تتعامل الشعوب مع فئة النخبة بصدق في تسيير شؤونها الوطنية ، ان قامت الثورة على فكر وبرنامج عمل النخبة ، وشتان بين فكر النخبة وفكر الطليعة .
تبني النخبة فرضياتها لحل المشكل على برنامج وطني ولكن سريعا ما تتأثر النخبة بمجموعة عوامل ذاتية وموضوعية تجعلها تبتعد يوما بعد الآخر عن الأهداف والمبادئ والمنطلقات التي وضعتها في خدمة استراتيجية تحقق الحرية والاستقلال والتحرير للوطن المحتل .
أما الطليعة فهي تخرج من عمق المعاناة ، حيث تكون تلك المعاناة متعمقة في شرايينها وبالتأكيد هي معاناة الشعب أو الطبقة المستضعفة من الشعب أو المظلومة ، وبناء على رأي المنظومة الشيوعية الماركسية فيمكن للنخبة أن تتحسس مشاكل الآخرين ولكن في وجهة نظري لا يمكن أن تعيشها بكل الحواس ويمكن أيضا للنخبة من الطبقة المستضعفة أو المظلومة أن تضع نفسها في اطار النخبة لتقود ولكن سريعا ما تتخلى عن أصوليات المعاناة أي معاناة الشعب .
أما الطليعة فهي قادرة على صياغة فن الواقع في برامج تخدم القاعدة العريضة من الشعب وغالبا ما تكون هي الطبقة الضطهدة والمظلومة وهنا ينطبق المثل على اللاجئين الفلسطينيين سواء داخل الوطن أو خارج الوطن .
النخبة تحكمها في التطور الزمني لحركة النضال مصالحها الخاصة التي تبعدها عن جوهر المشكل وبذلك تبتعد عن وضع العلاجات اللازمة لحل المشكل معتمدة على خيوط ضعيفة تسمى مرحلية والمرحلية في حركة التحرر لا يمكن أن تكون التخلي عن المبادئ والاستراتيجية ، ولذلك تتدرج الأمور والمواقف من بداية انطلاقة النخبة مع عامل الزمن من الصعود إلى الهبوط في عملية تهدد المسار الوطني وتهدد أيضا الأطروحات الأصيلة التي بدأت بها .
ولذلك شتان ما بين فكر النخبة وفكر الطليعة وشتان بين مقارنات النضوج في الفكر الوطني .
إن سياسة النخبة تبدأ باثارة الجماهير والتركيز على العامل المفقود لدى الجماهير وعند إذ تلقى النخبة مزيدا من الدعم والانتشار ولأن هذا الفكر يعتبر هو الوسيلة الوحيدة لدى الجماهير لتخفيف همومها ومعاناتها ومن أجل ذلك تقدم الجماهير والشعوب أغلى ما يقدم وهي ضريبة الدم والشهادة من أجل تحقيق الهدف وتخفيف المعاناة ورفع حالة الاضطهاد ، ولا يمكن لفكر النخبة أن يعتمد في حركة النضال الوطني على العنف الثوري الذي تعتبره وسيلة يمكن أن تحرك ضدها نتيجة المتغيرات والتغيرات التي تحدث على سياسة تلك النخبة ولكن الطليعة لا تتوانى من تطبيق العنف الثوري حفاظ على المبادئ والأهداف والاستراتيجية والمسلكية أيضا ولكن إذا ما نظرنا إلى سياسة النخبة نجد أن النخبة تستمر بتقلباتها ومزاجياتها عن طريق دائرة واسعة بنيت من فساد أمني أو اداري أو أخلاقي أو اقتصادي وتميل بحركة النضال إلى الانجراف وراء مسالك الفرعيات والابتعاد عن الرئيسيات في عمليات اعلامية واقتصادية مقصود منها تغييب الجماهير عن الهدف الأصلي كل هذا مقابل المحافظة على مصالحها التي نسجتها خلال مسيرتها والتطور المسلكي البيروقراطي الذي حدث عليها .
ولا تختلف طبقة النخبة عن أي منظومة حكم سائدة في مجتمع متخلف أو في الدول النامية فلها نفس السلوك والمسلكية إلا أن الدول النامية تمتلك من مؤسسات القضاء التي يمكن أن تنظم عمل النخبة وتحمي مصالحها من ضمن اطار القانون أما في سياسة النخبة فهي الحكم والمحقق والقاضي والجلاد هذا هو سلوك النخبة .
وإذا تورطت النخبة في حركة نضال وطني فمن الصعب بل المستحيل اجراء عملية تثويرأو تغيير لسياساتها ومنهجيتها ولأن فعل النخبة يصبح كالفايروس له امتداد حتى القاعدة الواسعة التي بنتها المرتبطة بها كإرتباط الالكترون بالنواة في الذرة ولا يمكن فصل الالكترون إلا بعملية طاقة واسعة وكبيرة وهائلة تستطيع أن تتغلب على طاقة الفجوة والربط والجذب بين الالكترون والنواة ولذلك من الصعب اجراء أي عملية قيصرية أو عملية فصل للإلكترون الشاذ عن النواة إلا بالطليعة التي تؤمن بعملية التغيير وتطبيق مبدء العنف الثوري واحداث طاقة واسعة تستلهم قوتها من قوة الجماهير وتجميعها من أجل المحافظة على مصالحها الوطنية والذاتية والقومية أيضا .
إذا يمكن لسياسة النخبة أن تحدث انقلاب على كل المعايير التي بدأت منها ويمكن للنخبة أن تتحول من حركة وطنية أو قومية إلى حركة رجعية تقود الجماهير نحو الهاوية وهذا ما أثبتته الأحداث بعد الحرب العالمية الثانية وما تعرضت له حركات التحرر والثورات القومية وغيره من حركة تقودها النخبة .
إذن للذين يأملون في أي انجاز تقوده النخبة هم واهمون بل الصبر عليهم يزيد من الطين بله ويزيد من الظلم والمعاناة وافتقاد الحقوق وينشر مزيد من اليأس والاحباطات المقصود منها ثني الجماهير عن توجهاتها الأصلية نحو الصراع وأساسياته وهي وسيلة لبقاء النخبة وان ضاعت الأوطان وان ضاعت الشعوب المهم عندها أن تبقى النخبة ثم النخبة ثم النخبة والمؤتمرات ما هي إلا وسيلة من وسائل التلاعب الديمقراطي المحكومة بمراكز القوى والمال من أجل وضع الشعوب محل الشعوب في العصور الوسطى في أوروبا اعمل طوال النهار برغيف خبر ولا تفكر ...ولك الجنة ، هكذا كان يقول رجال الدين المسيحيين في ذاك الوقت لشعوبهم أما اليوم هو الابتعاد عن جميع القيم من أجل أن تصبح قضية الفساد بكل ألوانه في مجال التعميم لا التخصيص وتتوه البوصلة لدى الشعوب وتبقى سياسة النخبة .
بقلم م.سميح خلف