الوحدة الوطنية الفلسطينية.. مبادرات لم تبصر النور

بقلم: نعيم إبراهيم

تؤكد المواجهة السياسية والاعلامية والجماهيرية الحالية بين حركتي فتح وحماس ، مرة أخرى ، عدم الجدية في الالتزام باستحقاقات المصالحة الوطنية ، وأن الوحدة الوطنية الفلسطينية بقيت مناورة و ليست خيارا استراتيجيا لدى هذين الفصيلين ، في الوقت الذي بقيت فيه القوى و الفصائل الاخرى كسيحة لا حول و لا قوة لها ، و الا لما استمر تراجع أولوية القضية الفلسطينية في المحافل العربية و الاقليمية و الدولية خاصة في ظل الربيع العربي الحالي .
طريق مسدود علقت به هذه القوى و الفصائل منذ عقود زمنية طويلة و يبدو أنه لا سبيل حتى الان و في المدى المنظور على الاقل للخروج منه ما اضطر الشعب الفلسطيني أن ينعى الحوار الوطني الفلسطيني و دفنه في مقابر الخلافات و الاقتتال الدموي ، رغم أن هذه القوى والفصائل تدرك تماما أن مصلحة الكل الفلسطيني فوق كل الاعتبارات.
يحاول الرئيس محمود عباس في الراهن أن يجر حركة حماس نحو مواقفه والسيطرة على زمام الأمور، وبالمقابل فإن الحركة تريد أن تبقي سيطرتها على قطاع غزة، ما يدل على عدم تولد النية الحقيقية لإنهاء الانقسام لدى كل الأطراف و أن الكل لن يستجيب لدعوات و مبادرات الكل ، ليطفو على السطح الفلسطيني مجددا ، سؤال اللحظة الحرجة ، متى تسقط الاقنعة و يتسلم الشرفاء زمام المبادرة وتتحقق الوحدة الوطنية على طريق دحر الاحتلال الصهيوني عن كل فلسطين
لا فائدة الآن من سبر غور التجارب السابقة على صعيد الحوار الوطني الفلسطيني قبل و بعد صعود نجم الاسلام السياسي في الساحة الفلسطينية لأن الفشل الذريع كان مآلها كلها ما انعكس مزيدا من المعاناة على الصعد كافة ، للشعب الفلسطيني المظلوم .
لن نكون ملكيين أكثر من الفلسطينيين . مقولة سمجة وقعت على أسماعنا منذ سنوات طويلة خلت ، رددها و لا يزال كثير من العرب و المسلمين وحتى العجم ، و أما مناسبتها فكانت توقيع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقات أوسلو مع العدو الصهيوني العام 1983 الامر الذي اعطى مدلولا لإمكانية تحقيق سلام مع هذا العدو و انتفاء أسباب الصراع الوجودي ضده . و هذا يعني أن وراء الأكمة ما وراءها .و أن اسرائيل نالت شرعية وجودها عبر هجوم كبير من المطبعين والمنهزمين الراكعين أمام استفحال الارهاب الصهيوني استيطانا و اعتقالا و تقتيلا و تشريدا و نهبا و تدنيسا ... ضد فلسطين الارض و الانسان .
مع ذلك و حتى لا تكال الاتهامات لنا و لغيرنا بأننا يئسنا و أن الموت تسرب إلى عقولنا و ذاكرتنا و بندقيتنا و أن الوحدة الوطنية الفلسطينية غدت من المستحيلات ، سندع الامل يتسرب من جديد إلى كل بيت فلسطيني في الداخل و الشتات مع استمرار المساعي الحميدة لإنهاء الانقسام الفلسطيني الفلسطيني و نشير إلى ما استجد من مبادرات على هذا الصعيد .
قيادات بارزة في تنظيم يساري فلسطيني حزب الشعب ، بذلت جهودا في الايام الماضية ، أدت إلى تقارب وجهات النظر بين حركتي فتح وحماس، وكادت أن تصل إلى نتيجة باتفاق لإنهاء الانقسام. ويشمل الاتفاق تلبية مطالب الطرفين، غير أن تلك الاتصالات واجهت صعوبات في اللحظات الأخيرة، ما حال دون إتمامها، وذلك بعد أن نفت حركة فتح وجود مبادرة مصرية جديدة لإنهاء الانقسام، رغم تأكيد حماس.
تحمل بنود المقترح المقدم من قبل الحزب، أربع نقاط، أولها ينص على حل اللجنة الإدارية، التي شكلتها حماس في غزة، والعودة عن الإجراءات التي اتخذت بسببها من قبل السلطة الفلسطينية.
وينص البند الثاني على تمكين حكومة الوفاق من القيام بمسؤولياتها كافة في قطاع غزة، فيما يؤكد البند الثالث على أن تكون مدة هذه الحكومة بعد تمكينها من العمل في غزة، من ثلاثة إلى أربعة شهور، على أن يفتح حوار خلال عمل هذه الحكومة، حول تشكيل حكومة وحدة وطنية.
ويشمل البند الرابع قيام حكومة الوحدة بالتحضير لإجراء الانتخابات الشاملة رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني.
