​الفصائل.. والمراجعة

بقلم: وفيق زنداح

المؤكد أن هناك مراجعات نقدية تفرض نفسها بحكم متغيرات سياسية تقوم بها بعض الفصائل والحركات السياسية في مؤتمراتها العامة وباجتماعاتها الدورية .....الا أن المراجعات والتي لا نسمع بها ولا نشاهدها الا بين فترة وأخري تطول وتقصر ....لا زالت خجولة وداخلية وغير معلنة بصورة واضحة لاعتبارات تنظيمية داخلية ....أو لظروف وطنية عامة تجعل من بعض تلك المراجعات وكأنها أسرار لا يجوز البوح بها ....لأنها ربما بحسب وجهة نظر البعض قد تشكل نقطة ضعف تسجل في تاريخ هذا الحزب أو الحركة ....بعكس الحقيقة التي تؤكد أن المراجعات وإعادة تصويب المواقف.... تعبر عن صحوة مسئولة ....ويقظة معلومة .....وقدرة عالية على إعادة الحسابات..... وفق متغيرات متلاحقة تفرض نفسها وأحداثها لإعادة صياغة المواقف الأكثر قبولا وتحقق على أرض الواقع .

هذا الكم الكبير من الانتقادات المعلنة والخفية للعديد من الفصائل..... تفرض على تلك القوي ضرورة المراجعة النقدية ....وتصويب مسارها ....واعادة بناء مواقفها على أسس جديدة وواضحة تخدم أولويات ومصالح شعبنا .

لا يجوز ....ولا يعقل ....وليس من المحتمل أن تبقي المواقف تراوح مكانها ....وأن يعاد استنساخها بصورة شكلية وكلامية ....وأن يقال للرأي العام ما قيل قبل سنوات طويلة .

مشكلة بعض فصائلنا أنها تعيد تكرار نفسها ....من خلال شخوص شاهدناها ....واستمعنا اليها ....نحترمها ونقدر تاريخها ونؤكد على نضالها ......لكنها وصلت الي حالة تكرار نفسها ....وإعادة استنساخ مواقفها التي عفي عليها الزمن .

الفصائل وبحكم تجربتنا الوطنية ....وثقافتنا السياسية.... كانت على الدوام خارج اطار النقد والمراجعة ....ولا يجوز المساس أو الاقتراب منها لاعتبارات واهية وغير مقنعة.... وكأن الفصيل خارج النقد والمراجعة والتصويب ......وهذا بعكس الحقيقة ....والحالة السياسية الشعبية التي تفرض احداث متغيرات واجبة وضرورية احتراما وتقديرا للقواعد الجماهيرية المؤيدة لهذا الفصيل أو ذاك .....وخدمة للمصالح الذاتية في إطار المصالح الوطنية .

من الخطأ الاعتقاد أن الفصائل ملك قادتها وأعضائها .....لأن من يقدم ويضحي ويدفع فاتورة الصمود واستمرار النضال ....قد لا يكونوا بأغلبيتهم من أعضاء هذا الفصيل أو ذاك .

فصائلنا والمراجعة .....تحتاج الي إعادة صياغة فكرنا السياسي والتنظيمي .....بل إعادة صياغة مواقفنا ورؤيتنا ....إذا كنا بحق بحاجة إلي ضخ دماء جديدة وقادرة على الابداع والابتكار والتجديد ....وحتي نخرج من إطار المصفقين..... والمطبلين دون قناعات حقيقية .

ربما من الصعب على بعض فصائلنا أن تستوعب كل ما يقال .....لأسباب عديدة لها علاقة بجمود فكري أيدلوجي ....أو جمود سياسي تنظيمي .....لأن الفصائل لم تعتاد على نقدها .....لا من أعضائها ولا حتى من جمهورها ....ولا حتي من وسائل الاعلام واصحاب الفكر والرأي ...وأن نقد الفصيل لا يعتبر في إطار النقد البناء..... بل يأتي في إطار المناكفة والمطالبة بتغيرات غير مقبولة بحسب وجهة نظر البعض .

