حماس... والحسابات السياسية

بقلم: وفيق زنداح

المحللين والمتابعين لمجريات الأوضاع الداخلية الفلسطينية توقعوا ما حدث بصورة شبه كاملة من حيث التوقيت الذي صدر فيه إعلان موقف حركة حماس ....كما القاهرة باعتبارها العنوان الأهم والأقدر على جمع طرفي الانقسام ....وإنجاح الجهود من أجل إتمام التفاهمات حول القضايا الأساسية التي كانت مطلوبة من حركة حماس وعلى رأسها حل اللجنة الإدارية وتمكين حكومة التوافق من أداء مهامها ومسئولياتها ....والتمهيد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية ....والتأكيد على الاستعداد لإجراء حوارات حول وضع آليات تنفيذ المصالحة وبرعاية مصرية .

عنصر المفأجاة السياسية لم يكن واردا لدي غالبية المحللين والمتابعين للشأن الفلسطيني ....على اعتبار ان الحسابات السياسية ومعطيات الواقع ....وما حدث من متغيرات إقليمية ما بعد إعلان وثيقة حماس وانتخاب قيادة جديدة قد أوصلت الحركة إلي قرار استراتيجي حيث يجب الاكتفاء بما حدث ....والعمل على المصالحة بما هو قادم .....حسب الحسابات الدقيقة التي تحكمها السياسة ومعادلاتها ....والتي شكلت عاملا حاسما في اتخاذ قرارات حماس ....والالتقاط الفتحاوى بالوقت المناسب والملائم .

حسابات المواقف قائمة ومستمرة ....ومعمول بها في سياسة الدول والأحزاب والحركات السياسية ....وهي ليست ضعفا .....أو تراجعا .....يمكن أن يحتسب بخطوة هنا أو هناك .....بقدر ما يمكن حسابه بدقة متأنية .....وبموضوعية عالية .....وباتزان سياسي يغلب عليه العقل .....وأولوية المصالح نزولا عن شعارات غير مجدية ....لم يعد بالإمكان تكرارها ....أو حتى تنفيذها ....بحكم تناقضاتها ....وعدم ملائمتها لمجريات السياسة وخارطتها الداخلية والإقليمية وحتى الدولية .

أن تأتي متأخرة أفضل من أن لا تأتي ...على هذه القاعدة جاءت الحسابات والمواقف بعد سنوات طويلة .....كلفت الكثير دون أدني فائدة تذكر ....حسابات تم إعاقتها لأسباب عديدة لها علاقة بأوضاع تنظيمية ....وبعلاقات خارجية.....وارتباطات عقائدية .

السياسة القائمة على عوامل خارجية تعصفها الأنواء .....ولا تمتلك قدرة الاستمرار بحكم اعتبارات الظروف الداخلية والمتغيرة .....بصورة تفرض المزيد من المرونة والقدرة على إحكام العقل والمنطق في اتخاذ القرارات .

حماس حركة سياسية براغماتية لها ثقلها ومكانتها وقدرتها داخل الساحة الفلسطينية ....ولها تاريخ طويل بالعمل النضالي..... لكن أصابها خلل واضح في علاقاتها الداخلية والإقليمية.....مما أضعف من مواقفها ....وفرض عليها وقائع جديدة .....وحسابات سياسية لم تكن بحسبانها عبر عقود ماضية .

المعادلة السياسية الإقليمية لا تساعد حماس ومرجعيتها ....وإمكانية الإبقاء على مواقفها القديمة .... ولا حتى استمرار علاقتها بالتنظيم الدولي للإخوان الذي أصابه الانهيارات المتتالية .....كما بعض العواصم المحسوبة بدعمها لحماس والتي تعيش أزمات متتالية .

السياسة الدولية وما يبذل من جهد لإلصاق تهمة الإرهاب بحركة حماس كلها عوامل وأسباب نقف مع حماس ضدها ....بل وندافع عنها ... باعتبارها حركة وطنية فلسطينية لها ايجابياتها .....كما لها سلبياتها .....كأي فصيل فلسطيني وهي حركة منافسة على الزعامة والقيادة على أرضية جماهيريتها وتاريخ نضالها .

