بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمست منذ قدوم وفد قيادة حماس ومكتبها السياسي إلى مصر ، وعقدهم اجتماعهم الأول بعد في القاهرة ، أن الأجواء العامة لزيارة المكتب السياسي واجتماعاته العديدة مع وزير المخابرات المصري اللواء خالد فوزي ، ومسؤول الملف الفلسطيني بالمخابرات المصرية والعديد من كبار المسؤولين المصريين تدعو للتفاؤل ، وكذلك لمست أن هناك الكثير من البشائر والإنفراجات التي تلوح في الأفق ، ولذلك دعوت للتفاؤل بالخير ، وقلت حينها ، وفي أكثر من موقع وصحيفة وفضائية أعتقد أننا نقترب كثيرا من الإعلان عن طي صفحة الإنقسام الأسود ، وبدء صفحة المصالحة الوطنية الفلسطينية الشاملة ، داعيا الله أن يوفق قيادة مصر العروبة ، والرئيس أبومازن والقيادة الفلسطينية ، وقيادة لحماس ، في لملمة الشمل الفلسطيني ، والإعلان عن حل اللجنة الإدارية ، والبدء الفعلي في تنفيذ تفاهمات إنهاء الإنقسام ، ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية تعد للإنتخابات الفلسطينية الرئاسية والتشريعية والمحلية .
وكذلك كنت أول من تحدث عن التباشير والمعطيات التي تلوح في الأفق ، وأكدت الأسبوع الماضي أننا أقرب مانكون ، إلى الاعلان عن حل اللجنة الإدارية ، والبدء في تطبيق تفاهمات المصالحة ، وطي صفحة الإنقسام الأسود ، وأن هناك مؤشرات ومعطيات كثيرة تؤكد أن الإنفراج مقبل وقادم بإذن الله ...
وهذا التفاؤل الذي سكنني ، كان نابعا من قراءتي للمتغيرات الفلسطينية والإقليمية والعربية والدولية ، والتي باتت تدفع كلها نحو إنهاء الإنقسام الفلسطيني ، وأكثر المتغيرات الإقليمية تأثيرا ودفعا لتغيير الواقع المؤلم فلسطينيا وعربيا واقليميا ، هو قرب انتهاء العدوان ضد سوريا الجغرافيا والتاريخ والحضارة والمكانة والموقع ، والإقتراب من لحظات النصر على الجماعات الإرهابية والتكفيرية ، والقضاء على المؤامرة والفتنة الكبرى التي تهدد سوريا والمنطقة بأكملها ، بالإضافة إلى قرب القضاء على داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية التكفيرية في المنطقة ، حيث كانت فلسطين الخاسر الأكبر بسبب الفتن الكبرى في المنطقة ، ونزيف الدم السوري والعراقي واليمني والليبي والمصري والصومالي والأفغاني والتونسي والجزائري ، وكافة الدماء الإسلامية والعربية ، وباتت سوريا تسير قدما في طريقها نحو النصر الكامل والشامل ، وتطهير الأراضي السورية من جميع الإرهابيين والمرتزقة الأجانب ، مما سيجعل سوريا العروبة تعود إلى سابق مكانتها ودورها وتأثيرها الإقليمي ، وخصوصا في الصراع العربي الإسرائيلي ، وكذلك دورها في دعم ومؤازرة ومساندة القضية الفلسطينية ، فسوريا هي إحدى دول المركز المؤثرة في منطقتنا العربية والإسلامية ، وفي معادلة الصراع العربي الإسرائيلي ، وخصوصا أنها شكلت منذ فجر التاريخ مع مصر الكنانة ، مركزية الإستقطاب الجيوسياسي والتأثير وصناعة الأحداث في المنطقة ، وبلاد الشام ومصر هي قلب الأمة النابض بالحياة وإرادة الصمود والقدرة على النهوض وقيادة الأمة ، وبالطبع فإن مصر هي المسؤولة والمعنية والراغبة والحريصة على تحقيق المصالحة الفلسطينية ، وبيدها كافة مفاتيح المصالحة وضمان نجاحها ، وقد قررت العودة بقوة إلى استعادة دورها الرئيس والمركزي في المصالحة والملف الفلسطيني ، وهي الأكثر تأثيرا فيه ، ولذلك فإن التقارب المصري مع حماس ، يصب مباشرة لصالح القضية الفلسطينية ، والمصالحة وإنهاء الإنقسام الفلسطيني .
