قبل أن ابدأ بتفاصيل موضوع مقالي هذا ، أود الإشارة إلى أن هناك مؤتمرا للسفراء الفلسطينيين، سيعقد في تشيلي يوم غد الجمعة 25 من أغسطس الحالي، حيث سيحضره كالعادة في مثل هذه المؤتمرات التي باتت كثيرة بدون سبب واضح، وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي ، كما سيحضره عدد من العاملين في الصندوق القومي الفلسطيني.
هذا جاء في ظل الأزمة المالية الطاحنة التي تتحدث عنها السلطة الفلسطينية ، علما بأن هذه المؤتمرات بمجملها دائما ما تكون مؤتمرات ترفيهية لسفراء غالبهم لم يقدموا أي شيء يذكر، ليس بسبب عجزهم وعدم كفاءتهم في مواقعهم ، ولكن بسبب الرغبة بذلك لهم، وبالتالي ضمان إسكاتهم من خلال هذه الرحلات الترفيهية التي تأخذ طابع مؤتمرات لالتقائهم أو أنها لربما باتت وسيلة شرعية يستخدمها مسؤولي الصندوق القومي الفلسطيني في تهريب المال عبر الشنط الطائرة في ظل الحصار المصطنع عليه.
من المعروف أنه منذ أن تأسست منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 كان الحرص واضحا فيها على المال الذي هو عصب أي مؤسسة تتطلع للاستمرار، لهذا نص النظام الأساسي للمنظمة على أن يكون المسؤول عن المال فيها منتخبا من المجلس الوطني لا معينا حتى تكون له حصانة تمكنه من التدقيق في صرف المال العام لمختلف أنشطة المنظمة. وهكذا أنشئ الصندوق القومي الفلسطيني ليكون رديفا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وهذا يأخذنا للتعرف على النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي نص على انتخاب رئيس الصندوق القومي الفلسطيني والذي يصبح بعد انتخابه، عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لضمان التعاون بين الصندوق القومي واللجنة التنفيذية، لما يساهم ذلك في تقدم العمل الفلسطيني.
في ذلك الوقت تولى عبد الحميد شومان رئاسة الصندوق القومي لمدة خمس سنوات إلى أن تولت حركة فتح قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، فاختارت في حينه رئيسا من بين صفوفها للصندوق القومي وتعاقب على تبوء هذا المركز بعد شومان، زهير العلمي وخالد اليشرطي وغيرهما.
وفي عام 1974 رأت قيادة المنظمة أنه من الأفضل أن يكون رئيس الصندوق القومي من المستقلين الذين لا ينتمون لأي فصيل فلسطيني، حتى يحظى هذا الشخص الذي يتبوأ هذا المكان باحترام وتأييد كافة فئات الشعب الفلسطيني، مما يضمن توفير الخدمة الأمثل لأبناء الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجدهم وتنمية المال الفلسطيني وصيانته، وكان نتيجة ذلك اختيار المستقل الدكتور وليد القمحاوي ليرأس مجلس إدارة الصندوق القومي الفلسطيني في ذلك الوقت.
في ديسمبر 1980 استقال الدكتور وليد القمحاوي وتم انتخاب د. صلاح الدباغ لرئاسة مجلس إدارة الصندوق القومي، ثم تبعه د. حنا ناصر، ومن ثم جويد الغصين وأخيرا محمـد زهدي النشاشيبي الذي حصل على موقعه كرئيس للصندوق القومي بالتعيين وليس بالانتخاب كما نص عليه القانون والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
في تلك الفترة حتى نهاية عهد الغصين أضيف إلى مجلس إدارة الصندوق القومي كل من الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس ، ورئيس الوزراء السابق أحمد قريع ومنيب المصري وعبد الرحيم معروف وعبد الكريم الشوا وسعيد الخوري وعدلي الدجاني وزهير الخطيب وكان صالح البرغوثي وعبد اللطيف عثمان نائبين لرئيس مجلس الإدارة.
من الأسماء الوارد ذكرها أعلاه سواء الأحياء منهم أو الذين انتقلوا للقاء ربهم، يتبين لنا تسلسل العلاقة القائمة على تقاطع المصالح حتى يومنا هذا، الذي أصبح فيه د. رمزي خوري مديرا عاما للصندوق القومي بصلاحيات رئيس مجلس الإدارة يتحكم بالقرار المالي بالكامل نيابة عن رئيس مجلس الإدارة وهو عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمــد زهدي النشاشيبي صاحب العلاقة الأساسي في هذا الأمر كما ينص النظام والقانون لمنظمة التحرير الفلسطينية.
