المصالحة قضية مهمة جدا وهي مطلب فلسطيني بشكل عام ومطلب لسكان غزة بشكل خاص، ولكن ما هذه الوفود التي انهالت علينا في غزة من كل صوب وحدب، هل هي حقاً جاءت من أجل المصالحة، وما هي متطلبات المصالحة أصلاً، وهل هناك ما يطبخ تحت الستار، وان هذه الفوضى هي تغطية لما يحاك، وهل هناك اتفاق سلام جديد يؤسس لدولة جديدة، سنحاول التعرف على هذه التساؤلات.
متطلبات المصالحة
المصالحة قضية معقدة ولها أبعاد غير ظاهرة الى السطح، فان ما يظهر من قضايا المصالحة هي قضية الموظفين الذين عينتهم حماس وكيف سيتم التعامل معهم، والقضية الاخرى تسليم حماس معابر قطاع غزة للسلطة الفلسطينية، والموضوع الاخر هو الأمن في قطاع غزة، هذه مواضيع دائماً ما يتم الحديث عنها وظهرت وكأنها القضايا الرئيسية للمصالحة.
ولكن هناك قضايا تلعب دور رئيسي في عملية التصالح، أولها هو تأسيس نظام جديد يحدد طبيعة العلاقة بين السلطة والعناصر المسلحة المقاومة في قطاع غزة، فالرئيس ابو مازن يقول يجب ان تحل مشكلة السلاح على أساس اننا دولة واحدة وسلاحنا واحد، وهنا تكمن أخطر القضايا التي تواجهه المصالحة، فحركة حماس لن تتنازل عن السلاح، وابو مازن لن يسمح بفوضى السلاح من واقع تجربته مع كتائب الاقصى، واسرائيل لن تقبل بدولة فلسطينية متحدة ويوجد بها عناصر المقاومة يتمتعون بحرية كاملة.
امام رفض حماس والرئيس واسرائيل، كيف تتم المصالحة اذاً؟، لا بد أن يسير الثلاث أطراف مجبرين في مسار واحد يضمن لهم أقل الخسائر، لأنه اذا رفض أحد الاطراف الثلاث المصالحة فلن تتم أبداً، فهل توصلوا الى شيء ما، وهذا الصمت الاسرائيلي على المصالحة يعني بان الخطة تسير على ما يرام.
ومن القضايا الرئيسية العلاقة مع الاحتلال، وكيف ستكون العلاقة بعد التصالح، وهذا موضوع معقد فكل الاتفاقيات بين السلطة والاحتلال مترهلة ولا تصلح لهذه المرحلة بتعقيداتها، فان هذه المرحلة تحتاج الى اتفاق سلام جديد مع الاحتلال، وهذا هو السر الذي نبحث عنه في هذا المقال، فلذلك نستطيع القول أن أهم متطلبات المصالحة هو اتفاق سلام جديد يؤسس لمرحلة جديدة، تكون حماس وكل الاطراف الفلسطينية مشاركة فيه.
انهالت علينا الوفود من كل صوب وحدب وبدا وكأنه عيد وطني، وجاءت لنا وفود ليس لها علاقة بالمصالحة، وهناك كثير من الضجة الاعلامية حول هذه الزيارة، حتى ان اتفاق المصالحة لم يتم بعد، فكيف لو تم الاتفاق ماذا سيحدث، فهل هذا الضجيج هو حالة طبيعية لوفد جاء ليتفاوض حول المصالحة، لا يمكن ان يكون ذلك، ان هذه يخبئ شيء في ثناياه، هناك ما يدور في الكواليس، هناك ما هو أكبر من المصالحة، هو بالتأكيد اتفاق يؤسس لعلاقة جديد مع الاحتلال الاسرائيلي.
اتفاق سري
لا يمكن ان تكون الاتفاقات الكبيرة بشكل علني خوفا من ظهور معيقات تعكر صفو التفاوض والترتيب للاتفاق، وخير دليل اتفاق اوسلوا حيث كان الفلسطينيين يفاوضون بشكل علني في مدريد وكان فريق سري يفاوض في اوسلوا فكانت مفاوضات مدريد هي غطاء للمفاوضات السرية، وقد تكون كل هذه الضجة حول المصالحة هي غطاء لاتفاق سري مع الاحتلال .