المنافسة المشروعة ما بين الفصائل ....لا زالت تتعثر بفعل منطلقات صراع حول الصدارة والقيادة .....وهذا ما يدخل فصائلنا بحالة إضاعة المزيد من الطاقات والإمكانيات ....وتأخر واضح بتحقيق الأهداف التي وجدت من أجلها تلك الفصائل .

التصريحات ....والمؤتمرات الصحفية.... والمسيرات الشعبية ....لا تكفي وحدها..... لكي يقول الفصيل أنه هنا ....وقد سجل الموقف .

نحن جميعا أصحاب المشروع والوطن .....وكل منا يتحمل مسؤولياته لكن أن يبقي من ينتقد دون تحمل المسؤولية...... يعتبر خروج عن الحياة الديمقراطية ومعادلاتها ....لأن بقاء النقد والتجريح ....وإطلاق السهام..... وكأن كل منا ينفض يده من المسؤولية..... يأتي في إطار الانتهازية وعدم المسؤولية ...... والهروب منها ..... بل يأتي في إطار التقاعس عن أداء الدور الذي من أجله وجد هذا الفصيل أو ذاك .

لم نعتاد في إعلامنا وثقافتنا السياسية على النقد إلا في إطار التمسك الحزبي والانتماء الفصائلي...... لكننا لم نعتاد على النقد الذاتي ....وإحداث المراجعات النقدية .

صحوة الضرورة .....ويقظة المرحلة..... تتطلب إعادة صياغة فكرنا السياسي والتنظيمي ....وبناء قواعد علاقاتنا الوطنية على أسس صحيحة وسليمة...... وأن نخرج من إطار التعبئة التنظيمية الضيقة .....إلي اطار التعبئة الوطنية العامة التي تحترم المواقف والشخوص والقيادات والفصائل.

شعبنا والذي وصل به الحال إلي مراحل ومنعطفات يصعب معالجتها بصورة سريعة يحتاج الي سنوات..... بل أن هناك أجيال قد دخلت إلي مراحل عمرية متقدمة دون أن تأخذ فرصتها ....أو أن تؤدي دورها ....أو أن تتحمل مسؤولياتها في عمل تستطيع من خلاله اثبات ذاتها ....وتقديم امكانياتها .

لا يعقل أن يبقي الوطن حكرا وملكا لبعض العشرات من الأسماء .....التي تتردد بكل المواقع والمسؤوليات .....وكأن أمهات فلسطين لم ينجبوا غيرهم..... رغم فشل بعضهم لا زالوا يتصدرون مواقعهم ومسؤولياتهم .....لأننا لا نقيم على أساس موضوعي ....ولا نراجع على أسس واضحة .....ولا نحاسب من أخطا ....ولا نكافئ من أنجز ....الكثير من أمورنا تترك ويتم البناء عليها على قاعدة الولاء والثقة ....وليس على قاعدة الكفاءة والقدرة على العطاء .

حساباتنا ضيقة في الكثير من الأحيان .....لدرجة أنها وصلت الي قتل الكثير من الإبداعات وحطمت الكثير من المعنويات .....وجعلت أجيال شابة تضل طريقها وتأخذ منحنيات التطرف والسقوط في مربعات الانحراف بكل أشكالها .

مسؤولياتنا كبيرة ومتعددة وأنا الاقل معرفة بها ....وهناك الكثيرين ممن يمتلكون الكفاءة والمقدرة على تحديد تلك المسؤوليات.... وأن يصيغوا الأفكار والمبادئ التي لا تعطي الفرصة لكل متسيب أو متهرب من مسؤولياته .

المسؤولية شي عظيم وكبير ...وكل منا سيتحمل مسؤولياته بقدر مكانته ودوره ....فهل ندرك ذلك ...حتى نراجع أنفسنا .

بقلم/ وفيق زنداح