كما أنه من الجدير ذكره أيضا أن هناك صراعا لم يعد خافيا على أحد حول السيطرة على صلاحيات الصندوق القومي الفلسطيني بين المدير العام د. رمزي خوري الذي يفتقر إلى عضوية اللجنة التنفيذية وبالتالي فإن القانون لا يسانده في هذه الجزئية ، وبين عضو وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية د. صائب عريقات الذي يصب القانون والنظام لصالحه إن تم الأخذ بعين الاعتبار طريقة تعيين عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمـد زهدي النشاشيبي ، وذلك لكي يتمكن من تولي رئاسة مجلس إدارة الصندوق القومي الفلسطيني بصلاحيات كاملة تقصي د. رمزي خوري بقوة القانون والنظام وتحدد صلاحياته كجهة تنفيذية فقط حسب ما ينص عليه الباب الخامس من قانون منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك بدلا من عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمـد زهدي النشاشيبي الذي لم تكن صحته ، تساعده على تولي مسؤولية الصندوق القومي الفلسطيني من خلال موقعه كرئيس لمجلس إدارة هذا الصندوق، لذلك بقي منصبه فخريا أكثر منه ذو صلاحيات ونفوذ.
هذا بالرغم من أنه حسب النظام والقانون الذي يحكم منظمة التحرير الفلسطينية يتوجب انتخاب رئيس مجلس إدارة الصندوق القومي انتخابا من قبل المجلس الوطني، وهذا على ما يبدو هو أحد أهم الأسباب الرئيسية التي تدفع باتجاه انعقاده في الداخل لضمان تعيين الشخصية التي تضمن الولاء والسيطرة على النفوذ في سياق المصالح المتقاطعة .
المثير هنا هو أنه عندما صرح وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغادور ليبرمان بأنه سيدرج الصندوق القومي الفلسطيني على قائمة الإرهاب لم تكن ردود الفعل الفلسطينية التي سمعناها في حينه ، ساخطة أو منسجمة معها، لا بل كانت في الحقيقة شامتة بطريقة عجيبة وبعضها ذهب بعيدا من خلال التمني بتعجيل مثل هذه الخطوة انتقاما من إدارة هذا الصندوق التي بالغت بإذلال الفلسطيني بدلا من المحافظة على كرامته، لماذا.
لأنه ببساطة لو تعمقنا في سلوك وأداء الصندوق القومي الفلسطيني خلال السنوات الأخيرة سنجد أن بعض جوانب فساد الصندوق القومي الفلسطيني الذي يعتبر بمثابة وزارة المالية لدولة فلسطين بلغت مستويات لا تطاق، وخرجت عن نص إهدار المال العام المتعارف عليه كركن أساسي للفساد ، إلى العمل جهارا نهارا بوقاحة منقطعة النظير على إذلال الفلسطيني في لقمة عيشه وحليب أطفاله ودوائهم وكرامتهم.
لذلك بالرغم من إدراكي لحساسية هذا الأمر وأيضا لحجم الأعباء الملقاة على عاتق الطاقم الإداري في هذا الصندوق الذي يعمل معظم موظفيه بجد وإخلاص وانتماء وطني مشرف، فإنه لا يسعني إلا الثناء على مجهودات هؤلاء الذين أعتز بهم وأعتبر غالبيتهم هم من أصحاب المعادن الطيبة والنظيفة والمخلصة، ومع ذلك لا يمكن إغفال حقيقة أن هناك عفنا متراكما في هذه المؤسسة المهمة يمارسه أصحاب النفوذ ، وهي المؤسسة التي من المفترض أنها تعتني بتخفيف آلام وأوجاع أبناء الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجدهم، مما أثار الشبهات حول مسببات هذا السلوك العدواني المنحط، وهناك الكثير ما يقال حول الأسباب والمستفيدين من العمل على تعميقه وضمان استمراريته.