قد يطرح البعض تساؤل لماذا تعتقد ان هناك اتفاق سري؟ الاجابة هناك عدة أسباب تجعلنا نجزم بوجود اتفاق سري وهي كالاتي:
أولا: الحاجة الماسة الى دولة فلسطينية حرة مستقلة لها سيادة على حدود 67، وهذا ما اعلنت الفصائل وخاصة حماس بقبول هذه الدولة، وهذا ما يسعى الية الرئيس ابو مازن طوال فترة رئاسته، والان قد نضجت فكرة الدولة واصبحت شبه أمر واقع، خاصة بعد قبولها في المنظمات الدولية، وهذا يرجح بانه تم اتفاق سلام جديد لهذه الدولة.
ثانيا: هناك ترتيبات دولية من قبل الإدارة الامريكية للعمل على صفقة القرن من خلال اتفاق سلام جديد بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
ثالثا: هناك جهود مصرية من أجل اتفاق سلام جديد، وخير دليل اجتماع الرئيس السيسي مع نتنياهو وتباحثهما في هذا الموضوع، والدور المصري البارز يؤكد وجود هذا الاتفاق.
رابعا: قبول اسرائيل للمصالحة وعدم عرقلتها، وخاصة ان الوفود تأتي من الجانب الاسرائيلي وليس من مصر، وهذا يعني ان اسرائيل اعطت الضوء الاخضر للمصالحة.
خامسا: ضرورة تنظيم طبيعة العلاقة بين السلطة وعناصر المقاومة في غزة، وهذا التنظيم للعلاقة لا يتم ولن يتم الا بعد اتفاق سلام مع الاحتلال كي يسمح الاحتلال بمرور المصالحة.
سادسا: كثرة الوفود التي زات وستزور غزة في هذه الفترة دليل على وجود اتفاق سري، فمثلا وفود من الامم المتحدة ووفود من تركيا ووفود رفيعة المستوى من مصر، كل ذلك يؤكد ان هناك شيء أكبر من المصالحة.
سابعا: من المعروف ان الرئيس لن يقبل اي سلاح غير سلاح السلطة وقال ذلك علناً، فكيف قبل بالمصالحة في ظل وجود عناصر مسلحة بكثرة في غزة، هذا يؤكد ان هناك اتفاق لترتيب هذه الحالة، وهذا الاتفاق اما يكون ضمن اتفاق سري مع الاحتلال، او يكون تجهيز الحالة العسكرية وتكيفها لتكون قابلة لاتفاق سلام مع الاحتلال.
ثامنا: تجارب حماس على مدار 11 عام أثبتت فشلها في كل القضايا، وتولدت قناعة لدى حماس بانه يجب تغير هذا الوضع، فغزة ليست بقادرة على حرب كل عامين او ثلاثة، وهذا يمهد لقبول حماس اتفاق سلام جديد، ويمكن استنباط ذلك من وثيقة حماس السياسية، التي قبلت فيها دولة على حدود 67 ، فالمؤكد ان حماس متهيئة لأي اتفاق سلام.
تاسعا: الشعب الفلسطيني وخاصة سكان قطاع غزة تم تهيئته لاتفاق سلام جديد بعد أن عانى من أوضاع معيشية وانسانية صعبة لمدة 11 عام، فالشعب سيتلقف اي اتفاق يحقق رخاء اقتصادي للشعب، ولن ينظر الى بنود الاتفاق.
عاشرا: لن تستطيع اي حكومة العمل في غزة الا بموافقة اسرائيلية، فمن المؤكد ان المصالحة حصلت على موافقة اسرائيلية مقابل اتفاق سلام نهائي للصراع مع الاحتلال.
هذه الاسباب كفيلة كي نقتنع بوجود اتفاق سلام جديد وهناك كثير من الاسباب لم نتمكن من ذكرها، وهذا ما نتمنى ان يكون هناك حل نهائي للصراع ينهي معاناة الفلسطينيين من قهر وظلم الاحتلال.
بقلم/ باسل خليل خضر