المسجد الاقصى في مهب رياح الحرب الدينية

بقلم: ايمان الناطور

بسم الله الرحمن الرحيم: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى لنريه من اياتنا انه هو السميع البصير.صدق الله العظيم
بداية فإن ذكر المسجد الأقصى في القران الكريم بهذه الخصوصية والقدسية وربطه بالمسجد الحرام وبمكة المكرمة لم يأت به الله عبثا، فالأقصى له مكانة دينية عظيمة عند مسلمي العالم ككل وليس فقط عند الفلسطينيين . فهو معلم إسلامي عالمي قبل أن يكون معلم فلسطيني .
ولمن يفهم ما يدور حول المسجد الأقصى من حراك يهودي مدبر بصورة خاطئة ويحسبها بحسبات سياسية بحتة أقول أنه بات من الواجب أن يراجع حساباته جيدا ويجردها من الصبغة السياسية لأن اليهود إنما أرادونا أن نفهم ما يحدث بهذه الطريقة السياسية ولكن الحقيقة مختلفة فالحرب القائمة على المسجد الأقصى منذ الأزل إنما هي حرب دينية بحتة وإن نضجت تحت ستار السياسة بهدف تضليل العالم عن حقيقة الأمر، وقد أريد منا أن نفهمها بصورة سياسية لأغراض خبيثة ، وقد ترددت في الحديث في هذا الأمر لمدة طويلة وفقا لما ينطوي عليه الموضوع من خطورة ولكن جاء الوقت الذي لن أجد من يطيل مناقشتي في الأمر إذ أن الأمر أصبح في غاية الوضوح وليس بحاجة الى الكثير من الشرح وقد بات من الواضح انها حرب دينية لا نقاش في الأمر فمنذ بدأت الخطة البريطانية اليهودية بتثبيت اليهود على أرض فلسطين بوعد بلفور والهجرات الصهيونية المتتالية في مطلع القرن الماضي وتسهيل حركة بيع وتمليك الأراضي لليهود وتصعيبها أمام الفلسطينيين أنفسهم ثم هجرة 48 وما تلاها من أحداث كل هذا كان بسبب البدعة الدينية اليهودية المسماة ب أرض الميعاد.. والتي كانت الأساس الذي ينطلق منه اليهود في كل تحركاتهم على أرض فلسطين ، هذا بغض النظر عن الخوض في الأساسات الوهمية القديمة للحركة الصهيونية التي قامت على أساس معاداة السامية ، وعودة للموضوع فقدوم اليهود الى أرض فلسطين أساسا وكل التحركات التي تبعت ذلك كانت أساسها قصة أرض الميعاد والتي تنبع من أصول دينية قديمة ، وليست أصول سياسية ، ولكن من الواضح أن اليهود قد استخدموا السياسة كستار لتحقيق أهدافهم الدينية خشية من أن يحدثوا انقلاب اسلامي على صعيد العالم ضد ممارساتهم على أرض فلسطين فليس من مصلحتهم أبدا تجييش الرأي العالمي ضدهم ولا في أي وقت .
ما أريد قوله أننا لا يجوز أن نتعامل مع الانتهاكات الحاصلة على أرض فلسطين والمسجد الأقصى خاصة على أنها سياسية لأن هذا لا يعطيها قيمتها وطابعها الحقيقي بل يصغر من شأنها ويحدث لغط في الحكم عليها ، وما جعلني أركز على الانتهاكات الموجهة للمسجد الأقصى خاصة هو أنه المعلم الديني الأعظم عند مسلمي العالم بعد مكة المكرمة والمسجد الحرام وهو ثاني القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وهو ليس فلسطيني الهوية أبدا ولأستطيع أن أبرهن فعلا على حقيقة ما يأخذه الأمر من منحى ديني وليس سياسي ولو استعرضنا تاريخ الأقصى وما تعرض له من انتهاكات على يد اليهود لما انتهينا من السرد أبدا ولكني أخذت هنا البعض من هذه الانتهاكات لعرضها بهدف التوضيح أكثر فلا يخفى على أحد ما تعرض له المسجد الأقصى من انتهاكات على يد اليهود عبر تاريخه الطويل وخاصة ما توالى عليه من أحداث بعد هجرة 48 ، فاستهدافه بشكل أساسي يؤكد أن الحرب يهودية اسلامية وهي دينية بحيث تستهدف أكبر المعالم الاسلامية العظيمة وأكثرها كرامة وقدسية عند المسلمين وأكثر ما يدل على ذلك ما حدث في 22 أغسطس عام 1969 عندما تعرض المسجد الأقصى لحريق على يد يهودي استرالي متطرف بهدف انهاء أسطورة المسجد الأقصى عن الأرض. حسب أحد ادعاءاته وحسب رواية أخرى أنه ادعى أن هذا الحريق سيعجل المجيء الثاني للمسيح ، وقد نتج عن هذا الحريق سقوط سقف قسمه الشرقي بالكامل واحتراق منبر صلاح الدين الذي أمر ببنائه .ومن الواضح أن الهدف وراء هذا الحدث الخطير ليس سياسيا أبدا بل ديني ولكن تم تغطيته بطريقة سياسية حاذقة .