وقد لمست أيضا أن هناك تغييرات وتطورات ملموسة وايجابية في مواقف حماس ، وعلى ضوء ذلك خاطبت السيد الرئيس أبومازن ، وقلت حينها أعتقد أنه من المهم لدى الأخ الرئيس أبومازن والقيادة الفلسطينية إلتقاط هذه التطورات والإشارات التي تطلقها حماس ، وأنصح وأدعو وأطالب الأخ الرئيس بضرورة إرسال وفد قيادي فلسطيني بصلاحيات وصاحب قرار إلى القاهرة ، للقاء مع الأخوة المصريين ، واللقاء مع الأخوة في قيادة حماس برعاية مصرية ، وأؤكد أنه تلوح في الأفق الإعلان عن اللجنة الإدارية من طرف حماس ، وإمكانيات تحقيق المصالحة ، وطي صفحة الانقسام الأسود ، وأضفت أعتقد أن الخرق الكبير الذي يمكن تحقيقه ، والبدء الجدي بتطبيق كافة التفاهمات للمصالحة برعاية مصر الشقيقة الكبرى ، يمكنه أن يتحقق على الفور ، فيما لو جاء الرئيس الفلسطيني الأخ أبومازن إلى القاهرة ، على رأس وفد فلسطيني قيادي شامل ، وهذه الفرصة قد لا تتكرر ، وهذه نصيحة علنية أوجهها للأخ الرئيس والقيادة الفلسطينية ، انطلاقا من موقعي كجندي فلسطيني في ركب الثورة الفلسطينية ، وانطلاقا من إلتزامي الوطني وولائي لفلسطين وقضيتنا العادلة ، وشعبنا البطل ، ومنظمة التحريرالفلسطينية ، والرئاسة والقيادة الفلسطينية الشرعية والتاريخية ، ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد ، وتحقيق المصالحة ، ورفع الحصار الظالم عن شعبنا في الضفة والقطاع والقدس المحتلة وكل فلسطين .
وكان من الواضح واللافت أن هناك أسس ومعطيات وضوابط جديدة وضعتها مصر الكنانة ، أمام الكل الفلسطيني ، لتحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء صفحة الانقسام الأسود البغيض ، وأهم هذه المعطيات والأسس ، أن مصر أعادت الإمساك بزمام الملف كاملا ، وإبعاد اللاعبين والعابثين الإقليمين عن هذا الملف ، وتسعى مصر أيضا للعودة بمستوى العلاقة المصرية الفلسطينية ، إلى زمن الزعماء والقادة الكبار ، الزعيم جمال عبد الناصر ، والزعيم أحمد الشقيري ، والزعيم ياسر عرفات رحمهم الله جميعا ، ولن تسمح باستمرار الإنقسام الفلسطيني ، الذي أضعف الفلسطينيين ، وأربك المحيط العربي ، وأضعف الدور العربي والمصري للتماس مع القضية الفلسطينية ، فالمصالحة الفلسطينية باتت حاجة وضرورة مصرية ، بنفس المستوى والقدر كونها حاجة وضرورة فلسطينية ، وخصوصا بعد فشل جميع المبادرات والوساطات الإقليمية والعربية والدولية السابقة للدفع بتحقيق أي تقدم في المصالحة ، والفشل في طي صفحة الإنقسام الأسود ، ولن تتوقف مصر عن الضغط بكل قوة نحو تنفيذ وإنجاح المصالحة الفلسطينية الشاملة ، وكذلك لن تسمح باستمرار الانقسام الفلسطيني الملعون ، الذي بات يهدد أمنها القومي ، مثلما هو أكبر تهديد للأمن القومي الفلسطيني ، وللكيانية والقضية الفلسطينية ، ولتمزيقه وتفتتيته للمكونات الاجتماعية والسياسية والديمغرافية الفلسطينية .
