كآلاف الشباب كان له حياته وأحلامه.. أفراحه وأحزانه .. أمانيه وتطلعاته، كان يشق طريقه وسط حقول الألغام التي زُرعت في طريقه المستقبلي، حَلم بالورد.. ببسمة الحياة ورقة معانيها .. حلم بأيام هادئة وبقلب حبيبة .. تمنى أن تراكم الحياة أيامها سعادة وفرح، ليتلوا على أبنائه وأحفاده قصص الفرح، ومغامرات لعلها تترك في وجدانهم صدا ثقافيا مبدعا، او تعمد وجدانهم بمعانيها الإنسانية وروعة تفاصيلها...
كان الواقع اشد عنادا ..لينتصر الحزن على الفرح، والإحباط على التفاؤل .. وضيق الأفق على رحابته .. ومن شدة قسوته اغتال بشراسة حتى ابسط الأحلام وأكثرها إنسانية .. قتل الأمل والثقة بالمستقبل .. كسر روح الشباب في مهدها، ولم يترك منهم إلا من اقنع ذاته بأنه خارج المعادلة، او اصطنع لنفسه فرحا مزورا، وأملا كاذبا ... طاحونة الواقع المرير سحقت كل الأشياء الجميلة، لم تصل لروحهم الشبابية فحسب.. مست بجبروتها الطفل حتى الكهل .. صارت عنوان لغزة وتفاصيلها .. تستشعرها في البيت والسيارة والشارع وفي كل الأماكن .. بؤس ضاعفه بؤس أخر .. وألم زاحمه الأشد مرارة .. قصص وحكاوي لم يكن يتخيلها قارئء الكف، ولا كل أصحاب الفلسفات المختلفة .. وان جاءت كتاباتك يا مهند على طالعها، فقد كان رحيلك القسري عن الحياة الابلغ تعبيرا عن رفضها والتمرد على قسوتها.. هي صرخة احتجاج لم تقوى على إطلاقها بروحك الحية بما يكفي، شانك شان العامة من الشباب، فجئت بما استطعت إليه سبيلا .. أنهيت حياتك بصرخة غضب مدوية لعلها توقض ضمائر من أعطبت الحياة ضمائرهم .. وربما لعنة قد تصيب كل من اغتال أحلام الشباب ودمر مستقبلهم لتسحق كل ما فيهم ..
لقد أوجعت قلوبنا يا مهند .. عصرت وجدان من لم يعرفوك قبل أولئك الذين عايشوك عن قرب ... يكفي ان يُقال .. شاب انتحر، لتهز بصداها السماء قبل الأرض .. يكفي أن نستشعر ما لاح في خيالك قبل لحظات من ان تغادر روحك جسدك .. هل طافت في خيالك تلك الاشياء الجميلة التي عايشتها ولو للحظات خلال أيام انتصابك الأولى ؟.. او ربما لحظات فرح سرقتها رغم الألم من هنا او هناك؟ ... ام أن المواقف تزاحمت إمام ناظريك بكل سوادها المثقل بالهموم والأحزان؟ ... ام انك أغلقت كل النوافذ لتقول للحياة كفى ؟؟... استسلمت روحك لما هو خارج حدود هذا الزمن الأغبر.. حلقت في فضاء الكون باحثة عن ملجأ أخير لعلها تجد في مستقرها النهائي سعادة النفس وسلامة الروح ..
رحلت يا مهند تاركا آلاف الأسئلة بلا اجوبة .. لكنك وضعت النقاط على الحروف لتفقأ العيون، ولتكشف كزبتنا الكبرى .. تعري زيف الشعارات المغلفة بالوان متعددة .. اسقط حجارة السماء على رؤس من ينتظرون فرجها.. وفجرت براكين الأرض لتحرق كل التفاصيل الخادعة التي استكان لها البعض وصدقها .
أيها الراحل المتمرد .. كنت أتمنى ان تجد طريقا غير ذلك للتعبير عن غضبك، وعن رفضك لظلم الحياة وقسوتها.. لكنى إنسان عشت الكثير من التجارب القاسية مع الحياة.. والتمس الأعذار لمن لا يقون على كل ما اقتنع به .. أعذرك أيها الشاب الجميل الرقيق .. أعذرك أيها الكاتب الطموح حتى في خصامك مع الحياة .. أعذرك لأني أرى كل يوم عشرات الشباب المنتحرين فكريا وأخلاقيا وسلوكيا والمحطمين ذاتيا، وفاقدي الأمل بالمستقبل وبكل ما حولهم .
لعلها أيها الجميل تكون صرخة تحرك ولو قيد شعرة ضمير البعض لتتبدل أولوياتهم لمصلحة إنساننا الفلسطيني قبل كل شيء وأي شيء .. لعلها تشعل ضوء احمر أمام الجميع الموشحين بالوان راياتهم، ليجدوا طريقا أخرا، ونهجا مختلفا ينقذ أترابك من وحل المرحلة وقذارة الواقع .
طوبى لك أيها المتمرد الغاضب، ولروحك السلام .. وسلام لكل الذين يرسمون علامة على طريق تغيير واقعنا الأسود ولو بكلمة .
بقلم/ نافذ غنيم