينية والاحزاب اللبنانية الوطنية.
لذلك نقول ان التحرير والانتصار كان ثمرة تراكم انتصارات وانجازات وتضحيات جليلة لأجيال من المقاومين وهو شكل اول هزيمة ساحقة للعدو منذ النكبة وقد ثبت نتيجته الحاسمة بحصيلة حرب تموز التي سحقت هيبة الردع الصهيونية ، هذه المقاومة يتردد صوتها عاليا في المنطقة كلها، وليذهل العالم بهذه الانتصارات والصمود وذاك التحدي، وهذا الفهم العميق والثابت لابعاد الموقف، وليعطي الصورة الراسخة الواضحة لديمومة المقاومة .
وفي ظل انتصارات المقاومة في المنطقة ، حيث نرى طائر الفنيق الفلسطيني وسط هذا كله يشكل عاملا ديناميكيا في صنع هذه القفزات الفاعلة والنشطة، قابضا بيد فولاذية على جذوره العميقة في اعمق اعماق فلسطين، واعمق اعماق التراب الفلسطيني مستمدا من هذا التراث للثورة الحق، من جبل الرحمة في عرفات، وانبلاج الحقيقة من مهد الرسالة، لتتجاوب معه اصوات المضطهدين والمناضلين والمجاهدين بين جنبات الاقصى والصخرة والقيامة في القدس الحبيبة الاسيرة المكبلة، وان معنى هذا كله ومغزاه ومحتواه هو الدعم الكبير من الاصدقاء والحلفاء والاشقاء، وجميع القوى المقاومة والقوى الديمقراطية والتقدمية، وهو الذي يصب في الحتمية الثورية للنصر الاكيد، حيث تسترشد فلسطين بمواقف الرئيس الخالد جمال عبد الناصر واحمد بن بيله وهواري بومدين وعمر المختار والرئيس الرمز ياسر عرفات ورفيق دربه ابو جهاد الوزير وفارس فلسطين ابو العباس والحكيم جورج حبش وسعيد اليوسف ، ونحن نتطلع الى وحدة الهدف والمصير،لأننا على ثقة بان الشعوب ستنتصر في معركتها في مواجهة مشاريع تفتيت الوطن العربي واستباحة جغرافيته، أمة ستفشل مشاريع الشرق الاوسط الكبير والجديد الامريكية، ولن تقبل هذه الشعوب بوجود الكيان العنصري العصا الغليظة التي تستخدمها أمريكا في ضرب حركة التحرر العربي وقواها الثورية، واستمرار احتلالها للأراضي العربية ، رغم وجود أطراف عربية وإسلامية ودولية تتساوق مع المشروع الصهيو امريكي حيث تحاصر القضية الفلسطينية فمن خلال التطبيع مع الكيان الصهيوني، الذي يغطي سياساته تجاه القدس، بحيث باتت رحلات التطبيع مع الكيان الصهيوني بحجة الصلاة في المسجد الأقصى هي عنوان لأغلبية من السياسات العربية والإسلامية تجاه المدينة المحتلة.
وفي الختام لابد أن نذكر الدرس الأكبر من انتصار تموز والصمود الاسطوري للمقاومة وكذلك صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته ، وعلى هذه الارضية نؤكد للجميع ان التمسك بنهج الشهداء، الذين كانوا ولا زالوا وسيبقون خلاصة روح هذه الأمة، هو الخيار حت ىتبقى مشاعل نور في طريق الحرية والاستقلال وعنوان لحضور تاريخها المجيد، ومفتاح لمستقبلها الكريم.

بقلم عباس دبوق الجمعة
كاتب سياسي