ومن الأدلة على هذا أيضا ما حدث في الثمانينات من القرن الماضي حينما تم التآمر على المسجد الأقصى من قبل بعض اليهود التابعون لمنظمات سرية لتفجيره مع قبة الصخرة لاعتقادهم أن هذا سيسبب صحوة روحية عند اليهود ستحل جميع مشاكلهم وأفصحوا عن أملهم في بناء المعبد الثالث في القدس وتحديدا في موقع المسجد الأقصى وهنا أيضا تتضح النزعات الدينية المتأصلة في نفوسهم بقوة بعيدا عن السياسة ، وتبع ذلك عدة أحداث مثلما حدث في يناير 1988 م خلال الانتفاضة الأولى عندما أطلق بعض اليهود الرصاص والغاز المسيل للدموع في المسجد الأقصى مما أدى الى اصابة 40 من المصلين ، وما حدث في أكتوبر 1990 م عندما استشهد أكثر من 22 فلسطيني و أصيب أكثر من 100 اخرين من شرطة الحدود الصهيونية خلال احتجاجات التي تمت بعد الاعلان عن جبل الهيكل على يد مجموعة من اليهود المتدينين الذين كانوا في طريقهم لوضع حجر الأساس للهيكل الثالث المزعوم ،
وفي سبتمبر 2000م قام شارون برفقة 1000 يهودي مسلح بالدخول الى المسجد الأقصى مما أدى الى حركة احتجاجية غاضبة من قبل المقدسيين فقام اليهود باطلاق النار والغاز المسيل للدموع على الحشد أسفر عن استشهاد 4 فلسطينيين واصابة 200 منهم وأثار هذا الحدث انتفاضة لمدة 5 سنوات انتفاضة الأقصى ، ومن الواضح أن الأساسات في كل هذا بعيدة عن السياسة وهي دينية بوضوح أكبر .
وباندلاع الانتفاضة شدد اليهود القيود داخل المسجد الأقصى فقاموا بتحديد أعمار ومكان سكن المسموح لهم بالدخول للصلاة فيه كنوع من القيود على حرية العبادة وفرض الطابع اليهودي على الأقصى ، وهذه بدورها خطوة دينية خطيرة بعيدا عن أي اجراءات سياسية ، وفي أكتوبر 2016 اتخذت منظمة اليونسكو قرار اعتبار المسجد الأقصى أحد المقدسات الاسلامية وعدم وجود أية علاقة تاريخية تربط اليهود به مستنكرة اقتحامه المتكرر من قبل اليهود ولكن اليهود عملوا جاهدين على تغيير هذا القرار واتخذوا عدة اتجاهات لاصدار قرار مغاير فأية أهداف سياسية هذه التي تجعلهم مصممين بهذا القدر على الاستيلاء على المعالم الدينية الاسلامية .
وهنا وصلنا الى الجمعة 14 يوليو 2017 حيث قرر اليهود منع صلاة الجمعة في الأقصى وأغلقوا جميع أبوابه وكان هذا عقب اشتباكات وقعت في صباح نفس اليوم أدت الى استشهاد 3 شبان فلسطينيين وقتل 3 يهود بالقرب من باب الاسباط في القدس وأعلنوا المسجد الأقصى منطقة عسكرية مانعين الصلاة فيه وقاموا بنصب البوابات الالكترونية والكاميرات الذكية على أبوابه ليقع الأقصى أسيرا لليهود وهي خطوة خطيرة في محاولة تهويد المسجد الأقصى أشعلت غضبا عالميا في نفوس المسلمين حول العالم وهنا أصبحت الصورة تتسم بالوضوح أكثر وبأن ما يحدث على أرض فلسطين دينيا وليس سياسيا أبدا ، وقد أنذر الحدث الأخير بقيام حرب اقليمية ذات طابع ديني وخصوصا بعد ما تلاه من تصاعد موجة التنديد العالمية والمواجهات الفلسطينية مع اليهود منذرة بحرب على عدة جبهات .
وحتى بعد ازالة هذه البوابات الالكترونية لم يقف اليهود مكتوفي الأيدي فقد نصبوا الجسور والبوابات المتطورة على بوابات الحرم القدسي وهذه الحركة الأخيرة هي الأكثر خطورة من سابقتها فالخطورة دينية وتهدف بصورة واضحة الى حرمان المسلمين من حرية العبادة التي نصت عليها الشرائع السماوية وتهويد كل المعالم الاسلامية بداية من المسجد الأقصى في فلسطين .
نهاية أريد القول أن هؤلاء هم اليهود ..وهذه هي حربهم الدينية التي ذكرت في القران الكريم ومن أصدق من الله قيلا ..وان تم تغطية كل تحركات اليهود على أرض فلسطين منذ بداية التاريخ بأغطية سياسية فإن هذا ينبع من شدة خبث اليهود ويدعم أطماعهم في استعباد العالم كله .
ايمان الناطور