قبل الرابع من يونيو 2017 لم يكن أحدا يعرف أن ثمة حجارة تلقى في المياه الفلسطينية الراكدة منذ أكثر من عشر سنوات ، ولتجعلها تتحرك وتساعد القوارب الساكنة على التحرك إلى الأمام ، ففي الرابع من يونيو نحرك وفد من قادة حركة حماس صوب معبر رفح البري متجهين إلى القاهرة بدعوة من مصر ، وقد جاء هذا بشكل مفاجئ للكثيرين خاصة وان مؤتمر الرياض بحضور الرئيس المصري ، أعلن عن اعتبار حركة حماس حركة إرهابية، وصل الوفد إلى القاهرة وبدأت أخبار لقاءاته ونشاطاته تتوارد في وسائل الإعلام المختلفة ، ولكن وبعد أيام قليلة بدأت الإنباء تشير إلى تفاهمات تم الاتفاق عليها بين حركة حماس وما عرف بالتيار الإصلاحي بقيادة النائب محمد دحلان ، كان محور هذه التفاهمات معالجة الأزمات الإنسانية المزمنة التي يتعرض لها قطاع غزة منذ أكثر من عشر سنوات ، هذه المعالجة أشير إلى أنها ستمس النظام السياسي الفلسطيني عندما تعرضت إلى المجلس التشريعي وغير ذلك بعيدا عن القيادة الفلسطينية في رام الله ، هنا نشطت وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج لهذه التفاهمات وكان غزة مقبلة على عصر جديد من الأمن والاستقرار والرخاء ، وانقسم الرأي العام بين مؤيد لهذه التفاهمات أملا في حياة جديدة خالية من المشاكل والأزمات ، وبين رافض لها على اعتبار أنها بعيدة كل البعد عن الشرعية،تهدف إلى سلخ غزة عن باقي الوطن الفلسطيني ، أو ربما كانت بالونات هواء.
في نهاية شهر يونيو 2017 فوجي الموظفين في قطاع غزة بخصم ما نسبته 30 من رواتبهم ، وفوجيء سكان قطاع غزة بتقليص ساعات وصل الكهرباء لتصل إلى 4 ساعات في أحسن الأحوال ، ثم توالت الإجراءات لتشمل إحالات للتقاعد ، كانت هذه إجراءات اتخذنها السلطة معلنة أنها إجراءات موجهة إلى حركة حماس لإجبارها على حل اللجنة الإدارية والامتثال إلى شروط المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني .
في الأسبوع الأول من سبتمبر استقبلت مصر وفدا ضم بالإضافة إلى رئيس المكتب السياسي لحماس السيد إسماعيل هنية عدد من أعضاء المكتب ، وبعدها تناقلت وسائل الإعلام أنشطة حماس ، ومن بينها عقد عدة جلسات مع المخابرات المصرية تناول ملف المصالحة ، وبعيدا عما أثير وما تناقلته وسائل الإعلام فوجيء الجميع بإعلان حماس حل اللجنة الإدارية ، ودعوة حكومة التوافق للحضور إلى غزة لاستلام مهامها .
كان الخبر كالصاعقة ، لان هذا هو المطلب الأول للرئيس أبو مازن للتراجع عن إجراءاته الأخيرة ، وإنهاء الانقسام الفلسطيني ، وعاد وفد حماس إلى غزة حاملا منهجا خطابيا تفاؤليا بالتصميم على إنهاء الانقسام الفلسطيني وتمكين حكومة الوفاق من تأدية عملها في غزة .
اليوم الاثنين 2102017 ، وصلت الحكومة الفلسطينية إلى قطاع غزة وسط استقبال شعبي ورسمي ، مليئا بالتفاؤل والأمل في فتح صفحة جديدة انتظرها شعبنا طويلا .
السؤال الذي يطرح نفسه الآن ونحن نراقب هذا المشهد المفاجئ في كل الأحوال ، لماذا الآن لماذا فشلت كل الجهود الدولية ، والإقليمية ، والعربية ، والفلسطينية ، لماذا فشلت مؤسسات المجتمع المدني والمثقفين ، وكل أفراد الشعب لماذا هذه السرعة الفائقة في اتخاذ قرار المصالحة ، هل هناك من قال كن فكانت .
في إشارة يمكن التقاطها حيث نقل عن السيد موسى أبو مرزوق أن الولايات المتحدة الأمريكية قد رفعت الفيتو عن المصالحة الفلسطينية ، من جهة أخرى صرح مستشار الرئيس الأمريكي جيسون غرينبلات أثناء زيارته لمستوطنات غلاف غزة بان قطاع غزة يجب أن يعود لحكم السلطة الفلسطينية بدلا من حماس .وبالإضافة إلى تقارير أممية عديدة تشير إلى صعوبة الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بسبب الظروف السياسية المحيطة به ، والمواقف المصرية والعربية تجاه الأوضاع في قطاع غزة يمكن القول أن المصالحة وإنهاء الانقسام بات ضرورة دولية على درجة كبيرة من الإلحاح . في الوقت الذي تستعد فيه الإدارة الأمريكية لإطلاق ما يعرف بصفقة القرن التي تهدف إلى ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط ، وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي ، ولما كانت قضية الانقسام من أصعب القضايا التي تواجه هذه الصفقة حيث ستعمل على عرقلة مشاركة الجانب الفلسطيني وهو جانب رئيس فيها ، لذلك كانت ضرورة إتمام هذه المصالحة ومعالجة القضايا الإنسانية التي يعاني منها سكان القطاع ،
واقع الحال يقول انه يجب فلسطينيا عدم الوقوف أمام أمور لم تحدث بعد ولم نر شيئا منها مجرد تصريحات واراء فقط ، الواجب علينا استثمار هذا المناخ القادم إلينا مناخ المصالحة استثمارا جيدا بمواصلة المضي قدما فيها دون وضع العراقيل أمامها ودون السماح لبعض الانتهازيين الذين تعارضت مصالحهم معها ، أنها فرصتنا الأخيرة ، أما المشاريع السياسية المقبلة فيمكن أن تتولاها المؤسسات الفلسطينية الشرعية المنتخبة وهي الأقدر عليها . مع الأخذ في الاعتبار ان شعبنا قادر على إفشال أي مخطط يستهدف حقوقه المشروعة ، وهذا ما دأب عليه منذ النكبة عام 1948 وحتى الآن .
أكرم أبو عمرو
غزة فلسطين
3102017