برغم أن الشارع الفلسطيني حافظ على انفعالاته أن تبقى هادئة، ولم نشهد نشوة أو حالة فرح تعكس حجم الإنجاز الذي تمَّ في القاهرة، إلا أن ما يجري بين الشباب من حوارات حول المصالحة يحمل في ثناياه تطلعات أمل، ويشي بأن ما هو قادم يدعو إلى التفاؤل، وهو بالتأكيد سيكون أفضل من الحالة القائمة، والتي عصفت بأوضاعنا السياسية، وأرخت بسدول ليلها على كاهل الكل الفلسطيني المثقل بأعباء الحياة المعيشية الصعبة.
نعم؛ هناك تفاؤل حذر، ولذلك لم نشاهد حراكاً جماهيراً كما حدث في مرات سابقة: كاتفاق مكة 2007 واتفاق القاهرة 2011، حيث كانت فيهما بشريات الأمل عالية، إلا أن الانتكاسة التي كانت تعقب حالة الفرح والبهجة تلك هي من أفقدت الناس الثقة بما يتم إنجازه من مصالحات تبدأ ثم سرعان ما تنتهي، وتأخذ المناكفات رحاها، لتعيدنا إلى مربع الخصومة والعداء من جديد.
ربما كان الإنجاز الذي تحقق مع التيار الإصلاحي في حركة فتح والنائب محمد دحلان واثبات المصداقية على الأرض، هو الذي يجعلنا على ثقة بأن الانقسام ذاهب بلا رجعة؛ لأن عشر سنوات من الخصومة كانت عجافاً، انهكتنا مجتمعياً، وخسرت معها القضية الوطنية على كافة المستويات؛ المحلية والإقليمية والدولية، حتى نحن في فصائل العمل الوطني والإسلامي لم يكن بيننا رابحاً، وتراجعت مكانتنا على مستوى الشارع وحتى داخل إطاراتنا التنظيمية.
ما أقدمنا عليه اليوم كان بالإمكان أن نصل إليه قبل عدة سنوات، ولكن المكابرة والعناد والفقر السياسي في حركية الوعي داخل مساحتنا الفلسطينية هو ما أوصلنا للحالة البائسة التي نمر بها، والتي أخذنا فيها شعبنا رهينة لغياب الأفق والرؤية الاستشرافية التي طبعت ثقافتنا السياسية كفلسطينيين، فخسرنا جميعاً، وخسرت معنا قضيتنا الوطنية.
إن هذه الخطوة التي تم إنجازها - مؤخراً - في القاهرة على طريق إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة برعاية مصرية، ما كان لها أن تتم لولا ارتفاع منسوب بناء الثقة في علاقنا مع الشقيقة مصر، والقفزة التي أخذناها باتجاه التيار الإصلاحي في حركة فتح والنائب محمد دحلان.
اليوم، ونحن نخطو واثقين باتجاه المصالحة مع الرئيس أبو مازن، علينا ألا ننسى من جاءوا مقبلين علينا من إخواننا في حركة فتح/ التيار الإصلاحي؛ هؤلاء كان لهم أيضاً الكثير من الفضل في التحولات التي طرأت، وجعلت ما كان مستحيلاً في علاقاتنا السياسية والأمنية، أن يصبح قاب قوسين أو أدنى، حتى في قيام تحالف قد يخدمنا في الانتخابات القادمة.
لقد لمسنا تحولاً ذكياً في مواقف قيادة التيار الإصلاحي، حيث بدت مباركة الأخوين دحلان والمشهراوي للخطوة التي قامت بها حركة حماس تجاه الرئيس أبو مازن وحركة فتح، وهذا يعبر عن سلوك وطني والتزام أخلاقي وحرص أكيد لتحقيق المصالحة، والتي كان غيابها لسنوات عشر بمثابة كارثة وطنية على الشعب والقضية.
أتمنى أن تكون خطوتنا القادمة في تحقيق المصالحة مع الرئيس أبو مازن، هو الحرص أيضاً على أن يكون لنا مساعٍ حميدة للمساهمة في طي صفحة الخلاف بين الرئيس والنائب دحلان، حتى تعود حركة فتح صفاً واحداً، وجبهة مثلت لقضيتنا الفلسطينية ركيزة وطنية لأكثر من خمسين عاماً.
إن المطلوب في المرحلة القادمة هو ورشات عمل وحوارات بين الجميع لترميم التصدعات التي نشأت عن خلافاتنا السياسية، والعمل على استعادة وحدتنا الوطنية.
إننا نتطلع إلى حركة حماس باعتبارها رافعة للوطن، ويقع على كاهلها قيادة المشروع الوطني بالشراكة مع الآخرين، حيث لم يعد هناك داخل الشارع الفلسطيني من له قناعة بأساليب المغالبة والتفرد بقيادة الساحة.
إن ما ينتظره شعبنا منَّا الآن هو أن ندير خلافاتنا بالحوار والحكمة، وألا تأخذنا أي تباينات في وجهات النظر لصراعات تبدد طاقاتنا، وتوهي قدرات الاستطاعة لدينا.
لن نتحدث في مستقبلنا القريب إلا عن الشراكة السياسية في سياق التوافق الوطني الذي نتمنى أن يسود تحركاتنا في المدى المنظور.
شكراً حماس.. لقد أثلجتم صدورنا بما أقدمتم عليه من خطوات حركت فينا وفي شعبنا الأمل من جديد.
احمد يوسف