ما زال أبو عوني حياً يرزق حتى يومنا هذا، ويسكن معسكر خان يونس للاجئين!.
يقول أبو عوني: كنا في مخيمات قطاع غزة للاجئين لا نمتلك خبزاً، ولا ماءً، ولا حذاءً، ولا كساءً، سوافي رمل، تفتقد لمقومات الحياة، حتى صار الجوع رفيقنا، ولا يفارقنا إلا حين ندخل "الطُعمة"، وهي مؤسسة التغذية التابعة للأونروا، ولكن دخول "الطُعمة" كان مشروطاً بوجود بطاقة خاصة اسمها "كرت الطُعمة"، الذي يجيز تناول الطعام لفرد واحد فقط.
يضيف "أبو عوني": ولما كان أخي يشاركني في "كرت الطُعمة"، فقد كنت آكل في يوم، وأجوع في اليوم التالي، ليأكل أخي في يوم، وأجوع في اليوم التالي، وهكذا!.
يقول أبو عوني: في أحد الأيام التي كنت أقف فيها خارج أسوار "الطعمة" أتضور جوعاً، كنت أتخيل أخي وهو يأكل الطعام، فيسيل لعابي، وأتمنى أن يخرج لي أخي مع قطعة خبز مهربة، أو حبة كفتة لحمة من التي كانت توزعها الأونروا.
كنت شقياً بالجوع في ذلك اليوم، ولا أرى من الدنيا إلا رغيف الخبز، حين خرجت من باب الطعمة امرأة تحمل طفلها، وترفع في يدها نصف رغيف خبز محشو بحبة كفتة، ترفعه بفخر وثقة وفرح واطمئنان، وكأنها تسترجع قريتها التي طردها اليهود منها سنة 48، ولم تنتبه المرأة لأنفي الذي تشمم رائحة اللحمة المشوية، ولم تلحظ عيوني التي أكلت نصف الرغيف.
يضيف أبو عوني: فجأة، ودون أن أدري؛ قفزت مثل قط بري على نصف الرغيف، وخطفته من يد المرأة، وطرت به كصقر، وسط صراخ أهالي معسكر خان يونس للاجئين، حرامي، امسك حرامي، هم يصرخون خلفي، ويطاردونني، وأنا أفر من أمامهم، وأقضم من نصف الرغيف، وأبتلع دون أن أمضغ، لقد صرت مطارداً لسكان معسكر خان يونس للاجئين، هم يصرخون، ويطاردنني، وأن أفر، وأقضم، حتى ابتلعت نصف الرغيف كاملاً.
وبعد أن غاب الخبز في جوفي، قررت أن أسلم نفسي إلى الجماهير التي تطاردني، لقد سلمت لهم نفسي دون أن أبالي بالركلات واللكمات، كنت فرحاً، فقد أكلت نصف الرغيف!.
يقول أبو عوني: فرحي بأكل نصف الرغيف يعادل ما تبقى من رواتب الموظفين بعد الخصم، ويؤكد أن ما نعانيه اليوم في غزة من حصار، وانقطاع كهرباء، وشح في الوقود، لا يساوي شيئاً من تلك الأيام التي مرت على شعب فلسطين، الشعب الذي قهر جلاديه بالصمود، ورفض أن يخون قضيته، ورفض أن يبيع الثوابت الوطنية بمال، ويرفض أن ينكس بندقية المقاومة مقابل حفنة كهرباء، ويرفض الاعتراف بإسرائيل على حدود 48 مقابل بطاقات vip ، ويرفض أن يقايض الرواتب المخصومة بالهتاف لمستنقع العفن والرذيلة.
د. فايز أبو شمالة