لا ندري كيف يمكننا ان نتخلص من وباء العنف المتفاقم والمستشري كالسرطان والطاعون ، الذي بات ينهش جسد وعظام مجتمعنا العربي في هذه الديار في السنوات الأخيرة ، بفعل التسليح وحيازة الاسلحة المرخصة وغير المرخصة .
لقد عولج موضوع العنف بكثرة ، وكتبت عنه عشرات ، بل مئات المقالات والتحليلات والمعالجات ، وعقدت المؤتمرات والاجتماعات الشعبية ، ونظمت المظاهرات والاضرابات استنكاراً لتنامي ظاهرة العنف ، كما تم التوقيع على عرائض تدعو الى نبذ العنف ومكافحته ، والمطالبة بجمع الاسلحة من قرانا ومدننا العربية . لكن لا حياة لمن تنادي ، ولا جدوى من كل ذلك ، فالعنف يتزايد ويتفاقم والنتيجة المزيد من الجرحى والمصابين والضحايا.
ان العنف بكل اشكاله وادواته يشكل ظاهرة خطيرة في المجتمع ، وهو مؤشر على الانهيار الاخلاقي والانزلاق والانفلات الاجتماعي ، الذي يشهده واقعنا وراهننا. وهذه الظاهرة كغيرها من الظواهر الاجتماعية السلبية المدمرة لم تأت من فراغ ، ولها اسباب عدة مرتبطة بالتطور العلمي والتقدم التكنولوجي ، وعوامل التنشئة الاجتماعية والتربية الابوية ، والمتغيرات الببيئية، والانفجار السكاني وما يحدثه من آثار نفسية وسلوكية ضارة . ناهيك عن العوامل الاقتصادية – الفقر والبطالة والحرمان وتدني مستويات المعيشة والحياة ، فهي من المعطيات والحقائق التي تساهم في تعمق ثقافة العنف في المجتمع.
وما من شك ان التدهور الاقتصادي يقود الى التصدع الاجتماعي الخطير ، الى الضغط النفسي والاحباط والاكتئاب والاضطراب ، الذي يصيب شبابنا ويسيطر عليهم وينمي في داخلهم روح العنف والعدوانية ويقودهم الى طريق غير سوي .
ولا نغفل ايضاً دور الاعلام ، وخاصة الاعلام المرئي في تغذية روح وثقافة العنف، فالدراما التلفزيونية والفضائيات تركز على بث ونشر افلام العنف والقتل والمشاهد الجنسية الاباحية ، ولا توجه الشباب الناشئ والصاعد الى ما هو مفيد وناجع وهادف.
زد على ذلك التفكك الاسري والعائلي والتطرف الديني ، والثقافة الذكورية الدونية واساليب انماط التربية ، عدا عن تراجع الرقابة داخل المدارس والبيوت ، وترك الاولاد امام شاشات الحاسوب ساعات طويلة دون رقيب ، والابتعاد عن التربية الدينية ، ونكوص القيم والاخلاق النبيلة والقدوة الصالحة المتعلقة بانكار الذات ، وكذلك غياب روح التسامح الانساني والسياسي والمعرفي والثقافي ، وانشغال الوالدين بتوفير احتياجات البيت ومستلزمات الحياة العصرية الاستهلاكية ، والبقاء خارج المنزل ساعات طويلة على حساب تربية الابناء .
يضاف الى ذلك قمع الافكار وكبت الآراء بالقوة والتعسف ، فالمجتمع الاستبدادي والقهري الذي يقمع الفكر ويصادر الحريات ويمارس القوة في اقصاء الافكار يتولد وينشأ فيه العنف والتعصب ، وذلك بعكس المجتمعات التي تسود فيها قيم الديمقراطية والحرية والتعددية وحقوق الانسان ، حيث تضمحل وتقل فيها ظواهر التعصب والعنف والاجرام والانحراف .
ان الخروج من دائرة العنف المتفاقمة ليس بالعرائض والمؤتمرات ، رغم اهميتها ، وانما بالتنشئة والتربية الاجتماعية الصالحة والحقيقية ، وتعزيز الوعي التربوي والثقافة الديمقراطية واكتساب انماط فكرية وتربوية ايجابية ، وتنمية روح التسامح والتصافي واساليب التكيف والتعاطي مع الآخرين ، المبنية والقائمة على الاحترام المتبادل والحب والتقدير ، والالتزام بالاخلاقيات والقيم والآداب واحترام القوانين والنظم الاجتماعية والضوابط الاخلاقية ، وتذويت مفهوم المشاركة الاجتماعية الايجابية والتفاعل مع الآخر، وترسيخ التضامن والتكافل الاجتماعي .
هذا بالاضافة الى تقديم برامج ارشادية للشباب في المدارس وبيوت الشبيبة والنوادي الرياضية لتنمية مهاراتهم وقدراتهم في مواجهة المواقف الصعبة والسيطرة على الذات والنفس في اوقات ولحظات الغضب والضغط . كذلك ايجاد حلول لمشاكل وقضايا السكن وتحسين اوضاع الشباب الاقتصادية ، بايجاد اماكن عمل للعاطلين عن العمل لتخليصهم من البطالة القاتلة والفاقة والحرمان باشكاله المختلفة ، مع مزيد من الحريات والرقابة على ابنائنا فلذات اكبادنا . واخيراً ، كفى للعنف والقتل والاجرام والتسليح ، فقد بلغ السيل الزبى ولم يعد الوضع يحتمل واصبحنا نعيش وكأننا في تكساس . وواجب الشرطة الاسراع في جمع ومصادرة كل الاسلحة المرخصة وغير المرخصة من القرى والمدن العربية ، وهي قادرة على ذلك اذا شاءت .
بقلم : شاكر فريد حسن