يشهد مجتمعنا العربي في السنوات الأخيرة انحداراً أخلاقياً وثقافياً حتى النخاع وصل الى درجة الفوضى والتسيب .
فالقيم تنقرض وباتت في خبر كان ، والأخلاق تكاد تندثر ، والمحبة بين الناس والعلاقات الاجتماعية في نكوص ، والكراهية تتعمق وتتزايد ، وبسطاء الشعب ما زالوا يؤمنون بالخزعبلات والخرافات والاساطير والغيبيات ..!
لم يعد قيمة للأنسان ، ولا يوجد احترام للأخرين من اصغر طفل لاكبر شاب ، ولا للرأي الآخر .
العنف يستشري ، والجشع المادي والراسمالي الاستغلالي يتزايد ، والتخلف يتفاقم في الجسد العربي حتى بين المتعلمين والاكاديميين واصحاب الشهادات ..!
القذارة داء خبيث داهمنا وصار جزءاً من ثقافة مجتمعنا ، في حين نظافة اليد ونقاء القلب والضمير الحي والوفاء الانساني اصبحت عملات تادرة في زماننا وواقعنا الراهن .
شبابنا فقدوا الهوية ، وباتوا يتنافسون ويسابقون ليس على الثقافة والوعي والمعرفة ، وانما على آخر موديلات السيارات وافخم البنايات والقصور والفيلات واحدث انواع الهواتف الخليوية وآخر صرعات الشعر ..!
هجروا المراكز الثقافية والنوادي الحزبية والسياسية والامسيات والندوات الثقافية والسياسية والأدبية ، التي اصبحت حكراً على كبار السن الذين تعودوا على سماع القصيدة والشعر الخطابي المنبري وحضور المظاهرة والاجتماع الشعبي والمحاضرة السياسية التي تغني الفكر والعقل .
سيطرت علينا ثقافة الاستهلاك بعد سقوط الشعارات وانهيار الايديولوجيات ، في اعقاب الزلزال المدوي الذي عصف بالفكر الاشتراكي ..!
اهتزت القناعات الفكرية ، وكثرت الدكاكين الحزبية و" الوطنية " ، وكثر تجار الكلام واصحاب الشعارات الفارغة ، ومرتزقة الفكر ، وتراجعت الحركة الوطنية والعمل السياسي والأهلي والتثقيف الفكري وثقافة التطوع وقيم العطاء في المجتممع ، وصار كل شيء بمقابل بعد ان كان دون مقابل ..!
ازدادت اعداد الانتهازيين والمتسلقين والوصوليين والمرتدين ، وباتوا يتسابقون للوصول الى المراكز والمواقع القيادية ويصلون ..!
الأنا وعشق الذات والنرجسية صارت قيم المرحلة ، والنخب السياسية والفكرية والمثقفة فقدت دورها الطليعي وتتهادى نحو السقوط والانهيار ، بعد سيطرة ثقافة الكرسيولوجيا والابقار المقدسة ..!
وامام هذا الواقع القاتم والحالك والبائس المتردي نحتاج الى ثقافة مستنيرة ووعي نقدي وفكر تنويري معاصر جديد ، يشكل نواة لمرحلة جديدة تصنع التاريخ القادم ضمن منهج نقدي صحيح يحاول أن يقدم ما هو مطلوب من حلول وأجوبة على الأسئلة المطروحة والعالقة ، وبهدف اخراج الحركة الوطنية من أزمتها ومحنتها وتراجعاتها وترهلها .
فكر جديد يؤسس لمرحلة جديدة تتلاءم مع الواقع الراهن ، ويحاول أن يجيب على متغيراته وتبدلاته وتشكيلاته الجديدة ، وقادر على القضاء على الجهل السائد وتصفية مظاهر الأمية ، والعمل على تحقيق الاصلاح الجذري في المجتمع وصيانة النسيج الاجتماعي بين مركبات وتشكيلات شعبنا ، وبناء اسس المجتمع المدني الحديث القائم على الديمقراطية وحرية الرأي والتعددية السياسية والثقافية واحترام الرأي الأخر .
بقلم : شاكر فريد حسن