لنتفق أولا بان غزة لم تعد تلك المدينة الجميلة التي كانت ترخي بضفائرها على شاطئ البحر المتوسط لتأسر قلوب الناظرين اليها كما انها لم تعد مثار اعجاب العرب ومفخرة لهم لما كان يصدر عن أهلها من قصص وحكايات كلها تضحية وفداء ولنتفق أيضا بان غزة لم تعد تلك المدينة الامنة التي يتعايش فيها الشعب بوئام وانسجام بفعل ما احدثه الانقسام من انعكاسات ولان غزة كانت الجمال والكرامة والمفخرة ولأنها هي وحدها من اثبتت فعلا بان الكف يقاوم المخرز وحيث انها كانت قد أعطت الامل بإمكانية تحرر العرب من الاستعمار ولو بالحد الأدنى من مقومات وجود الانسان فان على الجميع منع انزلاق غزة نحو الهاوية وذلك بالاتفاق على منع شيطنتها فهي جزء من وطن ما زال محتلا وذلك من خلال العمل على انحسار داعش فيها والقضاء على أفكار هذا التنظيم مع عدم السماح لأعضائه بالتمدد.
ان بناء الانسان وتعزيز صموده هي المقدمة الانجح للاتجاه به نحو التحرير وان عدم تحصين المجتمع الذي يعيش به والاكتفاء بالسيطرة عليه دون توفير ادنى مقومات المعيشة له هي اقصر الطرق لدفعه نحو شيطنة افعاله واخد غزة نحو المجهول وحيث ان غزة ما زالت تخضع لحركة حماس وأجهزتها الأمنية منذ احد عشر عاما فإنني اضع امام تلك الأجهزة بعضا من التساؤلات المشروعة وذلك من اجل ان نقرع جرس الخطر الذي بات يتهدد الجميع وخاصة بعد العملية التي قام بتنفيذها احد أعضاء تنظيم داعش في رفح ولعل اهم تلك الأسئلة وأكثرها الحاحا تلك التي تتطلب الإجابة عليها ما تفرضه الأمانة المهنية والوطنية والأخلاقية وهو ما اذا كانت تلك الاجهزة الأمنية قد صارحت قيادتها السياسية بحقيقة امكانياتها بتحقيق نتائج ملموسة في مكافحة الإرهاب والوقاية منه في ظل انتهاك حركة حماس نفسها للدستور وفي ظل غياب الانسجام والوئام بين أبناء المجتمع الواحد أيضا وما يشكله غياب هذا الوئام من انعكاس ليس على العلاقة ما بين رجل امن حماس والمواطن فقط بل وعلى العلاقة ما بين الأجهزة الأمنية ووسائل الاعلام في ظل غياب التكامل المطلوب فيما بينهما.
كثيرة هي تلك الأسئلة التي اضعها امام أجهزة حماس الأمنية ليس من اجل تقزيم جهود من فيها ولا حتى من اجل تعظيم انجازاتهم وانما من اجل الاتجاه نحو العمل الجمعي لمواجهة الإرهاب القادم الينا والذي قد يتنامى بيننا بفعل تنظيم داعش الإرهابي ذلك التنظيم الذي استوطن بلادا امنة ومستقرة وعاث فيها فسادا رغم ما كان في تلك الدول من تكامل ما بين القيادة السياسية والأمنية والإعلامية فما بالنا ونحن ما زلنا مجتمعا يتصاعد الانقسام فيه وتزداد انعكاساته فلا امن للفرد ولا لمعيشته ولا حتى تحصين للمجتمع الذي يعيش فيه في ظل حصار لا يخترقه الا أفكار لا تتوافق مع عاداته وتقاليده ولا حتى مع معتقداته الدينية وفي ظل احتلال يتوافق أهدافه أيضا مع أفعال تنظيم داعش.
علينا جميعا مواجهة هذا الخطر القادم الينا، وذلك بالعمل على تصليب جبهتنا الداخلية وتحصينها بالوحدة الوطنية من خلال الاستراتيجية السياسية والأمنية والإعلامية التي يتطلب الاتفاق عليها من اجل امن المجتمع واستقراره، فهل من المعقول ان نشهد اختلافا في الآراء حول العملية ما بين مؤيد لها انتقاما من حماس ومعارضا لها خوفا من انعكاساتها على المجتمع، في الوقت الذي نرى فيه لا مبالاة للآخرين بفعل انشغالهم بمحاولة توفير أبسط مقومات الحياة من غذاء وماء وكهرباء.
على أجهزة حماس الأمنية ان تقف امام مسئولياتها الوطنية والأخلاقية وهذا القول ليس من باب النصيحة فقط بل من باب الحرص على امن غزة وسلامة من فيها وحرصا أيضا على عدم انكسار المقاومة والحفاظ عليها من الانزلاق نحو الصدام مع داعش ولذلك فان الأمانة الوطنية والأخلاقية وبعيدا عن الارتهان للحزبية تتطلب ان تتقدم هذه الأجهزة للإجابة على ما اثرناه من تساؤلات ووضع ما تتوصل اليه امام قياداتهم السياسية وذلك من اجل تحفيزهم على اتخاد القرارات المناسب لمواجهة الاخطار القادمة والتي لا يمكن لحماس وحدها القيام بمواجهتها بمعزل عن الكل الوطني لان الوحدة الوطنية هي بوابة الأمان لغزة وأهلها وللقضية أيضا وانه لا وحدة دون استراتيجية سياسية وامنية ولا نجاح لكلاهما دون استراتيجية إعلامية فلنعمل جميعا من اجل تحقيق تلك الاستراتيجيات حتى ننأى بأنفسنا وبقضيتنا عن اخطار أصبح حدوتها في حال المؤكد في ظل ما نعاني من انقسام بكافة مستوياته لأنه ومهما استطاعت حركة حماس من اعداد لعناصرها ومهما كانت درجة تقدمهم في مراحل الوعي والثقافة وبما يؤهلهم ذلك للعمل على تحصين المجتمع ضد الإرهاب والجريمة فانه لا نجاح لهم او الاستمرارية فيه دون تحقيق وحدة المجتمع وانهاء حالة التناقض فيما بين فئاته بفعل الانقسام.
ان خلق راي عام ضاغط ضد الجريمة والانحراف والإرهاب لا يمكن ان يتحقق دون اتفاق ما بين كافة فئات وشرائح شعبنا وقواه السياسية والاجتماعية كما لا يمكن القيام بذلك دون تحصين الفرد والمجتمع فكريا وتامين أدني مقومات معيشته ولا يمكن تحقيق كل ذلك أيضا دون التكامل ما بين الأجهزة الأمنية والاعلامية والاتفاق على ان تكون مرجعية كل منهما قيادة سياسية يلتف الكل الوطني حولها لذلك من المؤسف القول باننا لم نلمس أيضا حتى ولو محاولة واحدة من اجل تشكيل رأي عام ضاغط حيث غابت البرامج الحوارية والوثائقية كما انعدمت المؤتمرات والندوات ولم نرى اية استضافة عبر وسائل الاعلام للمفكرين والاكاديميين وخبراء الأمن من اجل الاستئناس بآرائهم حول سبل دحر هذا التنظيم او انحساره وصولا لاستقرار غزة ومنع داعش من الانتشار او التمدد فيها.
بقلم ماجد هديب
كاتب وصحفي فلسطيني