مرة أخرى تُفتح نافذة أمل لإنهاء الانقسام الفلسطيني الذي طال لأكثر من عقد من الزمن، ولكن وعلى ما يبدو أن هذه المرة تختلف عن سابقاتها من حيث التوقيت والظروف المحيطة وجدية الأطراف بالعمل فعلا على طي هذه الصفحة السوداء، فقد أصبحت المصالحة الفلسطينية حاجة ذاتية وموضوعية ليس فقط بالنسبة لحركتي فتح وحماس، بل أيضا بالنسبة لأطراف عربية وإقليمية ودولية وازنة وذات علاقة مباشرة بهذا الملف الذي بات، وعلى ما يبدو، أولوية أولى للبدء في ترتيب أوضاع المنطقة بشكل عام.
لا أحد يمكن له أن يشكك بأن إنهاء الانقسام وصولا إلى المصالحة الوطنية، حاجة فلسطينية مُلحة، وأن الفرصة السانحة حاليا قد لا تتكرر وهذا الأمر تدركه حركة فتح كما تدركه أيضا حركة حماس، فاستمرار الانقسام يشكل عبئا كبيرا على الكل الفلسطيني، وحالة غير مبررة لا وطنيا ولا أخلاقيا ولا سياسيا، ولم يعد الفلسطيني قادرا على فهم لصالح من استمرار الانقسام الذي هدر الطاقات ولا زال يدفع ثمن استمراره، ولا زالت دولة الاحتلال تحصد نتائج هذه الحالة بمزيد من القتل والدمار والمصادرة، وبخاصة في مدينة القدس عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة.
إن الأنباء التي وردت من القاهرة تُبشر بالخير للشعب الفلسطيني، وتبقى العبرة في تنفيذ الاتفاقات الموقعة سابقا فالمماطلة في التنفيذ ستنعكس بشكل سلبي جدا على الشعب الفلسطيني الذي قدم الغالي والنفيس على درب الحرية والاستقلال، ولا زال يدعو إلى ضرورة وإلحاحية ترتيب البيت الداخلي، وتغليب المصالح العليا للشعب الفلسطيني على أي مصالح أخرى مهما كانت، فخطوات إنهاء الانقسام واضحة ومعلومة وأساسها اتفاق القاهرة الموقع في أيار2011، وتفاهمات الدوحة 2012، وبيان الشاطئ 2014، والمطلوب إرادة سياسية لتنفيذها من قبل حركتي فتح وحماس، فليس هناك بديلا عن إنهاء الانقسام كممر إجباري لإنهاء الاحتلال، وعلينا جميعا أن ندرك بأنه لا يمكن لأحد أن ينفي الآخر في الساحة الفلسطينية، وعلينا توظيف تناقضاتنا الداخلية وتسخيرها لمواجهة الاحتلال، فكلنا شركاء في هذا الوطن، وكلنا نتحمل مسؤولية وأمانة إنقاذه وتحريره.
السير في طريق ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، والذي أساسه إنهاء الانقسام يتطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية، يكون أساس برنامجها التحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعية، وإعادة توحيد المؤسسات المدنية والعسكرية بين المحافظات الجنوبية والشمالية، والعمل على إعادة اعمار قطاع غزة، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في مدة أقصاها ستة أشهر من تاريخ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وممارسة صلاحياتها.
وبالتوازي مع هذه الخطوات لا بد من العمل على تطبيق إعلان القاهرة للعام 2005، والخاص بمنظمة التحرير الفلسطينية، والدعوة لاجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني على أن يضم هذا الاجتماع كل مكونات الشعب الفلسطيني، وإجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، على أساس ما يتم الاتفاق عليه بين مكونات النظام السياسي بحيث تضمن هذه الانتخابات تمثيل عادل للكل الفلسطيني في كافة أماكن تواجده في الوطن والشتات، كخطوة أساسية لتفعيل ومأسسة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتحديد شكل وطبيعة العلاقة بينها وبين السلطة الفلسطينية.
كما أن هناك ضرورة للاتفاق على برنامج سياسي، مع أهمية الاتفاق على أشكال المقاومة التي تنسجم مع المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وضمن مرجعيات سياسية معلومة ومحددة ومتفق عليها من الجميع، وبناء نظام سياسي قائم على أساس الشراكة التامة، وقبول الآخر المختلف داخل المجتمع الواحد، ملتزم بالحريات الجماعية والفردية، وفق نظام ديمقراطي تعددي.
لا شك بأن جهود الشقيقة الكبرى جمهورية مصر العربية، وعلى مدار سنوات الانقسام البغيض، أتت بنتيجة ايجابية ومن الواضح أن مصر ستتابع تنفيذ الاتفاق على الأرض مما يؤكد على جدية وجاهزية جميع الأطراف للسير قدما في إنهاء الانقسام، وهنا لا بد من التأكيد على أهمية دور الإعلام ليس فقط في تهيئة الأجواء بل أيضا في الرقابة على التنفيذ، والدفع باتجاه حث الكل الفلسطيني لدعم خطوات إنهاء الانقسام والرقابة عليها، لأن أنجاز هذا الملف أمر ضروري وهو الانتصار الأول على طريق دحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين وفق القرار الأممي رقم 194.
وقد جاء خطاب الرئيس أبو مازن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ليؤكد على أن الانقسام إلى زوال كما الاحتلال، وأن الشعب الفلسطيني بكل أطيافه ذاهب نحو الوحدة ونحو ترتيب البيت الداخلي، وفي ذات الوقت رحبت حركة حماس بخطاب الرئيس فيما يتعلق بإنهاء الانقسام وهذا مؤشر مهم على النوايا التي نأمل أن تتحول إلى أفعال على الأرض، وأن نطوي هذه الصفحة السوداء وننتصر على ذاتنا ونعمل جميعا لدحر الاحتلال وبناء الدولة المستقلة التي تتسع لجميع أبنائها.
بقلم: منيب رشيد المصري