لنفرض أن(فلانا) راهن على أنه سيسبب مشكلة تقود(علانا) إلى السجن والمحاكم وتبعات اجتماعية ومالية وغيرها، وعلم (علان) بخطة ونوايا (فلان) لجرّه إلى مشكلة؛ ولكن طريقة (فلان) لافتعال مشكلة كانت هي التحرش المباشر بزوجة(علان) أو أخته، فهل إذا كانت ردة فعل(علان) عنيفة وقاسية يكون قد(منح فرصة) إلى (فلان)...وهل سنحترم (علان) إذا بلع التحرش بزوجه أو محارمه، ونقول بأنه قد (فوت الفرصة) وأفشل خطة (فلان) وتصرف بعقلانية وحكمة؟طبعا، كلنا سنقول:لا، بل عليه أن يعاقب المتحرش ويتصدى له بما أوتي من قوة، بغض النظر عن خططه ونواياه ورهاناته وحساباته...كلنا سيقول هذا حسب تركيـبة وطباع شعبنا.
المثل السابق ينطبق على الحالة التي تسود القدس، حيث العدوان الجديد على المسجد الأقصى...نعم قد يكون الأمر هروبا من نتنياهو بسبب ملفات الفساد، ومنها موضوع الغواصات الألمانية، وقد يكون هناك خلافات ومزايدات بين التراكيب الأمنية والعسكرية والسياسية في الكيان العبري، وقد يكون الأمر له علاقة بما يجري في الخليج أو تركيا أو إيران، ولكن هذا لا يعني السكوت، ولا يعفي أي مسلم من واجبه تجاه المسجد الأقصى...وإذا كان هناك ثمة من نسي ما هو المسجد الأقصى؛ فقط ليعلم أنه جزء من العقيدة، فالإسراء والمعراج كان في الفترة المكية وهي الفترة التي يغلب عليها طابع تكريس وزرع العقيدة في النفوس، وهو ثالث مسجد تشد الرحال إليه، وقدسيته جاءت بسورة تحمل اسم حادثة الإسراء...وللتذكير فإن المسجد الأقصى أيضا يقع في مدينة القدس المحتلة في فلسطين، وليس على طريق الطائف-مكة كما قال واحد من النخب الثقافية المصرية، حين ختم الله على قلبه...القدس التي تسلمها عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- من صفرونيوس حين دخلها فاتحا، وقد حرر الناصر صلاح الدين يوسف الأيوبي-رحمه الله- القدس وأعاد للمسجد الأقصى أذانه وصلواته وسائر ما يؤكد إسلاميته، بعد احتلال الفرنجة الذي استمر حوالي 90 سنة...للتذكير لا للتعليم، وللتأكيد على أن قدسية المسجد الأقصى ليست محل نقاش ديني أو تاريخي أو سياسي...ولا شراكة للمسلمين في المكان بتاتا من أي كان.
هذا بغض النظر عن نوايا وخطط وصراعات وحسابات نتنياهو، وصفقات ترامب مع اليهود وبعض المسلمين والهندوس والبوذيين والملحدين...ولا يهمنا ونحن في خضم معركة الأقصى، إذا كان الفصيل كذا في مأزق، أو كان القائد كذا في أزمة...لا يهمنا اجتماع دهاقنة المال والسياسة والإعلام في أي مكان أو زمان، ووضعهم البرامج والخطط وكتابتهم للسيناريوهات...فالمكر السيء يحيق بأهله...أما المسلم فواجبه هو الدفاع عن المسجد الأقصى متجردا من كل الحسابات والمعادلات، ومتحررا من كل الهواجس حول الخطط العلنية أو السرّية...وحسبه ما نزل من الذكر الحكيم(وليدخلوا المسجد كما دخلوه أو مرّة وليتبروا ما علوا تتـبـيرا) أبعد حكم الله ينتظر حكم البشر؟وبعد وعد الله يأمل بوعد الساسة والدول؟
في أيلول/سبتمبر 2000م حين حاول شارون اقتحام المسجد الأقصى، كان الأمر مدروسا ومبرمجا، وكان باراك يريد شطب المعارضة اليمينية وعلى رأسها شارون، وكان شارون يريد أن يعود من بوابة القادر على الفعل والتصدي، وكان الجيش والأمن يريد تحقيق انتصار سهل بعد الاندحار عن جنوب لبنان، وكان هناك ربما نية لتحريك الركود بعد فشل مباحثات كامب ديفيد2 ...ومع ذلك هل كان على المصلين استقبال شارون بالورود؟وهل كان مطلوبا أن نصدق أنه اقتحم المسجد حاملا رسالة سلام كما زعم؟كلا وألف كلا، مع كل ما جرى بعد ذلك من أحداث...فالعقلانية هي الجنون حين تمس الكرامة والشرف وينال العدو من المقدسات.
مهما يكن أوغاد المكر في عواصم الشرق والغرب، من قادة مخابرات كالعقارب، أو ساسة كالثعالب، أو رجال أعمال كالذئاب في جلد الحملان، قد رسموا وخططوا، ووضعوا من الاحتمالات والتصورات؛ علينا ألا ننسى أن الله وحده هو المتصرف والمتحكم بالكون، وهو القاهر فوق عباده، ولو أن كل خططهم تنجح، لما كان هناك شعب فلسطيني، ولو أن سياساتهم نافذة، لما كان أهل القدس ينوبون عن أكثر من مليار وسبعمائة مليون مسلم في معركة تاريخية، في وجه كيان يتسابق الأمريكان والروس والهنود على دعمه وتقديم القرابين له.
مهما كان مما نعلم أو نظن أو ما سنعلم من خطط ومؤامرت، فإن هذا لا يسقط الواجب الآني بالدفاع عن المسجد الأقصى...الله غالب.
بقلم/ سري سمّور