الحفاظ على الوطنية الفلسطينية واجب فردي وجماعي(ج2/5)

بقلم: سري سمور

(2-5)  

 (2)جدل وجب حسمه

الفكرة المضادة لما طرحته في الجزء  السابق، محورها هو  أن العرب-وفق الفكر القومي- والمسلمين-وفق تنظير شريحة واسعة من الإسلاميين- هم أمة واحدة لم يكن يفصل بين بلادهم حدود وعبور الشامي إلى تركيا أو عبور المصري إلى الشام أو عبور هؤلاء جميعا إلى العراق والحجاز، بدون تأشيرات دخول(فيزا) ولا تفرقة بين ساكني هذه الأقطار، لأن الجميع فيها إخوة في الدين والثقافة ولغة القرآن الكريم، وحتى غير المسلم الذي يسكن هذه البلاد منذ قرون حقوقه محفوظة، ويحظى بذات حرية الإقامة والعيش، ما خلا مكة والمدينة فقط لا غير.

فلما جاء الاستعمار وضع هذه الحدود المصطنعة بين أبناء الأمة الواحدة فصار هذا تركي وذاك إيراني وذاك عراقي وذاك سوري وهذا فلسطيني...إلخ ومن المعلوم أن نزاعا وخلافا حادا بين الفكرين الرافضين لفكرة الحدود والأقطار، أي الإسلاميين والقوميين؛ فالقومي لا يعترف أو لا يريد أن يكون مع التركي أو الإيراني أو الباكستاني في ذات التصنيف، ويرى تميزا وخصوصية تمتد إلى عدنان وقحطان...ولكن بعيدا عن خلافهما، فإن الحدود التي تعلمنا ويتعلم أبناؤنا أنها مصطنعة، قد تبلور بناء عليها وانبثق منها مجتمعات وكيانات سياسية وهويات وطنية محددة المعالم وخصوصيات اجتماعية وعوامل نفسية واقتصاديات متباينة...وأعلم أن هذا شيء مؤلم ومزعج ولا أدافع عنه بقدر وصفي له.

أما مقاومة هذا الواقع ورفضه هو ونتائجه ومخرجاته فلا تكون بالشعارات الرنانة، ولا الخطب الحماسية فقط، بل وفق عملية تراكمية، والمهم بالنسبة لي أنا الفلسطيني ألا أتخلى عن هويتي الوطنية لصالح هوية قومية متخيلة، أو وحدة إسلامية افتراضية، لأن كلتاهما حاليا موجودتان في تنظيرات قديمة ولا محل لهما من الواقع، وإذا أنا تخليت عن هويتي الوطنية الفلسطينية فأنا أمنح المشروع الصهيوني، والذي هو حقيقة أخطر ما قسم الأمة وشطرها، هدية لطالما حلم بها وخطط لها.

(3)أين الفلسطيني من الشعارات؟

ربما من أغرب ما جرى في السنوات الماضية أن من أزال حدود سايكس-بيكو وهي أشهر وأقوى عملية تقسيم استعماري  للأقطار العربية في الزمن المعاصر، هو تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وبغض النظر عن الآراء والنظريات حول حقيقة التنظيم ومن يقف خلفه، فإن هذه الإزالة للحدود لم يتبعها ما يجعل الناس عموما يستبشرون بها، فالأنموذج الذي رآه الناس يقوم على قتل المخالفين أيا كانوا، بل حتى من يفترض أنهم من نفس المدرسة السلفية، والتمثيل بالجثث، وتصوير عمليات الحرق والتغريق والدهس وجزّ الرقاب، وسائر تمظهرات السادية التي تحاول التغطي بالشريعة، فمن طالب سابقا بإزالة الحدود المصطنعة لعله يقول:لتبق هذه الحدود فإن بقاءها أهون شرّا من إزالتها!

وفي ذات الوقت فإن التنظيم عند بدء العدوان على غزة قبل سنوات قام عناصره بإحراق العلم الفلسطيني، وهم يستمرون بنشر مرئيات تتوعد قادة حماس وترميهم بالردة، وتعلن أن دمهم مهدور مستباح...ولهذا أستغرب حين أرى أي فلسطيني يتعاطف أو يلتحق بالتنظيم، وصولا إلى حد أن يفجر شخص نفسه بأبناء شعبه وهم أبناء دينه، كما حصل مؤخرا، بدعوى نبذ أو رمي الهوية الوطنية لصالح الهوية الإسلامية، وكأن الإسلام يرفض الانتماء الوطني أو يحرمه ويجرّمه.

