دعاني صديق لحضور ندوة بعد صلاة العصر في مسجد الكتيبة في غزة منتصف الثمانينات، كانت المرة الأولى التي استمع فيها للشيخ عبد العزيز عودة يتحدث في السياسة والدين، الملفت يومها أن المسجد امتلأ بالشباب الذين مكثوا في أماكنهم بعد الصلاة ليستمعوا للشيخ وهو يسهب في الحديث عن واقع حال فلسطين ورؤيته لتحقيق الحرية والكرامة مدعما ذلك بآيات من القرآن الكريم، بعد أن فرغ من حديثه انهالت عليه الأسئلة ومعظمها من شباب المجمع الاسلامي وكأنه تم تحضيرها سلفا تحمل من النقد الشيء الكثير الذي تجاوز احيانا حدود قواعد الاختلاف وبخاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع ايران، كانت ثورة الخميني التي أطاحت بالشاه محط اعجاب الكثير بمن فيهم الشيخ عبد العزيز عودة وسبقه إلى ذلك د. فتحي الشقاقي، المهم أن الأسئلة أخذت جانب العلاقة مع الشيعة وما تمثله من خطورة على السنة أكثر منه مع نظام سياسي أطاح بنظام حليف لدولة الاحتلال، حتى أن البعض ذهب بسؤاله إلى حد اتهامه بالتشيع والتشجيع عليه.
كانت الخلافات الفكرية في تلك الفترة بدأت تطفو على السطح بين الشباب حول ترجمتهم لشعار الاسلام هو الحل فيما يتعلق بمنهج العمل المطلوب لتحرير فلسطين، وبطبيعة الحال شكلت العلاقة مع الثورة الاسلامية في ايران أحد نقاط الاختلاف، ومن رحم هذا الاختلاف بدأت تتشكل حركة الجهاد الاسلامي، المهم أن الشيخ عبد العزيز عودة يومها رغم طبيعة الاسئلة الاستفزازية تحدث بالحجة المصحوبة بقدر وافر من الاحترام لمن اختلف معه وجعل منها قاعدة يستند عليها في علاقته مع الغير، منذ سنوات طويلة تفرغ الشيخ عبد العزيز عودة للوعظ والارشاد المتبني لمنهج الوسطية في الاسلام مبتعدا عن العمل الحزبي، لا شك أنه شخصية دمثة وجذابة ويتمتع بقدرة فائقة في الاقناع وفكر مستنير لحقيقة الاسلام البعيد عن التطرف المتبني لروح التسامح وتعزيز ثقافة الحوار، يمقت التعصب الحزبي وكثيرا ما يستعين بمقولة جمال الدين الأفغاني الأحزاب في الغرب نعمة وفي الشرق نقمة، هناك يتسابقون على خدمة الجماهير وهنا يتسابقون على استخدام الجماهير، لعل ذلك جعل منه شخصية تحظى بالاحترام حتى ممن يختلفون معه.
نشر مكتب التحقيقات الفدرالي الامريكي FBI قائمة تتضمن أربع شخصيات فلسطينية قال أنها مطلوبة للاعتقال، شملت د. رمضان شلح والاسيرة المحررة أحلام التميمي والشيخ عبد العزيز عودة وحسين العمري، المثير للضحك أن الاتهام الذي وجهه مكتب التحقيقات للأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي بجانب القتل تهمة الابتزاز وغسيل الأموال، وكأنه زعيم كارتيل مخدرات في امريكا اللاتينية وليس مناضلا من اجل الحرية، إن إدراجهم على قائمة المطلوبين يمثل امعانا من قبل الادارة الأمريكية على معاقبة الضحية، ومحاولة بائسة لخلط الارهاب المدان فلسطينيا بأشكاله المختلفة بالنضال من أجل الحرية باعتباره حقا مشروعا كفلته الشرعية الدولية.
تواصل الادارة الأمريكية رعايتها للقاتل وتسهر على تقديم خدماتها المجانية له ومن بينها ملاحقة عبد العزيز عودة وصحبه، ومن حقنا أن نشجب وندين سلوكها ونعبر قولا عن رفضنا المطلق له، ومن يرغب منا في الابقاء على صحيفته بيضاء لدى العم سام لحساباته الشخصية سيلتزم الصمت المطبق، وان اختلفنا فيما بيننا في رد فعلنا الذي يبقى محصورا في القول لا الفعل إلا أننا لن نختلف في الهرولة وراء الفوز بدعوة من القنصلية الأمريكية لحفل عشاء يحضره علية القوم.
بقلم/ د. أسامه الفرا