الجميع اعتقد وبحق ومنطق ان احداث مسجد ابن تيمية في رفح عام 2009 كانت محض حدث عابر لا يوجد ما يبرر تكراره وانه مجرد سحابة عابرة لا جذور لها ولم يكن بإمكان كل الخيال الشرقي ان يتصور ان يحدث في غزة القطعة الاكثر كثافة سكانية في العالم والتي يتوحد اهلها في مواجهة الاحتلال البشع والته الحربية والحصار الظالم من قبل اسرائيل والعالم ما حدث على حدودها مع مصر بان نجد شاب غزي يفجر نفسه في دورية عسكرية فلسطينية ايا كان انتمائها.
المنطق التحليلي يقول ان الاقتتال بحاجة اصلا لجذور قومية او طائفية او طبقية اما ان يجري ذلك في بلد بهذا الحجم الصغير وكل سكانه يعيشون القهر والفقر معا وينتمون لنفس الدين ونفس الطائفة الاسلامية السنية فذلك ضرب من الخيال لكن ذلك ما جرى فعلا والذي يكاد يلغي حتى حكاية الانقسام السياسي بين حماس وفتح او بين غزة والضفة لنجد انفسنا امام صراع يقترب من الدموية في غزة نفسها فمن تفجير انتحاري نفسه بدورية فلسطينية قد يكون عناصرها من اقاربه او جيرانه او انسباءه او زملاء دراسته او معارفه قطعا الى اطلاق نار على احد المواقع العسكرية لسلطة حماس في غزة الى قيام اجهزة الامن في غزة باعتقال عناصر من الحركات الجهادية ومصادر اسلحتهم مما حدا بألوية التوحيد وهي المنشقة اصلا عن الوية الناصر صلاح الدين ثم تبع ذلك صدور بيانات تهديد وتنديد بنشاط حماس ضد الالوية وعناصرها ووصل البيان حد الوضوح في تهديد حركة حماس وظهر التهديد جليا في قيام عناصر مجهولة او مندسة بإطلاق النار بعد البيان على موقع حمساوي كحذير او اشعال للفتنة من المعنيين بالأمر او من المعنيين بالفتنة ذاتها.
احد لم يكن يتصور صراعا دمويا لا يتوقف في ليبيا ومع ذلك حدث الامر ولا زال والصراعات الدموية المتواصلة التفجير في ليبيا درس خطير للجميع بان بالإمكان صناعة الحروب حيثما امكن واليوم يطل هذا الصراع براسه في غزة وتتحدث حركة حماس كثيرا من خلال بعض قادتها عن ترك الامور تنحدر نحو الهاوية بحل ادارة غزة المشكلة من قبلها وهو ما سيدفع بالجميع للعمل على احكام السيطرة على القطاع المنفلت وخصوصا مصر واسرائيل والذي قد يوحد كلاهما في مصلحة مشتركة لمنع انتقال الصراع الى خارج حدود غزة اما باتجاه سيناء او باتجاه النقب.
الفصائل الفلسطينية اقتتلت في الاردن واقتتلت مع النظام ولونت تحالفاتها حد الاصطدام الدموي وفعلت ذلك في لبنان وحين عادت للوطن بناء على اتفاقيات اوسلو وجدت طريقا للانقسام والاقتتال حد فصل الضفة عن غزة بإرادة فلسطينية لا برغبة الاحتلال مع علم الجميع ان ذلك هو الرغبة المعلنة للاحتلال ومع ذلك فعلها الفلسطينيون ولا زالوا يفعلونها ويجدون مبررات ومبررات لمواصلة ذلك.
قطاع غزة المشلول كليا عن الحياة المغلقة امام شبابه مما يدفع بهم الى حافة الياس وتقول مصادر طبية وامنية واعلامية في غزة ان عدد حالات الانتحار ومحاولات الانتحار تصل الى 30 حالة شهريا في قطاع غزة وهو ما يقود الشباب هناك مثلا الى الادمان ومن بين ابرز مظاهر الادمان تناول عقار الترامادول المنتشر بين الشباب الغزيين الذين يعيشون ظروفا قاسية من انقطاع للكهرباء وتلوث للمياه يصل الى نسبة 97 ومنع السفر والتنقل وغياب الدخل وانقطاع الرواتب عن البعض وتفشي الامراض.
