الإعلام الفلسطيني بكافة أشكاله ووسائله والعاملين به بذلوا من الجهود والطاقات الكثير ... والذي لا يمكن حصره وتعداده من خلال مقالة ... لكنه الذي سيبقى محل فخر واعتزاز بمرحلة ثورتنا المعاصرة ... وانتفاضات شعبنا الباسلة ... وبداية مرحلة تأسيس أول سلطة وطنية وما بذل من جهود وطاقات لأجل معالجة وملاحقة الكثير من العيوب والسلبيات والظواهر بعد طول احتلال ... وأجيال متتابعة ... تحتاج الى الرعاية والبناء الفكري الوطني الثقافي والاجتماعي ... لإزالة الكثير من التشوهات والانحرافات السلوكية .
لقد انتقلنا من إعلام الثورة بحكم الزمان والمكان والمتغيرات السياسية ... من الإعلام الموحد ... وفلسطين الثورة والهدف وصوت الثورة الفلسطينية ... إلى إعلام السلطة وبداية تأسيس الدولة ... ووجدنا أنفسنا أمام خارطة إعلامية وأسعه باتساع ما هو رسمي وحزبي ... كانت هيئة الإذاعة والتلفزيون ووكالة ووفا والصحف اليومية القدس والحياة الجديدة والأيام ومن قبلهم صحيفتي الشعب والفجر والمنار الاسبوعيه ومجلة البيادر السياسي والعديد من المجلات والصحف الحزبية التي يزداد عددها مع كل مرحلة .
بداية السلطة ... واتساع خارطة الإعلام الحزبي للحركات والجبهات والأحزاب ... في إطار الحق الديمقراطي الوطني الذي يمارسونه ... بفعل ديمقراطية فلسطينية نتغنى بها ... ونفتخر بوجودها ... ويجب الإقرار بها ... وليس تجاوزها او تجاهلها .
بداية تأسيس السلطة الوطنية لم يكن لدينا هذا الكم الكبير من الإذاعات والفضائيات .. الصحف والمجلات والإصدارات ... وهذا ما يعبر عن ديمقراطية حقيقية ... ودليل حضاري ثقافي ديمقراطي .. ونحن بهذا الكم من المواقع الإخبارية المتعددة والمتطورة بأدائها وتكنولوجياتها وإحداثياتها الفنية وحرياتها التحريرية .
ما بين مرحلة الثورة ...وبداية مرحلة التسوية ... وتأسيس أول سلطة وطنية انتقلنا من مرحلة إلى أخرى من حيث الشكل والمضمون والأدوات الصحفية والوسائل الإعلامية ... لكننا لم ننتقل بذات القدر من الناحية الفكرية التحريرية ... لسبب بسيط وربما يكون ذات علاقة مباشرة باستمرار الاحتلال وممارساته ... والتحديات التي لا زالت قائمة ومتعددة ... وهذا صحيح الى حد ما ... وليس بالمطلق ... بمعني ان التحديات قائمة ... وان اختلفت وتعددت إضافة للاحتلال وممارساته والتي تحتاج الى أدوات ووسائل وأفكار وإبداعات تتعدى حدود المواجهة ... لتصل الى الفكر الإنساني الثقافي الاجتماعي الاقتصادي التكنولوجي ... في ظل وقائع متسارعه ... ومتطلبات متزايدة ... تحتاج الى فكر إعلامي أكثر شمولية ... والى سياسة تحريرية متعددة الجوانب والأهداف بحكم تغير الزمان والمكان وتطورات الحالة الفلسطينية ... وما تم استحداثه من تكنولوجيا متقدمه لوسائل التواصل الاجتماعي وسرعة الخبر والتحليل والتعليق ... وتغير أنماط الفكر للأجيال الفلسطينية .
هناك انقلاب كبير وجذري بالفكر والممارسة وأنماط السلوك وما يتوفر من تكنولوجيا عالية المستوى ... وانفتاح إعلامي فضائي لا يجعل هناك سرا او خبرا خافيا لا يمكن الوصول إليه .
من هذا المنطلق ... نحتاج الى المصارحة ... المكاشفة ... الوضوح .... حتى يكون إعلامنا مسموعا ... مقروءا .... ومشاهدا فلا يجوز ان نتحدث مع أنفسنا ... ولداخلنا ... وبفكر قديم لا زال يعشعش بعقولنا ... وان نكون على قناعة بتغير المكان والزمان .. وضرورة إحداث المتغيرات بالمفردات والأفكار ... في ظل عالم متغير يحتاج الى خطاب إعلامي ذات دلالات ومعاني وأهداف يمكن ان يتفهمها غيرنا ... وليس نحن فقط .
