الرئيس محمود عباس في خطابه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة كان خطاب من ينفض اليد من كل ما مضى وقد كان صريحا وواضحا ان اوسلو ماتت والى الابد وقد كان واضحا من كل فقرة من خطابه ومن كل لحظة خروج عن النص كان يبدو يائسا من المجتمع الدولي ومع ان الرئيس اظهر الضعف بطريقة كان من الممكن ان تكون بطريقة ضعف القوة لا بطريقة ابراز الياس والضعف.
الرئيس ابلغ المجتمع الدولي ان لا برامج للحلول وان لا مشاريع حلول وقد حمل اسرائيل اولا والمجتمع الدولي ثانيا وذكر بوعد بلفور وجريمة بريطانيا وقد كان من الضروري ان يضع الادوار بشكلها التاريخي بريطانيا اولا والمجتمع الدولي ثانيا فإسرائيل مجرمة والمجرم لا تسيء له ان حملته مسئولية جريمته فالأمر لا يعنيه.
الرئيس قدم حكاية عجيبة عن الاحتلال المزعوم والتي يبدو انه سمعها حديثا من اركان الادارة الامريكية ان لم يكن من قمة الهرم فيها وهو يعني ان امريكا سوف تقدم لنا هذه المرة حكاية جديدة عن عدم وجود الاحتلال من اصله وبالتالي فهم سيسعون الى تجميل الاحتلال بشكل او باخر لا الى انهائه خصوصا وان الرئيس ايضا اشار الى صفقة العصر والحديث عن الحل الاقليمي.
الرئيس ترامب لم يشر ابدا الى القضية الفلسطينية بينما افسح الرئيس المصري مكانا هاما لفلسطين وقضيتها ولكنه ذهب اكثر الى تطمين الاسرائيليين وقال لهم اننا معكم فلا تترددوا دون ان يحدد بوضوح ماذا يريد منهم اكثر من دعوتهم للوقوف خلف قيادتهم السياسية في لحظة تتعرض فيها هذه القيادة الى تهم بالفساد وهي في اسوأ حالها لتجد دعوة رئيس عربي للجمهور الاسرائيلي للالتفاف حول نتنياهو.
خطاب الرئيس في الامم المتحدة لامس ولو عن بعد وبحذر حلولا محتملة ان اصر المجتمع الدولي على مواصلة ادارة الظهر لقضية شعبنا فتحدث عن خيار الدولة الواحدة كبديل لاستحالة حل الدولتين وهو ايضا اشار الى اهمية المراجعة لاتفاقيات اوسلو التي انتهت كليا واعتبر دعوة المجلس الوطني بوابة لهذه المراجعة وقد حرص الرئيس الفلسطيني على التأكيد ان كفاحنا سلمي وسلمي فقط ولن يكون غير ذلك.
الخطاب كان غضب نافض اليد اليائس من اي احتمال لتدخل العالم للوقوف الى جانب شعبنا كما فعل مع جنوب افريقيا وخطاب بوش وغيره الذي تجاهل قضية فلسطين وشعبها وظهور الفكرة الاخطر عن الاحتلال المزعوم يؤكد ان الامم المتحدة لن تفعل شيئا ابدا تجاه فلسطين وقضيتها ولن تجد اسرائيل نفسها امام عالم يمارس عليها ضغطا حقيقيا للكف عن جريمتها.
الصوت الذي كان في الامم المتحدة بكل بساطة وبعيدا عن مواصلة النقد لمجرد النقد فقد كان صوت المواطن الفلسطيني وكانه كان يقول للشعب الفلسطيني ها انا اصرخ علنا بما تتساءلون به وما تصرخون به انتم وهو لذلك لم يتقدم بالتحية من احد وللمرة الاولى الا للشعب بكل مكوناته وخصوصا الشهداء والاسرى.
الرئيس قال بان اوسلو انتهت وان العالم غير معني بشيء وان اسرائيل تضرب بعرض الحائط بقرارات الامم المتحدة بما فيها قرارات مجلس الامن وتحدث عن ان اجراءات الاحتلال بالقدس هي لعب بالنار وحذر من الحرب الدينية بوضوح واشار الى خطورتها وهو ايضا هدد بتحميل اسرائيل مسئولية الاحتلال موضحا ان السلطة هي بدون سلطة وان لا امكانية لاستمرار احتلال دون كلفة وسلطة دون سلطة وكان واضحا في ذلك بما يعني التهديد بتغييب السلطة بقرار ذاتي ما دامت في الحقيقة غائبة اصلا واصفا اياها سلطة بدون سلطة وقد طالب محكمة الجنايات الدولية بمباشرة فتح التحقيق بموضوع الاستيطان كجريمة دولية.
