لعل تفاقم مشكلة الفقر في غزة نتيجة ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتراجع كبير في الحياة المعيشية للفرد، كل ذلك يرجع إلى انعدام الفرص وعدم تخصيص برامج ومصادر لمكافحة الفقر وبالتالي انعدام مقومات الحياة الكريمة للفرد في ظل واقع مليء بالتناقضات الاقتصادية، ولو رجعنا إلى الأسباب فهي عديده منها الحصار والانقسام والفساد وغياب إدارة الموارد المالية بشكل عادل وغيرها من الأسباب، ومشكلة الفقر في غزة تعد الأعلى عالميا، واليوم كأنه لا يكفي المجتمع مصيبته تضاف إليه مصيبه جديدة زادت الأمور تعقيدا ألا وهي الفقراء الجدد في غزة جلهم من موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية وخاصة الموظفين المدنيين الفئات العاملة والتي تعتمد على دخلها من الوظيفة فقط، ولكن هذا الدخل لم يعد كافيا لسد الحاجات الرئيسية بعد التقاعد المبكر وخصم 30 من رواتبهم التي في الأصل متدنية، مما زادت على كاهلهم أعباء الحياة، فنحن بصدد فقراء جدد كانوا يكدون ويعملون بجد، ولكن الأزمات المتتالية مست دخلهم الوحيد وأصبحوا غير قادرين على العيش الكريم.
ولو رجعنا الى هذا الواقع الجديد للمجتمع بطبقاته الفقيرة نرى أنه لم تعد هناك حدود فاصلة بين الفقراء المنعدمين بالأصل والفقراء الجدد من موظفي السلطة، فالفقراء المنعدمين هم بطبيعتهم معروفين ويحصلون على المعونات والمساعدات الانسانية والاجتماعية وغيرها ولديهم حدود معيشي محدد لخط الفقر لديهم بما يمثل الحد الأدنى المطلوب لسد حاجاتهم الأساسية، وهم بالأساس هيئوا أنفسهم على ذلك، أما الفقراء الجدد من موظفي السلطة كانوا معتمدين على الراتب في كل مؤشراتهم الحياتية سواء كانت المعيشية أو تطوير الذات أو تعليم الأولاد أو ترميم وبناء المنازل والاضطرار واللجوء إلى القروض من البنوك لتلبية احتياجاتهم أنفه الذكر، وفجأة تغير الواقع بعد التقاعد وخصم جزء كبير من الراتب من قبل السلطة بغض النظر عن المبررات، مما زادت تعقيدات حياة الموظف ليرى نفسه أمام التزامات متعدده غير قادر على تلبيتها، وبقى حال راتب الموظف إما أن يذهب لشركة الكهرباء والاتصالات وجوال والبلدية للمياة والباقي للمديونية، وجاءت شهور الاستنزاف المالي للموظف من قبل شهر رمضان المبارك بشهرين وصولا إلى عيد الاضحى والمدارس والجامعات، وجميعها تحتاج إلى مصاريف، وتراكمت الديون على الموظف مما يحتاج الى شهور بعد تللك الشهور لتبدأ عمليه سداد الديون.
باعتقادي أن استمرار واصرار السلطة على التقاعد والخصم من رواتب الموظفين سيزيد الحياة صعوبة وأكثر تعقيدا بعد ازدياد حالات الفقر في المجتمع، فالفقراء الجدد سوسيولوجية القهر والحيلة تأملات المواطن الحائر المتوقع منه كل شيء، ولم يعد لكثير من الفقراء الجدد الموظفين القدرة على الصمود أمام استمرار أزمة الرواتب والأزمات المالية والاقتصادية الحالية، خاصة وبعد أن استطاعت هذه الشريحة أن تحظى بمستوى معيشة معتدل نوعا ما في الفترة الماضية، ولكن مع هذا الواقع الجديد في ظل فشل جهود المصالحة لإنهاء الانقسام وغياب شبكة الحماية الاجتماعية ووقوع تلك الشريحة فوق خط الفقر مباشرة، وهي الأكثر تأثرا بالتقلبات الاقتصادية وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وغيرها من الأزمات والتراجع الاقتصادي سيكون كفيلا بانزلاقها تحت خط الفقر، وصعوبة تغلبهم على الفقر، بالطبع سيكون له تأثيراته السلبية على كل المستويات الاجتماعية والسياسية والاخلاقية والتربوية وعلى المجتمع بمجمله بوتيرة متسارعة، ويتسارع معها الاحباط واليأس والتشاؤم، كما أنه قد تكون النتائج عكسية فوق كل التوقعات والتقديرات.
ان المطلوب اليوم من السلطة الفلسطينية أن تعيد النظر بكل إجراءاتها مع الموظفين مما يكفل حماية لهم وحياة معيشية كريمة، وأن لا يكون الموظف ضحية الانقسام، فالحلول الابداعية متعددة لإيجاد حلول لإنهاء الانقسام دوم المس بلقمة عيش الموظف الملتزم بقرارات مرؤوسيه سابقا وحاضرا، امنحوا الموظف الأمن الوظيفي وعليكم الأمان، فلتعيد الجهات المعنية حساباتها، فالوضع يحتاج إلى كثير من المعالجة وأخذ الاحتياطات لمواجهته، فالحالة الفلسطينية تحتاج لنظرة للبعد الاجتماعي ولطبيعة الظروف الاقتصادية المحيطة بهذا الموظف وعدم استسهال فكرة التقاعد والخصم من الراتب كحل سحري ضاغط للخروج من أي ازمة ولنا في دول مشابهة، فالقدوة والمثل للخروج من النفق المظلم بأقل الخسائر المادية والاجتماعية والسياسية.
بقلم/ د. رمزي النجار