الإرهاب ...ومخاطر الفراغ

بقلم: وفيق زنداح

نهاية القرن الماضي ...وبداية القرن الحالي..... ظهرت بعض الجماعات المتطرفة التي اعتمدت أساليب العنف ....وسيلة لتطبيق وترجمة أفكارها المتطرفة....واعتماد أسلوبها وأهدافها ...بداخل الأجواء المحيطة بها .....وما مارسته تلك الجماعات من ممارسات إرهابية أدت إلي ملاحقتها ...ومتابعة جذور نشأتها .....والي الدرجة التي أدت إلي اختفاءها ....ومحاولة التستر والاختفاء وراء عباءات متعددة ومنطلقات مختلفة ...وقيادات متناقضة .
ظاهرة الإرهاب لم ترتبط بالديانات السماوية .....خاصة الدين الاسلامى.... بل ظهرت بعض الجماعات المتطرفة التي استخدمت العنف والإرهاب لتنفيذ مأربها وأهدافها بالعديد من الدول ....ومن خلال منطلقات وأيدلوجيات لا علاقة لها بالدين الإسلامي ...وتعاليمه الوسطية .
الا أن هذا لا يعني عدم وجود بعض الجماعات ذات الطابع الديني الاسلامي ....والتي أوقعت نفسها بمصيدة أفخاخ من قاموا على توجيههم ....وأحدثوا الخلط بداخلهم.... ما بين أصول الدعوة وتعاليمها وأهدافها ...وما بين الممارسة والعنف..... والي حد الإرهاب والصراع من أجل الحكم .
الإخوان المسلمين وقد وقعوا بالمصيدة ....بعد عقود طويلة كانوا يمارسون بها دورهم وأعمالهم من خلال مؤسساتهم الاجتماعية الاقتصادية والإنسانية دون التعرض لهم .....أو حتى محاولة منعهم من أداء رسالتهم ....لكنهم عندما حاولوا تغيير قواعد الممارسة ....وأصول الدعوة ومنهجيتها ....ومارسوا العنف من أجل تحقيق مأربهم ....تم التصدي لهم وإضعافهم ومحاصرتهم .....وهذا ما تم بالعديد من الأقطار العربية وهم بذلك قد كتبوا على أنفسهم حكمهم وتراجع وجودهم ....أمام خارطة القوي والحركات القومية واليسارية والوطنية .
الإخوان المسلمين وعملهم الدعوي المؤسساتي قد أكسبهم دورا ووجودا وفعلا ملموسا ....داخل الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية .... الا أنهم عندما غيروا من طبيعة دورهم أخذوا بالتراجع ....ليأخذ بدلا منهم بعض الجماعات المتطرفة التي مارست عنفا ملحوظا ...وإرهابا مدمرا ....أحدث ضعفا مباشرا وغير مباشر لتيارات الإسلام السياسي .
تراجع الأخوان المسلمين وظهور قوي وجماعات إسلامية متشددة تأخذ طريق العنف أسلوبا ومنهجا ....أضعف من الإخوان..... وجعلهم بمرمي الاستهداف وضيق عليهم تحركهم وأداء دورهم .....مما أفقدهم الكثير من مقومات قوتهم التاريخية والواقعية ..... خاصة عندما أخطأ البعض منهم بممارسة العنف داخل بعض المجتمعات ظنا منهم بإمكانية تنفيذ ما يرون ويخططون ....الا أنهم فشلوا ....وأفشلوا..... بظهور جماعات متطرفة تكفيرية مارست الارهاب وأصبحت تشكل عبئا إضافيا ....وطوقا وحصارا .....على بعض جماعات الاسلام السياسي التي اعتمدت طريق الوسطية والحق الطبيعي بالمنافسة على سدة الحكم داخل العديد من المجتمعات العربية والإسلامية .
المجتمعات العربية بطبيعتها الاجتماعية الدينية الثقافية والسياسية ....لا تقبل بالعنف ولا تقر بممارسة الإرهاب الفكري ....بل تري تلك المجتمعات أن أساسيات وجودها التاريخي الثقافي والاجتماعي والوطني .....ذات جذور وأصول وعادات وتقاليد تعزز من التماسك ....وتمنع التلاعب بأصولهم وجذورهم .....ومقومات وحدتهم .
المجتمعات العربية الرافضة للإرهاب والتطرف التكفيري وجد بداخلها.... وعلى أرضيتها حالة من الفراغ ....والقصور الحكومي الإعلامي الثقافي الاجتماعي الاقتصادي.... مما عزز من حالة الفراغ .....واتساع الفجوة .....والتي استطاعت تلك القوي التكفيرية الدخول من خلالها لممارسة إرهابها ....ومحاولة إقناع من يعيشون الفراغ الفكري الثقافي الوطني والإسلامي الصحيح .....ومن خلال إغراءات المال والتلاعب على احتياجات الأفراد وفقرهم أو جهلهم لاستقطاب مجموعات منهم .....وخروجهم عن جذورهم التاريخية والوطنية..... وثقافتهم الدينية والاجتماعية .....أي أن الإرهاب التكفيري المتطرف قد وجد طريقه بحالة فراغ قائم مرجعيته وأسبابه سنوات قصور .....وحالة ضعف وعجز وعدم اكتراث بأهمية إملاء هذا الفراغ من خلال العلم والثقافة والفكر ...والتعبئة الفكرية الوطنية .....التي يمكن من خلالها محاصرة الفراغ واجتثاثه ....كما محاصرة الإرهاب والتطرف من جذوره .