وأما التنظير القومي فإن كل مشاريع الوحدة العربية قد فشلت فشلا ذريعا، ومؤخرا فإن أكثر الأقاليم العربية تجانسا قد دب الخلاف بين بلدانه بطريقة غير مسبوقة، أعني دول الخليج، وحزب البعث العربي الاشتراكي قد حكم قطرين عربيين مهمين هما سورية والعراق، فانقسم الحزب على نفسه ورمى كل فرع قطري الفرع الآخر بالعمالة والخيانة والتنكر للمبادئ...ولكن بقي الشعار(أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة!) ولا أدري من لم يستطع التوحد مع توأمه الحزبي المجاور كيف سيوحد العرب أجمعين؟!

ألست أنا الفلسطيني المطرود المنبوذ من ليبيا القذافي؟ألست أنا الفلسطيني الذي بقي في وضع مأساوي في مخيمي الوليد والتنف وأغلقت دونه أبواب البلاد العربية، ما عدا السودان الذي استوعب منهم قليلا، بينما استقبلته البرازيل البعيدة؟!

أليس الفلسطيني ابن الضفة الغربية محظوظا لإمكانية حصوله على جواز سفر أردني دائم أو مؤقت أو رقم وطني، بينما شقيقه الفلسطيني ابن قطاع غزة يحمل وثيقة سفر مصرية تجعل حياته جحيما حيثما ذهب، مهما امتلك من شهادات أو خبرة مهنية؟

ألم يكتب الراحل أحمد أبو مطر-زوج المناضلة سهيلة أندراوس- أنه الفلسطيني السبعاوي(نسبة إلى بئر السبع) بعدما استقبلته النرويح وهو على أبواب الخمسين من عمره لديه استعداد أن يحارب من أجل ملك النرويج وأنه لو قالت التقارير الطبية أنه لا يصلح للخدمة العسكرية لزوّر التقرير، بينما سيفعل العكس مع دول العرب؟!

أين هي فلسطين في مناهج العرب الدراسية عموما؟ألم نر شبانا ورجالا يُسألون عن أساسيات في تاريخ الصراع مثل ذكرى النكبتين فيهزون رؤوسهم بأنهم لا يعرفون؟وأين هي الأعمال الدرامية والأدبية والفعاليات الثقافية العربية التي لفلسطين فيها نصيب؟موجودة، لن أسأل كم نسبتها بل كم عددها خلال المسيرة الفنية والأدبية الطويلة في بلاد العرب أوطاني؟

ألم تقم الأنظمة العربية (التقدمية الثورية) بشق الحركة الوطنية الفلسطينية وأنشأت في داخلها أذرعا أو دكاكين تأتمر بأمرها وتنفذ أجنداتها؟

ألم يدفع الفلسطينيون أكلاف الصراعات العربية-العربية التي ما إن تنطفئ في مكان حتى تشتعل في مكان آخر؟

أليس جواز السفر والجنسية هي التي تحدد احترام المرء وتقديره عند الأشقاء وعند الغرباء، حتى ولو كان فلسطينيا عربيا له حق النصرة، ولطالما تغنت دول العرب وأحزابهم بفلسطين ونصرة شعبها؟ومع ذلك فإن حامل الجواز الأمريكي أو الفرنسي، وأحيانا الإسرائيلي يفضل على الفلسطيني؟!

أليس وجود الفلسطيني يخضع للتبدلات والتغيرات السياسية حتى في البلاد العربية التي أحسنت معاملته؟

فلماذا أترك التشبث بهويتي الوطنية الفلسطينية لصالح هوية غير موجودة إلا في أحلام مفكرين أو متحمسين حزبيين أو أشعار قديمة وأنغام عفا عليها الزمن؟

 وفي الفترة الأخيرة نرى تسارعا في تطبيع معلن وغير معلن بين العرب وإسرائيل مجانا، وصولا إلى التسابق في هذا الأمر، وممارسة ضغوط علينا منها ما نراه وكثير منها لا نراه، ولسان حال نتنياهو يقول:ها نحن نحصل على علاقات متسارعة مع العرب، دون تقديم شبر واحد لأشقائهم الفلسطينيين...يتبع.

بقلم/ سري سمّور