عندما يغدو المبدع " كافراً " ويل لهذه الأمة ، فهي في مأزق كبير جداً .
انهم يكفرون من لا يؤمن بفكر غير فكرهم ، ويؤمن بايديولوجيا غير ايديولوجيتهم ، ويطلقون سهامهم على عنق كل من يؤصل خطاب العقل وفكر التنوير وثقافة التقدم والاصلاح ، فهم يلغوصون في شغاف القلب وتلابيب الروح والفكر ، ويريدون مبدعاً على مقاس روزنامتهم ، ووفق تشكيلة مخرطتهم الوهابية الاصولية السلفية المتزمتة ، التي لا تصنع مثقفاً عضوياً ولا مبدعاً حقيقياً ..!!
اما انظمة العهر والتبعية التي انتهى تاريخ صلاحيتها منذ زمن بعيد ، فتزج بالمبدعين والمثقفين والمفكرين ، الذي لا يغردون في فضائها المؤسساتي السلطوي ، الى غياهب السجون والزنازين والمعتقلات الصحراوية كي لا يرون ضوء الشمس ، وتحاكم الشعراء والفنانين بسبب قصيدة او اغنية ..!
الم يحاكموا قصيدة شاعرنا الفلسطيني الفذ محمود درويش " انا يوسف يا ابي " ، ورفعوا دعوى ضد ملحنها ومغنيها رائد الاغنية السياسية الملتزمة مرسيل خليفة ..!
الم يحاكموا قصائد الشاعر اليمني الدكتور عبد العزيز المقالح محاكمة غير أدبية ، لانهم لم يفهموا معانيها ومغزاها ولم يفكوا حروفها ورموزها ..!
الم يحاكموا المفكر الكبير الراحل نصر حامد ابو زيد وفرقوا بينه وبين زوجته ابتهال يونس المحاضرة الاكاديمية في الجامعات المصرية .!
الم يصادروا الف ليلة وليلة وكتاب عميد الادب العربي د . طه حسين " في الشعر الجاهلي " ، وروايات الكاتب حيدر حيدر ..!!
لقد اغتالوا الكاتب المصري فرج فوده ، واطلقوا الرصاص على نجيب محفوظ في محاولة لقتله ، واغتالوا حسين مروة ومهدي عامل بكاتم الصوت ، واهدروا دم الكثير من المفكرين والكتاب واصحاب القلم، ومنهم كاتب هذه السطور وغيره من مثقفينا ومبدعينا في هذا الوطن .
هكذا هو الحال منذ الشنفرى وبعده المتنبي وابو العلاء المعري ، مروراً بابن رشد ، وصولاً الى اليوم ، فهم يغتالون المبدع على هويته الفكرية الايديولوجية العقائدية .
ان الشعوب والأمم الأخرى تفتح وتشرع لمبدعيها ومثقفيها وشعرائها وكتابها وفنانينها أبواب ونوافذالابداع في البيوت الريفية ، حيث الاجواء الطبيعية الهادئة المجهزة باحدث ادوات الكتابة ووسائل الاتصال والطباعة ، بينما لدى امتنا العربية يفتحون لهم اقبية السجون واسوار الزنازين المجهزة بآخر ما وصلت اليه احدث تقنيات التحقيق والقمع والتعذيب والارهاب ..!
انه الارهاب الفكري بكل الوانه وتجلياته، الرامي الى اسكات واخراس الاصوات الديمقراطية ، وحجب الفكر والعقيدة ، وسحق وردة الحلم ، وتسميم سنبلة الآتي الجميل .
انهم يكفروننا لاننا نقف ضد الظلم والقهر والعبودية والفساد والاستلاب والاستغلال والجهل والظلامية ، ولاننا اصحاب المعرفة في زمن الخوف والظلام والتجهيل وغسل العقول .
ولآننا الورد في بلاد واوطان الجهل والايمان بالشعوذات والخرافات والاساطير ، وعشاق الكرامة والحرية والعقل والنور في أقبية التعذيب والاغلال وكواتم الصوت .
فليعمهوا في غيهم ، وليوغلوا في جهلهم وبؤسهم ونواميسهم ، فلا ماضيهم هو الماضي ، ولا حاضرهم هو الحاضر ، ولا مستقبلهم هو المستقبل .
نحن زهور الأمة وهم اضرحتها ، نحن خلودها وهم قيودها واغلالها ، نحن ضميرها النقي الحي وهم اعدائها .
الله نصير الحق ، ونصير العدل ، ونصير العقل ، ونصير الشعراء والمبدعين وكل من يقرأ ، وليبلغ جبنهم وتخلفهم وقصورهم مداه ، اما نحن فنمتلك الرؤى والرؤيا الجامحة نحو عدالة الارض ، الباب الارحب والاوسع الى عدالة السماء.
موتوا بغيكم وغيظكم ، سنبقى نكتب القصيدة بدم الروح والفكر والاحساس الانساني الملهم ، ونوزع باقات الورود الحمراء على كل المسحوقين والكادحين الذين يصنعون مجدهم ومستقبلهم بعرقهم ودمهم وخبزهم ، وسنظل ننشر فكر الحرية والديمقراطية والعدالة والتسامح والتعددية الثقافية ، ونبوح بقصائد الحب والغزل ، وباحاسيس العشق والوجدان ، فتاريخنا هو تاريخ قصيدتنا الملتزمة ونثرنا المقاوم وفكرنا المتنور وحلمنا الجميل ، ووردنا وسنابل حقول الفرح والضوء والاشراق .
بقلم/ شاكر حسن