استخدامات الجماعات الإرهابية لبعض الأفكار والتفسيرات والتحليلات..... وحتى الآيات الدينية بما يخدم مواقفهم وممارساتهم .... أضعف ما يكون دافعا ومبررا لأفعالهم المشينة والإجرامية ..... بل كان دليل اتهام واضح وصريح .....وإدانة كاشفة لما يجري بعقولهم .....وما بداخلهم من دوافع مصنعة وغير مبررة .
حق تشكيل الأحزاب والمنافسة السياسية والديمقراطية ...حق مشروع...... يجب أن يمارس من خلال الفكر المستنير ....والحوار الهادف ...والقانون الملزم ....ولم يكن مسموحا داخل أي مجتمع أن تفرض الإرادات والأيدلوجيات ...... والأفكار السياسية تحت التهديد والسلاح.
حالة الفراغ التي توهم فيها أهلها أن بإمكانهم ممارسة تعبئتهم الفكرية ....والإرهابية..... استغلالا لظروف ذاتية وموضوعية ....مما أوقعهم بشر أعمالهم .....وأفقدهم معظم مقومات وجودهم ....وعدم قدرتهم على الاستفادة ....حتى من حالة القصور والضعف الثقافي الاجتماعي الاقتصادي والتنموي .... وحتى السياسي .
العقود الأخيرة من القرن الماضي .....وبداية القرن الحالي ....وفي ظل متغيرات سياسية دولية وإقليمية ....وما جري داخل بعض دول المنطقة من أحداث وتقلبات وأبعاد سياسية ما بعد الثورة الإيرانية ومفاهيم تصديرها .....وما جري في أفغانستان من احتلال الاتحاد السوفيتي السابق ..... وما صدر من دعوة للجهاد للتخلص من الشيوعيين والشيوعية في دولة إسلامية ....وظهور ظاهرة المجاهدين الأفغان ....وما جري من تعبئة إعلامية وفكرية ثبت أنها صناعة أمريكية صهيونية .....ولدت تنظيم القاعدة وطالبان على طريق النصرة وداعش وبيت المقدس .
مرحلة تاريخية لا زالت قائمة ومتشعبة ....تفسح المجال للفكر الوطني .....والإعلام الحر أن يساهم حتى ولو بالقدر القليل بمعالجة ظاهرة التطرف التكفيري .....التي تسمم أجواء المنطقة ...وتعكر أجواء المجتمعات..... وتحدث إساءة مقصودة لديننا الحنيف ...ولقوي الاسلام السياسي المجاهدة والمناهضة للاحتلال الاسرائيلى..... ومحاولة إلصاق صفة الإرهاب بقوي وطنية مناضلة تسعي للحرية والاستقلال الوطني.
لقد أدخلنا عنوة..... وعبر مخطط مدبر ....وبمحاولة خلط مقصود..... لإلصاق صفة الإرهاب بكل ما هو مقاوم ....وهذا على عكس الحقيقة..... ومجريات التاريخ ...وحركات التحرر التي ناضلت وجاهدت وضحت من أجل حرية أوطانها واستقلال شعوبها ...مما أفشل مخططات المخططين والمدبرين .....بإلصاق صفة الارهاب بما هو مقاوم ومجاهد لأجل أهداف سامية وحرية منشودة ...واستقلال وطني..... يتماشي وينسجم مع كافة الأهداف والمبادئ المعمول بها بكافة الدول والمؤسسات والقوانين الدولية .
الجماعات التكفيرية الإرهابية وقد استغلت حالة الفراغ..... بصورة بشعة .....باتساع رقعة وجودها.... لفرض إرادتها وخرابها ..... ووقف عجلة نمو الشعوب والدول .....وكأن تلك الجماعات هي الحل الأمثل لواقع الفراغ القائم..... والاحتياجات المتزايدة ....وهذا على عكس الحقيقة تماما .
الجماعات التكفيرية الإرهابية أفقرت الدول والشعوب ......وجعلت من البعض منهم لقمة سائغة لتنفيذ أطماع المتربصين بتلك الدول والشعوب .
يجب مواجهة الإرهاب بكافة الوسائل ...كما مواجهة حالة الفراغ..... بضرورة املاء الفضاء والأرض ... بتعبئة العقول ....واستنهاض الطاقات .....وتجديد وتحديث الأدوات ..... وتصليب الإرادات..... وتعزيز مقومات النمو..... بما يحفظ للشعوب مقومات وجودها.... وبما يوفر سبل وأدوات القضاء على الإرهاب وجذوره .
الكاتب وفيق زنداح