وإن العامل الذي شكل قوة دفع حقيقية لقطار المصالحة الفلسطينية هذه المرة بشكل جدي وصادق وحقيقي ، هو التغير الجوهري في موقف قيادة حركة حماس الجديدة ، والمؤشرات الإيجابية التي أطلقتها بشكل يومي منذ قدومها إلى القاهرة ، ولذلك كان من المهم والضروري للرئيس محمود عباس ، والقيادة الفلسطينية التقدم نحو مصر ، والتجاوب مع جهودها المباركة لإنجاز ملف المصالحة ، والإستجابة للمقترحات المصرية بهذا الخصوص ، وإلتقاط الإشارات الإيجابية التي أطلقتها ومازالت تطلقها قيادة حركة حماس ، والبدء الجدي والفعلي في تحقيق المصالحة الفلسطينية ، ولأن الرئيس أبومازن يدرك أن رعاية مصر وتبنيها ورعايتها للمصالحة الفلسطينية ، خير لشعبنا وقضيتنا من كافة الأطراف العربية والإقليمية والدولية الأخرى ، وأيضا أن تكون مصر الشقيقة الكبرى هي الضامن لتحقيق المصالحة الشاملة الكاملة ، فهذا يعني أنها تستطيع أن تضع كافة الضوابط والمعايير والشروط لنجاحها ، ومنع أي تدخل سلبي لأي طرف إقليمي أو دولي ، وتقديرا منه لمصر وقيادتها ودورها التاريخي في دعم القضية والثورة الفلسطينية ، وحرصها على ترتيب البيت الفلسطيني ، من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية المسلوبة ، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، ووقف خطر التهويد والإستيطان ، ومنع تقسيم وتهويد المسجد الأقصى المبارك ، وتقديرا للجهود المصرية وانسجاما معها ، أرسل وفدا من اللجنة المركزية لحركة فتح إلى القاهرة ، ومنحه الصلاحيات الكاملة ، وقد ذلل وزير المخابرات المصرية اللواء خالد فوزي كافة العقبات التي أعاقت تحقيق المصالحة ، وبذل مع طاقمه جهودا كبيرا من أجل إقناع حماس وفتح بالتوافق ، وإزالة كافة العوائق التي كانت تمنع تحقيق المصالحة ، ودفع فتح وحماي للإعلان عن موافقتهما على البدء بتنفيذ كافة التفاهمات السابقة ، وحل اللجنة الإدارية ، وتمكين حكومة الوفاق الوطني من إدارة شؤون قطاع غزة وكافة وازارته ، ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية تعد للإنتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية .
وقد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة لتحقيق المصالحة الفلسطينية الشاملة ، ولذلك يتوجب على الكل الفلسطيني عدم إضاعة الفرصة ، التي قد لا تتكرر ثانية ، واختصار الوقت والمسافات وازالة كافة العوائق ، فشعبنا الفلسطيني الذي ترنو عيونه نحو القاهرة ، وينظر نحو الجميع مسكونا بالأمل المشوب بالقلق الشديد ، لايريد إلا تحقيق المصالحة ، وطي صفحة الإنقسام الأسود الملعونة من تاريخه وحاضره ، التي مزقت نسيجه الاجتماعي والسياسي والجغرافي والديمغرافي ، وحولت حياته إلى جحيم لايطاق ، لأن استمرار الإنقسام يعني استمرار كافة أشكال المعاناة والحصار والبطالة والفقر والجوع وأزمة الكهرباء ، وتعقيدات الحياة المرة في قطاع غزة المظلوم المحاضر والمنكوب .... ورغم تشاؤم المتشائمين ، وتشكيك المشككين ، وإحباط اليائسين ، فإنني أؤكد أن المسافة المتبقية لقطعها من أجل التخلص من تبعات ونتائج وموروثات الإنقسام اللعين ، وتنفيذ اجراءات المصالحة ، باتت قصيرة جدا ، فالفرصة التي تتيحها مصر الكنانة هذه المرة لتحقيق المصالحة ورعايتها وتوفير كافة الضمانات المطلوبة لكافة الأطراف من أجل نجاحها ، لم تتحقق من قبل ، إنها فرصة حقيقية وجدية وتاريخية ومهمة لتجاوز مرحلة السواد والخراب والتدمير الذاتي والانقسام الملعون ، والانتقال إلى مرحلة بناء الثقة والالتقاء على كافة القواسم المشتركة من أجل فلسطين وشعبنا وقضيتنا ..
شكرا لمصر العروبة والكنانة ، رئاسة وقيادة وشعبا ... نعم للمصالحة ، وليذهب الانقسام وكل من يرغب باستمراره إلى الجحيم... اللهم نسألك التوفيق والسداد لنا وللجميع ، وأن تعجل بالفرج لنا ولشعبنا المظلوم ، وأن توفق أولي الأمر لتحقيق المصالحة والوحدة ، وإنهاء الانقسام .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصالحة الفلسطينية بين التفاؤل والتشاؤم.
د. محمدأبوسمره ـــــــ مؤرخ ومفكر فلسطيني
رئيس الحركة الإسلامية الوطنية في فلسطين ، ومركزالقدس للدراسات والإعلام والنشر.
البريد الإليكتروني palwasathotmail.com