وفي السياق نفى عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ومفوض العلاقات الوطنية فيها، أن يكون الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد قدم مبادرة أو اقتراحا لإنهاء الانقسام الفلسطيني، خلال لقائه بالرئيس محمود عباس الأخير في القاهرة قبل نحو الشهر.
غير أن مصادر أخرى أكدت طرح السيسي لمبادرة تهدف لإنهاء الانقسام الوطني الفلسطيني، وأن كلا من الرئيس محمود عباس وحركة حماس وافقا عليها، قبل أن يطرح الرئيس الفلسطيني مبادرة بديلة رفضتها الحركة باعتبارها جديدة قديمة.
وتتضمن مبادرة السيسي التي وافقت عليها حماس من دون تحفظ، ستة بنود تنص أولا على حل اللجنة الإدارية الحكومية، وثانيا، تزامنا مع حل اللجنة، أن يلغي عباس كل إجراءاته وقراراته العقابية ضد قطاع غزة وحماس من دون استثناء. وفي بندها الثالث، تنص على تمكين حكومة التوافق من العمل بحرية في القطاع، وفي بندها الرابع حل مشكلة موظفي حماس واستيعابهم ضمن الجهاز الحكومي، وفي البند الخامس تنظيم انتخابات عامة فلسطينية، وينص البند السادس، على دعوة القاهرة كل الأطراف الفلسطينية إلى حوار شامل للبحث في سبل إنهاء الانقسام نهائيا.
وأوضحت المصادر أن الرئيس عباس، بعدما وافق على المبادرة المصرية، كلف اللواء فرج مهمة عرض مبادرة بديلة على قادة حماس، مشيرة إلى أن فرج هاتف أحد قادة الحركة في 27 الشهر الماضي، وقدم له مبادرة مؤلفة من ثلاثة بنود تبدو تكرارا لشروط سابقة وضعها الرئيس عباس على حماس.
وأفادت بأن مبادرة الرئيس عباس تتضمن أولا حل اللجنة الإدارية الحكومية التي شكلتها حماس ونالت الثقة من المجلس التشريعي الذي لا يحضر جلساته في غزة سوى نواب الحركة من القطاع. وأشارت إلى أن البند الثاني من المبادرة ينص على تمكين حكومة التوافق الوطني التي شكلت في الثاني من حزيران يونيو عام 2014، ولم تتمكن من العمل في القطاع حتى الآن، باستثناء تمويل قطاعات مثل الصحة والتعليم وغيرها، من دون أن يكون لها وجود على أرض الواقع الذي تسيطر عليه حماس بـ قبضة من حديد. وزادت أن البند الثالث يشير إلى تنظيم انتخابات عامة، رئاسية وتشريعية، وللمجلس الوطني الفلسطيني تنفيذا لاتفاقات سابقة بين حماس و فتح، آخرها اتفاق بيروت في شباط فبراير الماضي.
وقالت المصادر ان فرج اشترط على القيادي في حماس أن توقف الحركة حملتها المحمومة على عباس كمقدمة لتنفيذ المبادرة، خصوصا أن هناك حملة مماثلة أميركية وإسرائيلية ضده. ورأت أن الغاية من مبادرة فرج قطع الطريق على العلاقة الجديدة الناشئة بين حماس ومصر و النائب المفصول من فتح محمد دحلان، وكذلك على المبادرة المصرية.
وكشفت المصادر أن حماس لم ترد على مبادرة فرج، بل لجأت إلى الرد من خلال وسائل الإعلام عبر إطلاق مبادرة من جانبها أعلنها عضو مكتبها السياسي صلاح البردويل الخميس الماضي.
وجاءت المبادرة الرد من البردويل قبل ساعات من موعد إعلان القيادي في حماس الوزير السابق ناصر الشاعر مبادرة جديدة تتويجا لاجتماعه ووزيرين وثلاثة نواب من الحركة مع الرئيس عباس الثلاثاء الماضي.
وتضمنت مبادرة حماس على لسان البردويل بندين تجاهلتهما مبادرة فرج أولهما استيعاب كل موظفي حماس البالغ عددهم حوالى 42 ألف موظف ضمن صفوف موظفي الحكومة والسلطة الفلسطينية، والثاني عقد اجتماعات الإطار القيادي الموقت الذي يضم ممثلين عن حماس و الجهاد الإسلامي وفصائل أخرى غير ممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية ، وهذا بحسب صحيفتي القدس العربي و الحياة.
اذن المهمة التي تنتظر الفلسطينيين شاقة. ستكون التكاليف عالية ومباشرة والمكافآت غير مؤكدة ومتأخرة. ومع أن العقبات تبدو كبيرة جدا، فإنها ليست عصية على الحل. ولعل أولها وأكثرها تحديا هو العقبات الداخلية حيث تهدد الديناميكيات الداخلية على جانبي الانقسام الفلسطيني بجعل الأجندة الوطنية رهينة لتقلبات السياسة العربية الإقليمية والدولية الأوسع في لحظة حرجة تتمثل بمؤامرة الربيع العربي .
نعيم ابراهيم