(7)تآكل وخطر متسارع
أعرف أنني لن أضيف شيئا إذا قلت ما يقوله جميع الناس من طرفي الانقسام إلى أطراف أخرى إلى المراقبين إلى النخب المحترمة:الانقسام بغيض، وأضر بالقضية الفلسطينية، ويجب العمل على إنهاء وطي هذه الصفحة السوداء من تاريخ شعبنا...ثم ماذا؟منذ أكثر من 10 سنوات وشعبنا يسمع هذه العبارات، حتى ملّ من تكرارها الذي صار كأنه لازمة أو ديباجة أي حديث، ومن كان عمرة 10 سنوات حين بدأ الانقسام صار اليوم في الجامعة، ومن كان شابا صار له ربما بنين وبنات يافعين، ولم تفلح عشرات المبادرات والمقترحات والحوارات والاتفاقيات الموقعة في إنهاء هذا الانقسام.
هناك من يرى الأمر أعقد وأصعب مما نتصور، نظرا لأن ثمة تداخلات وارتباطات إقليمية ودولية تحول دون المصالحة بين إخوة الدم والوطن والمصير وقبلها المعتقد، وكثرت التحليلات التي تحاول تشخيص المشكلة؛ وبعضها لجأ إلى تعميمات تحمل الاتهام أو الرغبة في راحة الذهن، وكأن الأمر لا يخص أصحابها، علما بأنه يخص كل فلسطيني في العالم، فمثلا تختزل المشكلة بأنها صراع على السلطة، ومع أن هذا البعد أو العامل ليس غائبا ولا وهميا، ولكن من اللاموضوعية بمكان اختزال الأمر فيه، حسنا، هل السبب هو تضارب البرامج السياسية أو اختلافها حد التوازي؟هذا أمر مهم وقد كتبت قبل بضع سنين بأنه ما لم يتم التوافق على برنامج سياسي مشترك فسيبقى الحال على ما هو عليه، ولكن أي برنامج والطرفان يقولان بدولة على حدود 67 أي أن البرامج لم تعد بذاك التناقض الحاد، على الأقل من الناحية النظرية المعلنة...الأمر يحمل البساطة والتعقيد في آن واحد فثمة عوامل سياسية داخلية وخارجية وثمة عوامل أخرى فكرية واجتماعية ونفسية واقتصادية، وكل هذا مجتمعا يكوّن المشروب الأمرّ من العلقم المسمى انقساما...وفي ذات الوقت فإنه يفترض أن يكون الخطر والتهديد بشطبنا من التاريخ والجغرافيا بل-ولا أبالغ- من الوجود دافعا وحافزا نحو التصالح ولو بالحد الأدني.
وأنا إنسان آمن طويلا وكتب ونظّر بأن شعبنا يتوحد في مواجهة الاحتلال ولو اختلفت أطيافه فكريا أو سياسيا، بل يغدو عند المواجهة كما يحب الله تعالى صفا كالبنيان المرصوص؛ ولكن وأقولها بكل ألم وحرقة، شرعت بإعادة النظر بما آمنت به طويلا نظرا للإحباطات المتواصلة حتى على هذا الصعيد؛ فلا الحروب الثلاثة على غزة، ولا الحراك أو الهبة أو الحالة الكفاحية التي انطلقت في الضفة الغربية قبل سنتين، ولا محنة الأسرى، ولا معركة كرامة الأقصى الأخيرة، ولا أي منعطف في الصراع مع العدو أعطى ولو بصيص أمل في شيء من وحدة نتعطش إليها؛ بل وببالغ الأسى رأينا أن كل منعطف أو مرحلة منها كانت تعطي ذخيرة إضافية للمناكفات وزيادة الفرقة...هذا وأنا من عاش فترة كان الحل لشجار بين فتح وحماس في منطقة يحل بشبان من الطرفين يفتعلون تصعيدا مع قوات الاحتلال فتهجم على المنطقة والبقية عندكم...يا حسرة على تلك الأيام!
ولكن المؤكد أن فتح وحماس تتصدران المشهد السياسي الفلسطيني، أحب هذه الحقيقة من أحب، وكرهها من كره، ولم ولا ولن يستطيع أي من الطرفين المتخاصمين إزاحة الآخر من الساحة السياسية أو احتواؤه، ولا يمكن لأي حزب أو فصيل أو حركة أخرى أن تحل مكان أي منهما، لأسباب مختلفة...ولا الأحداث التي عصفت وتعصف بالمحيط العربي منذ بضع سنين استطاعت أن تغير من هذه المعادلة؛ فصعود حركات الإسلام السياسي-مع تحفظي على المصطلح- قبل سنوات لم يفت في عضد نفوذ فتح وقوتها؛ وتراجع هذه الحركات وملاحقتها وشيطنتها لم يضعف حماس ويحد من قوتها وتأثيرها؛ وهذا دليل على أن فلسطين حالة خاصة بغض النظر عن ميول أو تصنيف القوى فيها عربيا، ولا أنفي التأثيرات العربية على الطرفين مباشرة أو غير مباشرة، ولكن تلكم التأثيرات لم ولن تؤثر في الكتلة الصلبة لهما، وأعرف أنني بهذا أخالف ما خطته بحار من الحبر ترى العكس في فترة صعود ثم تراجع حركات الإسلام السياسي...هنا فلسطين وليس مصر ولا سورية ولا تونس ولا ليبيا يا قوم!