من هنا حركة حماس قدرت حساباتها.... لتجد نفسها إزاء مواقفها القديمة بحالة خسارة مستمرة ودائمة..... طالما استمرت على علاقاتها ....وارتباطاتها والتي أفقدتها ......مكانتها وقدراتها.... وفعاليتها .....داخل الخارطة السياسية الداخلية والاقليمية .

حركة حماس التي أنقذت نفسها .....باحتكامها للغة العقل .....والحسابات السياسية الدقيقة ....ووجدت بالقاهرة داعما ومساندا لحساباتها الجديدة ....ومشجعا ودافعا لإنهاء صفحة الانقسام وإتمام المصالحة بما يخدم وحدة الفلسطينيين ....وبما يعزز المصالح القومية والامن القومي والتي لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بطبيعة الأوضاع بقطاع غزة .

استطاعت حركة حماس بقيادتها الجديدة ....وبما تمتلك من ذكاء وقدرة على احتساب السياسة ومصالحها ....وطريقها الصحيح والصائب ....وبأقل خسارة ممكنة.... ان لم نقل العودة بأرباح كانت ضائعة ....اذا ما استمرت المواقف على قاعدة الحسابات القديمة .

نقدر لحركة حماس ذكائها ومرونتها وقدرتها على التحرك ....بعيدا عن الارتباطات العقائدية وحتى العواصم المؤثرة.... وذات النفوذ بقراراتها وعلى الأقل بالماضي القريب .

استمرار الإمساك بلغة العقل ....وقلم الحسابات السياسية..... في معادلة المتغيرات المتلاحقة يؤكد على أن القرارات المعلنة من قبل حماس تأتي في إطار الضرورة التنظيمية والوطنية وتفوق بحساباتها كافة المصالح والارتباطات الخارجية ....التي لم تسعف حماس ....ولم تستطع أن تقدم لها حلولا لمشاكلها ومعضلاتها المتراكمة .

مصر الشقيقة الدولة الوحيدة بحكم عوامل كثيرة ....وجغرافيا ممتدة ....وتاريخ حافل ...وقومية عروبية .....وبما تمتلك من قدرات ومؤثرات الفعل العملي .....وليس الشعارات المفرغة ....أخذت بيد حماس ....كما بيد فتح الي حيث اللقاء والتوافق ....والذي لا مخرج عنه ....ولا حياد .

قطاع غزة وصل إلي حالة كارثية فيها من المشاكل والأزمات التي لا تستطيع حماس ايجاد الحلول لها والقائمة طويلة .....كما أن أهل القطاع والذين يقاربون 2 مليون نسمة عبئا كبيرا لا تستطيع حماس تحمل مسؤولياتهم والسنوات العشرة الماضية أكدت ذلك.

كافة الظروف السياسية الاجتماعية والاقتصادية على عكس مصالح حماس التنظيمية والوطنية..... والتي فرضت عليها حسابات الضرورة .....لاتخاذ المواقف التي تخرج عن حدود التقليد والعقلية السياسية السابقة .....والتي أضاعت على الحركة أوراق قوة عديدة بزحمة المعضلات والأزمات .

أحسنت حركة حماس وقيادتها باتخاذها للقرارات الصائبة .....والمضي قدما على طريق إتمام المصالحة وإنهاء الانقسام .

مواقف حركة حماس وحساباتها الجديدة القائمة على اعتبارات وطنية وتنظيمية حمساوية يجب أن تخدم حركة حماس كما كافة أبناء الشعب الفلسطيني..... وهذا ما يتطلب خطوات مشجعة تأخذ بيد حماس إلي حيث الشراكة والمسؤولية الوطنية والتاريخية .....وانهاء كافة أشكال الصراع .....الذي أوقع بداخلنا الكثير من الخسائر التي يصعب تعويضها .....في ظل تحديات سياسية اقتصادية واجتماعية ما زالت قائمة ومتفاقمة في ظل التحدي الأكبر والمتمثل بالاحتلال..... الذي لا زال على عنصريته واستيطانه وعدم التزامه بالتسوية السياسية .

وحدتنا الفلسطينية وإمكانية إنجاح خياراتنا النضالية ....بتحقيق دولتنا ....أو حتى بمقاومتنا ....والتي تحتاج بكلا الخيارين إلي وحدة الموقف والإرادة .

بقلم/ وفيق زنداح