هذا لا يعني القفز او التجاهل لمفردات إعلامية ذات علاقة بنضالنا وثورتنا ... ونضالنا الطويل .. فالمقاومة ... والنضال السياسي ... والصمود الجماهيري .. والتضحية والفداء ... والتمسك بالثوابت والحقوق ... كلها مفردات وشعارات لا زلنا نتمسك بها .. ولا زلنا نضحي من اجلها ... وقد تراكمت وفق موروثنا الثقافي الوطني بفعل تكرارها وتناقلها ما بين الأجيال ... عبر كافة المراحل التاريخية لنضالنا الوطني ... وربما لا نحتاج لتكرارها بذات الكم في ظل مفردات وأفكار وشعارات جديدة ... يجب ان ندخلها بقاموس عملنا الإعلامي والسياسي ... الاجتماعي والاقتصادي والثقافي .
فالعطاء ... والتطوع ... الإبداع والابتكار ... التعليم والتدريب ... التعاون والتكافل والتضامن ... إثبات الذات مفردات اجتماعيه علمية ثقافية وطنية يجب ان يتم التركيز عليها .. وان لا نتجاهلها ... وان لا نتخاذل بممارستها .
مصارحة الإعلام بكافة وسائله وأشكاله الرسمي والحزبي ... يحتاج الى ثورة عقول ... والى استنهاض الإرادات ... والى المزيد من الفكر المستنير .... والى الانفتاح الثقافي والمعرفي ... حتى نحقق ثورة العمل ... وأداء الواجب بروح المسؤولية الوطنية العالية ... والتي تفرض على كل منا المزيد من اليقظة والوعي والعمل المستمر في ظل تحديات مباشرة وغير مباشرة يطول الشرح والتفصيل بها .
المجتمع لا يبنى بالآمال النظرية ... والشعارات القديمة ... المجتمع يبنى بتعزيز الأفكار الإبداعية ... والتي تحقق الطموح ... والتي تتلمس احتياجات الأجيال وتطلعاتها ... المجتمع يبنى بالمنافسة المشروعة وحق الجميع بها ... لأجل المساهمة وإعطاء الفرص المتكافئة ... وتعزيز مقومات المجتمع .
نحن بحاجة إلى ورشة عمل وطني للإعلام الفلسطيني ... ورشة عمل ... مفتوحة وممتدة ... تستوعب كافة الأفكار والمواقف ... من خلال أبحاث معمقة ... وذات دلالات ومعاني وطنية وثقافية ومهنية ... يشارك بها الجميع ويساهم بمدخلاتها ومخرجاتها كافة الإعلاميين والمفكرين والمثقفين والسياسيين ... حتى نخرج من الإطار القائم ... والمضمون القديم ... الذي لم يستحدث بمفردات ومضامين فكرية واعلامية ... قادرة على التأثير الايجابي .
جهود كبيرة تبذل ... ولا زالت تعطي مثالا حيا لمسؤولية العاملين بمجال الإعلام بكافة أنواعه وأشكاله ووسائله ... لكن هذا لا يكفي في ظل التجاهل ... وعدم توفر الغطاء ... وحتى التمويل وبناء الاستراتيجيات والخطط ... وتوفير الإمكانيات ... والحاضنة القانونية والإدارية الحكومية والخاصة ... والتي يجب ان تدرك قبل غيرها ان الإعلام ليس سلطة رابعة فقط ... بل سلطة اولى في تحديد التوجهات وتصويب الرأي العام... والذي نحن أحوج ما نكون إليه على مدار اللحظة ... لأجل نضالنا وبناء مؤسساتنا وتجسيد دولتنا ... في ظل توجهاتنا الحقيقية لبناء الانسان ... باعتباره الوسيلة والهدف .
إلا إن المسؤولية التي نطالب بها الأخريين تتطلب مسؤولية خاصة ومتميزة من الإعلام والعاملين به... والذي يتطلب المحافظة على صدق كلمتهم ... وتوجهاتهم ... وصوابية تحليلهم ... وان لا نستمر بإضاعة المساحات الواسعة ... والأوقات الثمينة بقضايا وإشكاليات ثانوية ... لان قضايا الوطن ومصالحه العليا ... أهم بكثير من كل هذا الوقت المتاح .. ومن هذه المساحة الشاسعة ... لان الإعلام سيبقى ذات اولويه ... وصاحب مسؤولية في إنهاء هذا الفصل الأسود ... من هذا الانقسام ... الذي أضاع علينا الكثير من الجهود والطاقات والإمكانيات ... دون أدنى عائد ممكن ان يسجل .
بقلم/ وفيق زنداح