هذا كما يبدو بأنه ناتجا من سلوك بعض الجهلة الذين باتوا يظنون أنفسهم بأنهم أوصياء على هذه المؤسسة من مفهومهم العقيم الذي يعتمد الملكية الخاصة كمرجعية لهم ومفهوم الوراثة سلوكا ممنهجا في حياتهم انعكاسا لبيئة ثقافية تراكمية غير صحية ، بدلا من مفهوم الأمانة الوظيفية التي تعتمد على أساس العمل في مهمة تقديم الخدمة العامة لأبناء شعبهم صاحب التضحية وعنوان الصمود ، وولي نعمتهم الأساسي، وذلك من منطلق تحمل المسؤولية والقدرة على تقديم الخدمة المناسبة لهم واللائقة بهم وبكرامتهم.
هذا البعض ذهب بعيدا في إذلال الناس وباتت عملية صرف الأموال لمن لا يستحق على حساب من يستحق هي العنوان، لا بل أصبح مشبوهين يتقاضون رواتبهم كاملة في حين يحرم منها شرفاء تجسيدا لواقع مرير يعتمد المنطق الجغرافي ، واقع بغيض ويحمل حقد دفين، مما خلق معادلة غير سوية لا تخضع لمعايير مهنية أو وطنية، بل بات هناك شكوكا حول أهداف هذا السلوك الغير سوي للقائمين على هذه المؤسسة بشكلها الحالي.
لا بل أصبح في قاموس همجية بعض المسؤولين عن هذه المؤسسة نهجا مشبوها يعتمد الإذلال والحرمان لكل حر وشريف ووطني مخلص لدرجة الدفع باتجاه أن تنفجر الدموع من عيون الكبار ممن يعتزون بكرامتهم من الشرفاء والكرماء في حق هذا الوطن .
لا بل خرج نهج جديد لم يكن ظاهرا من قبل في ثقافة الشعب الفلسطيني، حين تعمقت المحسوبيات والتفضيل الطائفي بعيدا عن عدالة التوزيع وإعطاء الفرص.
لا بل أصبح من حق بعض الساقطات تبوء بعض المراكز المتقدمة بغض النظر عن الكفاءة المهنية أو توافر متطلبات العلاقة مع المهنة أو الحصول على شهادات حقيقية غير مزورة يقمن بتقديمها ، في حين أن المؤهلين علميا ووطنيا باتوا يتسولون حقوقهم والدرجة الوظيفية التي تتلاءم مع كفاءتهم بالرغم من أنهم يستحقون.
يؤسفني أن هناك الكثير مما يقال ولكن كوني وعدت في مقال سابق بأنني سأتحدث في سلسلة مقالات قادمة وشاملة تنبش في ملف الصندوق القومي الفلسطيني تحت عنوان ملفات غائبة، سأتحدث فيها عن جوانب مثيرة للغاية تتعلق بالصندوق الأسود للصندوق القومي الفلسطيني.
لذلك يبدو بأن الإعلان عن اسم سلسة هذه المقالات قد أربك القائمين على هذه المؤسسة والحيتان من أصحاب المصالح المتقاطعة معهم، ويبدو بأن أحد غربانها الذي يتلذذ على أوجاع الأخرين وآلامهم، بات يتحدث بوقاحة مع أي فلسطيني محتاج أو في حالة بحث عن حقوقه، لا بل أصبح يعيش الدور الحزين وكأنه الطير المكسور الذليل في مسرحية عصا ليبرمان التي لوح بها من قبل بخصوص إدراج هذه المؤسسة على قائمة الإرهاب وهي التي باتت تلعب دورا أصبح محل تساؤلا كبيرا في هذا الزمن الرديء، حيث أنها باتت تحرص على صرف رواتب المشبوهين والخونة بدون حساب، أكثر من حرصها على كرامة وحقوق الشرفاء، في مفارقة عجيبة هدفها حصد البطولة في غياب رقابة مفقودة، ولكن مع نسيان أن الزمن دوار وأن فصول الحكاية باتت في النهاية، وأن دموع الكبار ليس للمتاجرة ولن يمر سقوطها مر الكرام.
تنويه يؤسفني أن يكون أحد أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية جامدا في مشاعره الإنسانية وكأنه يتفرج على أوجاع أصنام بدون أن يحرك ساكنا أو حتى أن يبادر بتحمل المسؤولية برجولة كباقي الرجال وكأن المسؤولية لا تجد في قاموسه مكان وكأن هؤلاء الأطفال من كوكب أخر أو هم من اللقطاء أو الأيتام ، لذلك خسئت رجولة هؤلاء لأنني بدأت أشعر باشمئزاز من سلوك هكذا رجال.
بقلم/ م . زهير الشاعر