الروهينجا ليسوا أول -وربما ليسوا آخر-مجموعة مسلمة في وسط غير مسلم يتم اضطهادها وقهرها ومحاولة استئصالها وإبادتها عبر ارتكاب مجازر وحشية وعمليات تهجير قسري منظم، وليس بالضرورة أن تنجح المحاولات الاستئصالية الإجرامية، مهما بلغت شدّتها ومهما كان حجم التواطؤ الإقليمي أو الدولي معها، ومهما كانت الأمة تعاني من الضعف والهوان.
فبقرار تاريخي، أو بانتهاز لحظة تاريخية حاسمة، قام نجم الدين أربكان-عليه رحمة الله-باقتحام شمال قبرص وأنـقذ المسلمين القبارصة الأتراك من اليونانيين.
قسمت جزيرة قبرص، نعم، فالتقسيم المستمر منذ 1974 والذي لا تعترف به سوى دولة واحدة في العالم(تركيا)خير مما كان سيجري من ذبح سنقرأ عنه ونشاهد بعضا من صوره القليلة في ذلك الزمان، لنضيفه إلى أسفار المآتم والأحزان المتلاحقة منذ مآسي الأندلس ومحاكم التفتيش الفظيعة.
أما شعب البوسنة والهرسك فـقد حباه الله بقيادة واعية وحكيمة عرفت ووعت وعملت بمقتضى مقصد مركزي للشريعة أي حفظ النفس، مدركة وضع الأمة، ووضع الشعب البوسني الجيوسياسي، فعمدت إلى توظيف ما استطاعت من أوراق مهما كانت، وأصرت على المقاومة والصمود في وجه الوحشية الصربية والمجازر وعمليات التطهير العرقي التي تمثل وصمة عار في جبين من يزعمون التحضر والإنسانية، بل شرعوا حقوقا حتى للحيوانات، والتي تم تنفيذها بأيدي وحوش الصرب بدعم مكشوف معلن أو خفي عن الألسن والأعين من دول عظمى وكبرى، فتمكن البوسنيون بتضافر جهود قيادتهم مع مقاومتهم وصمودهم، من انتزاع اعتراف بوجودهم كشعب مسلم في البلقان في نهاية المطاف.
والأمثلة متعددة ولا مجال لسردها،ولكن حاليا العالم الإسلامي حاله ربما أصعب مما كان في أزمنة سابقة، ولا نرى للروهينجا قيادة طليعية، وابتلي هذا الشعب المسكين بجارة السوء حكومة بنغلادش.
وهآرتس تتحدث عن دعم عسكري إسرائيلي للجيش البوذي، وهذه سابقة لأن الكيان العبري كان دوما يحرص على الظهور بمظهر إنساني؛ فحين وقعت مجازر البوسنة والهرسك أدخلوا مجموعة من الأطفال المسلمين الأيتام إلى فلسطين بضجيج إعلامي، وقتها كان الهدف التغطية على اتساع حجم استنكار عمليات القتل والإبعاد في فلسطين...فماذا يريد الإسرائيليون اليوم؟هل يريدون مثلا افتعال نزاع إسلامي-بوذي ؟خاصة أن ما عهده الناس وعرفوه عن البوذيين بعيد عن العنف الفردي أو الجماعي؟ربما ولا يهمنا كثيرا، خاصة ونحن نرى رهبانا بوذيين يحرضون علنا على المسلمين، ويتورطون فيما يجري لهم.
التنظير وهذا الكلام ربما لن يقرأه المضطهدون في أراكان ولكن بعد الاتكال على الله يكمن الحل بتنظيمهم مقاومة استنزافية وحرب عصابات منظمة من جهة، بالتوازي مع جسم سياسي يتحدث باسمهم ويطالب بحقوقهم للحفاظ على بقائهم في بلادهم مع أمنهم على معتقداتهم، متسلحا بنصوص القانون الدولي ليضع قوى العالم الكبرى في الحرج
والمشردون لا حل إلا اعتمادهم على ما يجود به الناس أو بعض الحكومات والمنظمات حتى يأتي أمر الله، وثمة مواقف لا بأس بها من بعض الدول ناهيك عن حالة التعاطف الشعبي في العالم الإسلامي معهم وهذه أوراق قابلة للتعزيز...وعندها سيكون الأمل بنجاة هؤلاء المساكين من المسلمين كبيرا.
ومن المعروف أن القوى الدولية الكبرى حين تحدث جرائم ومجازر تغض الطرف وكأن لسان حالها يقول:نعطيكم مهلة لقتلهم وترحيلهم، فإن رأت صمودا ومقاومة من الطرف المضطهد تبدأ بالتحرك البطيء المتثاقل لإعطاء مهلة إضافية للقتلة، فإن اشتد عود المقاومة وفشلت المجازر في تحقيق أهدافها، تبدأ بالحوار والتفاوض لإيجاد حل...هذا ما تقوله التجربة مع هذا النظام الدولي الغاشم.
أما البكائية التي تتساءل عن الأمة أو التي تعيب على نظام دولي معروف كيف تأسس وهو حفيد محاكم التفتيش وإبادة الهنود الحمر موقفه الذي ليس غريبا بل هو الطبيعي فلن تنقذ المستضعفين في تلك البلاد مما هم فيه، وتوسل هذا النظام وانتظاره لا فائدة منه، ولا تستهينوا بالدعاء مثلما يفعل بعض الناس بحسن أو بسوء نية لأن الدعاء مأمور به شرعا...اللهم كن في عون المسلمين في أراكان وانصرهم واحفظ دماءهم وأعراضهم وبيوتهم وديارهم، وآو مشرديهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم.
بقلم/ سري سمّور