الرئيس ذكر بقرار التقسيم وقرار عودة اللاجئين وذكر بما نص عليه قرار الامم المتحدة باستخدام القوة ضد من يعتدي على حدود الاخر حسب قرار التقسيم وكذا ذكر بقرارات الامم المتحدة ومجلس الامن الاخرى وتساءل عن الجهة التي ستنفذ هذه القرارات ان لم تكن الامم المتحدة. وقد قدم مطالبه فلسطين بوضوح بما في ذلك تحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال وحل قضية اللاجئين.
الرئيس سال سؤالا واضحا للمجتمع الدولي اين هي حدود دولة اسرائيل التي تعترفون بها وسال كيف تعترفون بدولة لا حدود لها وانهى خطابه باقتباس عن الزعيم الافريقي الراحل نيلسون مانديلا وطالب العالم برد الامانات الى اهلها بالحرية للشعب الفلسطيني سائلا الله ان يكونوا فاعلين.
الرئيس بخطابه هذا قال بوضوح انه لن يعود الى هذا المكان مرة اخرى وقد يكون من الضروري ان نسميه خطاب الوداع والوديعة فقد ودع واودع لدى العالم مطالب شعبنا وعليه فان المهام الحقيقية اليوم ليست بالاستعداد للخطاب القادم في العام القادم بل في الفعل على الارض لدفع العالم رغما عنه لاستدعائه لرد امانة حرية شعبنا اليه وفي سبيل ذلك فان المهام المطلوبة باختصار هي انجاز شامل للمصالحة والوحدة وتفعيل مؤسسات السلطة والشعب وتوحيد كل قوى الشعب المناضلة في منظمة تحرير حقيقية ديمقراطية موحدة للكل الكفاحي قائدة للمقاومة الشعبية السلمية غير ملحقة بالسلطة بل فاعلة للكفاح وان تتوقف قوى الشعب ومؤسسات منظمة التحرير عن الانشغال بالهم اليومي الاداري للسلطة وان تعود الفصائل واجسامها الى دورها المنوط بها وهو تحرير فلسطين وان تعود منظمة التحرير وقيادتها كهيئة اركان للمقاومة الشعبية وان تتوقف المنظمة ومكوناتها عن التحدث عن حل الدولتين وان ينخرط الشعب كل الشعب في كفاح شعبي سلمي بكل اماكن تواجده بما في ذلك الجليل والمثلث والنقب والساحل والضفة وغزة والشتات وكل القدس من اجل فلسطين حرة موحدة وديمقراطية فذلك وحده من سيضع حدا للاحتلال لا نداءات الاستغاثة وحدها.
كان سؤال الرئيس للمجتمع الدولي الى اين تريدوننا ان نذهب بلا اجابة وقد كنت تمنيت عليه ان يعتصم على منبر الامم المتحدة لينطلق كل الشعب في كفاح شعبي متواصل دعما له حتى حرية بلادنا وشعبنا واليوم وقد عاد الرئيس من هناك فان الامر لا زال ممكنا ولا زال بإمكان شعبنا وقواه ان امتلك الارادة ان يستعيد كفاحه ضد الاحتلال غير ملتفت ابدا الى العالم الرسمي بل ان يبحث عن الدعم الشعبي محركا كل احرار العالم في كل مكان للضغط على حكومات العالم للاستجابة للوديعة فلن نحصل على حقوقنا الا بالكفاح والا اذا تحول الاحتلال الى سلوك يشكل عبئا على الاحتلال ومؤيديه وسوى ذلك فلا امل.
سيدي الرئيس اما وقد عدت ولم تستمع لدعوتي بالاعتصام على منبر الامم المتحدة فإنني كمواطنك ادعوك الى العودة الى بدلة الكاكي انت واعضاء لجنتك التنفيذية وقيادة مسيرة الكفاح الشعبي السلمي الذي تريد وترك امور السلطة الادارية الى موظفين والانطلاق بالفعل الكفاحي حتى الحرية لبلادنا وشعبنا وليكن يوم 2112017 ذكرى وعد بلفور اليوم الاول لانطلاق فعاليات كفاحنا السلمي بالإعلان عنه يوم حداد وصيام لكل الشعب بقيادتكم.
بقلم/ عدنان الصباح