ولكن الانقسام انعكس على الواقع الفلسطيني؛ وصار شماعة أو منصة للهجوم على الشعب الفلسطيني، وحجة واهية بل سمجة للتطبيع العربي مع إسرائيل، ومبررا للضغط علينا؛ وهذه حقيقة نعرفها وندركها...ولكننا مصرون على انقسامنا!
وتواصلت تداعيات الانقسام حتى طالت بنيتنا الاجتماعية؛ فلا يمضي يوم دون أن نسمع عن حوادث قتل أو شجارات عائلية، ناهيك عن الحالة التي تلامس التشظي في المشاعر؛ وحالتنا الشعورية لمن عاشها لا أظن أنه كان هناك شعب تمتع بها سابقا، بسبب عموم المحنة والاضطهاد والاستهداف، ولا يمكن فصل حالة الانقسام عن هذه الحوادث، حتى لو كان المتشاجرون-وهم كذلك غالبا-لا شأن لهم لا بفتح ولا حماس ولا بالسياسة كلها، فكما أخبرني أحد الضالعين في لجان الإصلاح فإن الوحدة الوطنية عامل قوي للحد بنسبة كبيرة جدا مما نراه من مشكلات متواصلة.
وهذا التآكل الذي تجلت أعراضه في التمترس حول مخرجات الانقسام أو دوافعه، أعاد بطريقة أو بأخرى حالة انتهت تقريبا مع بداية انتفاضة الحجارة قبل 30 سنة، وأعني العشائرية والجهوية والمناطقية، كبديل تلقائي لتنظيمات انشغل بعضها ببعض...وهذا أمر كارثي يهدد هويتنا الوطنية التي لم يفلح المندوب السامي البريطاني وأنظمة وساسة عرب إضافة إلى الاحتلال بكل ما مكروا وكادوا أن يمسوا بها، فجئنا بانقسام يقوم بالمهمة التي عجزوا عنها، ونحن نزعم أو ربما نظن ونتوهم أننا نحافظ عليها.
كل هذا هيأ المسرح لما صار حديث الصالونات السياسية خاصة الأمريكية والإسرائيلية وبعض الدول العربية-ولو من تحت الطاولة- عن فكرة (الحل الإقليمي) أو (صفقة القرن) بصفاقة وكأنه لا يوجد شعب فلسطيني له فصائله وقواه وفعالياته الرسمية والشعبية...وهذا يعيدنا إلى الوراء ويجعل هويتنا الوطنية في مهب الريح، أو يعيد تفصيلها على مقاس هذا الطرح الخبيث، ما لم يتكاتف الجميع للتصدي بحزم له.
(8)الواجب الآن وفورا
الصورة باتت واضحة وجلية، فالحل الإقليمي الخبيث، والذي هو باختصار يقوم على جعل القضية المركزية هي قضية (الإرهاب) وما أسهل أن يدخل الأمريكان والصهاينة من شاؤوا تحت هذا التصنيف، وليست قضية الاحتلال، وتسوية تقوم أساسا على حل اقتصادي، وصفقة تتعلق بسيناء وغزة مع مصر، وأخرى في الضفة مع الأردن.
بيد فتح وحماس معا إفشال هذا المخطط وبأسرع مما نتصور؛ وليفترضا أن وباء أو مرضا معديا حلّ بمنطقة سكنية معينة، ألا يتعاون الجميع على مكافحته والحد من انتشاره؟هذا يحدث حتى بين الأعداء وليس المتخاصمين سياسيا فقط، نحن أمام وباء لا يستهدف أجسادنا بل روحنا وكينونتنا، طبعا لا أغفل ولا أنكر دور الفصائل الأخرى، بالعكس، ولكنها دون الجناحين الكبيرين لن تحلق!
أما الفرد الفلسطيني سواء أكان في الوطن أو الشتات فمطلوب منه أن يعي خطورة هذا الحل على كينونته وكرامته؛ فكل مال الدنيا لا يساوي دمغة القبول بتصفية القضية، والذل المترتب على هذا الحل، أعجز عن وصفه لو تم لا قدر الله؛ فقط مطلوب الوعي، وعندما تتمكن حالة الوعي من الفرد، فليس بحاجة إلى تنظير لأنه سيعرف دوره في الحفاظ على هويته الوطنية الحقيقية لا المفصلة في دماغ السكير ترامب، أو دماغ الماكرين من الليكود والبيت اليهودي وغيرهم...الفرد الفلسطيني مطلوب منه ليس خطة عمل وكتالوج، لأنه سيوجد لنفسه الخطة فقط إذا أدرك ما يخططون.
،،،،،،،،،،
الأربعاء 15 ذي الحجة 1438هـ ، 6/9/2017م
من قلم:سري عبد الفتاح سمّور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين