تجربة لبنان ...والمصالحة الفلسطينية .

بقلم: وفيق زنداح

قد يستغرب البعض من هذه المقاربة ...ومحاولة المقارنة..... ما بين تجربة لبنان الشقيق بطوائفه وقواه السياسية ....وما بين الحالة الفلسطينية بقواها السياسية .....الفرق ما بين لبنان السيادة والدولة والدستور والثقافة الديمقراطية .....وممارستها في أدق الأوقات وأخطرها ...وما بين الحالة الفلسطينية وعدم سيادتها على أرضها .....في ظل احتلال وممارسات لا تتوقف .
الا أنني سأحاول بقدر تجربتي ومعرفتي ببلاد الأرز.... وجبل لبنان بسهوله ووديانه بشماله وجنوبه ...وبعاصمته بيروت الغربية منها والشرقية ....وبكل ما في لبنان من جمال الطبيعة ....وثقافة المجتمع ....وحداثته..... وطبيعة العلاقات بحسب الخارطة الطائفية والحزبية السياسية ....التي تتشكل داخل لبنان ...... أن نحدث بعض المقاربة ....والمقارنة ....حتي وان اختلفت الظروف والمعطيات والمناخ السياسي ...وطبيعة النظام .... ودستوره ومؤسساته ....وما جرت عليه العادة والتقاليد السياسية اللبنانية عبر عقود طويلة .
لبنان ومن عاش على أرضه.... وتعايش مع أهله ....وتعرف على خارطه أحزابه من حزب الكتائب ومؤسسه بير الجميل .....والوطنيين الأحرار ومؤسسه كميل شمعون ...والأحزاب التقدمية والوطنية واليسارية مثال حركة أمل ومؤسسها موسي الصدر.... ومن ثم حزب الله والحزب التقدمي بزعامه وليد جنبلاط.... وحركة الناصريين والحزب القومي السوري.... والحزب الشيوعي اللبناني وزعيمه المرحوم جورج حاوي ......وغيرها من الأحزاب الممتدة عبر الخارطة السياسية الحزبية للبنان ....بلد الطوائف المتعارف عليها بالسنة والشيعة والدروز والمسيحيين .....والذي يجمعهم علم لبنان ودستوره ......وشعبه .....الذي يتطلع الي بناء واقعه وتعزيز مستقبله .... وإزالة المخاطر التي تهدد وجوده في ظل الإرهاب الاسود الذي اقترب من حدوده .
بلد الحدود الفاصلة ....والضوابط المحكمة ....والدستور الذي لا يجوز الخروج عنه .....والنظام السياسي المكون من الرئاسة المارونية ....ورئاسة الحكومة السنية ....كما رئاسة مجلس النواب الشيعية ....في ظل مؤسسات أمنية وطنية ...تخدم لبنان وأهله ....وفي ظل جيش لبنان الذي يعزز أمن وسلامة لبنان بأرضه وشعبه وحدوده .
نظام وقانون ....ودستور جمع لبنان وأهله .....ليعززوا من ديمقراطيتهم وحريتهم ....التي يتميزون بها بإعلامهم الحر ...وبآرائهم المتعددة .....وبأيدلوجياتهم المختلفة .
تعلمنا في لبنان الديمقراطية ....كما تعلمنا وشاهدنا ....ما حدث بمنعطفات تاريخية من حالة الفوضى والحروب الأهلية ....والتي لم يستسلموا لها ....بل قاوموها بحرصهم على وطنهم ....وسلامة أرضهم ....تعلمنا من ثقافتهم وحضارتهم .....كيفية ممارسة الحياة الخاصة والعامة ....دون تدخل أحد ...ووفق أحكام وضوابط قانونية واجتماعية ....الجميع ارتضي في لبنان أن يعيش على أرضه وتحت راية علمه ....وفي ظل دستوره ...ومؤسساته وشرعياته وعدم إمكانية الخروج أو التجاوز ....أو حتى الخلط ما بين الحزب ....ولبنان للجميع .
تجربة لبنان تجربة غنية مليئة بالأحداث والوقفات..... كما أنها لها استخلاصاتها وتجربتها التي يطول الشرح والتفصيل فيها ....لكنها تجربة فريدة من نوعها ....غنية بأحداثها.... وتستحق قراءتها ....ومعرفة تفاصيلها ..... لما لهذه التجربة اللبنانية من أهمية خاصة ...ومتميزة..... بحكم وجود بعض أهلنا بمخيمات اللجوء والشتات ...وبضيافة لبنان وشعبه وحكومته .