كل ذلك سيسهل على الحركات المتطرفة استقطاب الشباب وزجهم في اتون حرب داخلية قد لا تكون صراعات ليبيا بعيدة عنها خصوصا وان العديد من الاخبار تسربت عن اشتراك البعض في صراعات ليبيا عمليا وكذا في احداث سيناء وبالتالي فان غزة تعتبر اليوم قنبلة موقوته في وجهنا جميعا قبل ان تكون في وجه الاحتلال وستتوجه بوصلة السباب الناقم في غزة الى الداخل الوطني او الى الداخل القومي كمصر ولا يبدو ان هناك حتى من يحاول ان يعيد البوصلة الى مسارها في حركة ثورية حقيقية تستقطب شبابنا وتوحد طاقاتهم في وجه الاحتلال بل ان الحقيقة اننا نحول الهروب بعيدا عن الاحتلال وصناعة الانتصارات على انفسنا بدل مواجهة غير معروفة النتائج مع العدو الوطني والقومي فمصر المنشغلة بذاتها باتت تعتقد ان الخطر الخارجي عليها قادم من غزة لا من العدو الصهيوني وغزة المخنوقة بات الاحساس بظلم مصر وظلم السلطة في رام الله وغزة نفسها يبدو اكبر من الظلم الحقيقي الواقع عليها من الاحتلال الصهيوني.
هذا الحال ليس بعيدا عن الوضع في الضفة الغربية ابدا فالصراعات تتنامى بأشكال جنينية وانتظار غياب الرئيس بدون بحث في الامر حتى يعني ان البعض راغب بعدم حل هذه الاشكالية قبل وقوعها وبالتالي فان الصمت عنها يشير الى رغبة جفينة باستغلالها بشكل لن يعود علينا الا بكارثة تشبه الى حد ما كارثة مسجد ابن تيمية واعلان امارة رفح عام 2009 والذي لم يجد طريقا للنجاح بسبب قوة حماس آنذاك في القطاع والدعم اللامحدود الذي كانت ترتكز عليه داخليا وخارجيا وهم ما لم يعد موجودا كما في حينها فلا بد لنا اذن من دق اجرسنا في ان معا ان الطريق للخروج من الكارثة المحدقة هو باستعادة الثورة والكفاح وتنظيف البيت وتوحيده في معركة لا تتوقف حتى الانتهاء من كنس الاحتلال وافرازاته عن ارض بلادنا.
ملايين الليبيين والسوريين والعراقيين واليمنيين واللاجئين الفلسطينيين وغيرهم ينتشرون الان عبر بقاع الارض هربا من امارات السوء التي تقسم بلاد العرب وناس العرب بلا هوادة وتحصل بلاد العالم على ما تشاء منهم وحسب حاجتها من عقول وايدي لمصلحة تلك البلاد بينما تصبح بلادهم فارغة سهلة على النهب والسيطرة وهو ما يبدو انه مصلحة اسرائيلية من الطراز الاول فيما يخص الوضع في الاراضي الفلسطينية وخصوصا في الضفة الغربية وقطاع غزة والجليل والمثلث والنقب التي تخطط اسرائيل لتفريغها بأشكال مختلفة حد الوصول بنا الى جزر متنازعة تدار ذاتيا بسيطرة كاملة من قبل الاحتلال وجيشه وتؤجج اسرائيل يوميا الصراع مع الاردن ومصر تارة بالحديث عن الوطن البديل واخرى بزج اسم فلسطين بالأنشطة الارهابية في قطاع غزة الى جانب حالة التيه المتواصلة سياسيا فيما يخص القوى الفلسطينية فاحد لا يدري كيف ستجد حماس طريقا لمواصلة العلاقة مع قطر والسعودية وتركيا ومصر في ان معا ولن يجد الرئيس عباس ايضا مثل هذه الطريق فلا بد اذن من التخلص من طرفين يحاولان حتى الان الابقاء على حالة من التوازن بين الجميع ولو من خلال تناقضهم الداخلي لنصل غدا الى اولئك الذي سيحسمون امرهم كما تفعل قبائل ليبيا وسوريا والعراق واليمن في خلق مناطق نفوذ متنازعة ومتحاربة فإما ان نصحو من غفوتنا ان كان لا زال بالإمكان ان نفعل او ان نقرر منذ اليوم باي امارة سنعيش ان لم نجدا بوابة بوابات تفتحها اسرائيل لنا للهروب منا.
اما ان نستعيد معركتنا مع الاحتلال ونعيد صياغة ثورتنا من جديد وبأساليب خلاقة موحدة للكل الفلسطيني واما ان نجد انفسنا امام ليبيا جديدة في فلسطين تسهل على الاحتلال التخلص من وجودنا على ارضنا والاحتفاظ بالأرض دوننا فإما الثورة على الاحتلال اذن او امارات الاقتتال التي لن تسمي نفسها فلسطين قطعا بما يوفر حتى تغييب الاسم قبل الوطن نفسه.
بقلم/ عدنان الصباح