الا أن قراءة التجربة اللبنانية وعبر العديد من المحطات التاريخية ...وما حدث من تجاوزات وأخطاء .....وما ارتكب من قتل وإسالة للدماء ....سيبقي استخلاصا وتجربة تستحق الاهتمام وعدم التكرار ....في ظل تجربة نضالية لبنانية مقاومة...... أخرجت المحتل من الجنوب ....كما وحصنت لبنان وحدوده وأجوائه وبحره ...وجعلت من هذا البلد الصغير بمساحته.... وطنا قويا قادرا على الدفاع عن نفسه .....بحكم تماسك أهله.... وقواه ونظامه السياسي بكل مكوناته كما علاقات لبنان مع الأشقاء والأصدقاء والذين يحترمون لبنان وخصوصياته .
الحديث عن تجربة لبنان ...وعلاقتها الإستراتيجية بالقضية الفلسطينية .....وبحكم وجود الثورة الفلسطينية بكافة فصائلها ومكوناتها وحتى قيادتها في فترة زمنية سابقة .....وما جري في حرب لبنان من خروج القيادة وقوات الثورة إلي تونس واليمن وسوريا ....وما تبقي بالمخيمات من أهلنا ....لا زالت العلاقة مع لبنان علاقة الأخوة ...وعلاقات الضيف مع أهل الوطن .
تاريخ طويل يصعب سرده ..... وله استخلاصاته العديدة ....والتي تعلمنا منها الكثير ....وها نحن اليوم أمام محطة سياسية فلسطينية.... لها استثناءاتها.... بحكم انقسام طويل ....ومصالحة تقترب مع قدوم حكومة التوافق ....وما يجري من تصريحات مشجعة وداعمة لإزالة الانقسام ....وقطع دابره ......واجتثاثه وعدم العودة إليه ...مهما كانت الظروف والمبررات ...والذرائع .....وعدم السماح بإعاقة تنفيذ المصالحة على واقع الأرض ....في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية وحكومتها وأجهزتها ومؤسساتها ....بما يخدم شعبنا بكافة مناحي حياته ...بعد سنوات الحرمان والعذاب ...والتي طالت بليلها الحالك .
هذه التجربة الفلسطينية التي استخلصناها بفعل سنوات المرار ...وخيبات الأمل ...وما تعرضنا له من دمار .....وما استرجعناه بذاكرتنا من هموم غيرنا من الأشقاء اللبنانيين.... يجعلنا أمام موقف واحد موحد ...كما يؤكد لنا تجربة غنية.... استخلصنا منها أهمية وحدتنا ....كما أهمية التزامنا ....كما أهمية وحدة نظامنا السياسي ومؤسساتنا ....كما أهمية التزامنا بالقانون والنظام الداخلي .
لا يمكن لمجتمع أن يعيش دون نظام ....أو قانون ....ودستور ينظم علاقاته ....ويحدد الصلاحيات والمسئوليات ....ويوفر لكل ذى حق حقه ....فالفوضى..... لا تولد إلا الخراب ....وتاريخ الخراب والدمار ....وقد شاهدناه..... ولمسناه عبر تجربتنا..... وتجربة غيرنا ...كما شاهدنا أهمية النظام والقانون والمحافظة على المؤسسات ...وكيفية مقدرتها على إخراج البلاد من أزماتها.... والتحديات التي تواجهها .
لقد أخطأنا ...انقسمنا ...ومارسنا بحق بعضنا ما أساء لنا ....وما زاد من همومنا .....وما عطل قضيتنا ....وما جعلنا بمرمي تدخل الصغير والكبير ....أصبحنا ملعبا.... يتلاعب به كل من يريد التلاعب ....واستخدام النفوذ .
تأخرنا ....لكننا وصلنا ....لنتيجة مفادها .....أن المصالحة وإنهاء الانقسام .....وتعبيد الطريق ...وتعزيز مقومات الواقع والمستقبل ....هو ذاته تعزيز لمقومات الصمود ...والحاضنة الشعبية التي يمكن أن نحتاجها بكل زمان ومكان .
وصلنا لنتيجة أن المصالحة ضرورة وطنية لا غني عنها ....ولا خيار بديل عنها .
مصالحة إستراتيجية ...ووحدة وطنية ....ونظام سياسي واحد وموحد .....وشراكه سياسية ....وقضايا إستراتيجية بقرار وطني ....وعلى طاولة الحوار الوطني .
لأننا لا نريد تكرار تجارب غيرنا ....خاصة المر منها .....فكفانا مرارا ....ولنعطي أنفسنا فرصة الحياة .....وتذوق حلاوتها .
الكاتب وفيق زنداح