اليوم تبدأ اول مراحل الصفقة

بقلم: هاني العقاد

بدأت القاهرة حوارات هامة ومكثفة مع حركة حماس في ابريل 2017 اي بعد اعلان حركة حماس عن انتخاباتها وبعد ان نشرت حماس وثيقتها التاريخية التي اعلنت بداية التحول التاريخي في توجهات الحركة ويبدو ان وثيقة حماس كانت الباب الذي فتح امام مصر لبدء حوار استراتيجي مع حماس وجلبها لمحور التحالف الجديد الذي تشكل مؤخرا والذي يضم السعودية ومصر والاردن والامارات ولعل اجتماع المخابرات المصرية بوفد حركة حماس الذي رأسه السيد يحيى السنوار في يونيو 2017 كان بداية التحول المركزي اما اللقاء الثاني برئاسة رئيس المكتب السياسي السيد اسماعيل هنية في 17سبتمبر 2017 بالقاهرة مع كل اعضاء المكتب السياسي لحركة حماس ومسؤولي الاقاليم الخارجية في كافة انحاء العالم فقد احدث نقلة استراتيجية كبيرة في ايدلوجية الحركة لتبدي مزيدا من البرغماتية وتغيرا ايجابيا في اساليب تعاملها مع العديد من الملفات الداخلية والخارجية.

اهم ما نجحت القاهرة في احداثه من تغير استراتيجي في عقلية حماس وعقيدتها هو تحيدها عن استمرار التحالف والاصطفاف الى جانب الاخوان المسلمين وتحويل حماس الى حركة تحرر فلسطيني خالصة المعالم والاهداف والأيدولوجيات وبهذا فان مصر نجحت في تهيئة عقلية قادة حماس للاستجابة لكل توجيهات وتوجهات القاهرة وبالتالي بدا ظهور الكثير من المؤشرات بقبول حماس العودة للصف الفلسطيني والتخلي عن الانفراد بغزة وخسارة المشروع الوطني وبالتالي الدخول في مصالحة معمقة مع فتح والرئيس ابو مازن ونجحت مصر في الحصول على قرارا من حماس بالابتعاد عن المربع الاخر وكان على حماس ان تختار اما هذا أو ذاك اما ان تبقي محاصرة وخارج اي اهتمام اقليمي وتواجه سياسة العزل السياسي الكبير او قبول كل ما تطرحه مصر عليها ولعل اختيارها الان البقاء في هذا المحور يلزما لان توجه كل قنواتها وتصب مياهها في بحيرة هذا المحور المعتدل وبالتالي يساعدها الجميع في مد جسورها لباقي دول العالم .

الصفقة التي عقدتها القاهرة كبيرة واعتقد انها جزء من صفقة شاملة في الاقليم لإنهاء الصراع بالكامل وتشمل الصفقة عملية تبادل للأسري في المرحلة الثانية على ان تحسن القاهرة هذه المرة في الشروط والضمانات وقد يتضح هذا اذا ما افرجت اسرائيل عن كل محرري صفقة شاليط الذين اعيد اعتقالهم لان هذا شرط اساسي لحماس للبدء بالحديث عن صفقة جديدة للتبادل ولعل نجاح مصر في ابرام صفقة جديدة لتبادل الاسري يهيئ لخروج الاف الاسري الفلسطينيين وعودتهم الى ديارهم واهلهم يضمن ارتفاع اسهم حماس كثيرا بالشارع الفلسطيني وهذا يؤهلها للانتقال الى المرحلة الثالثة من الصفقة الكبيرة التي ابرمت في القاهرة وتوصف الان بتفاهمات بين القاهرة وحماس الا وهي الهدنة طويلة الامد ودخول حماس العملية السياسية ضمن برنامج منظمة التحرير الفلسطينية التي ستفاوض اسرائيل في نهاية المطاف برعاية امريكية وغطاء اقليمي للحل النهائي للصراع .

لعل حدود التفاهمات التي تمت بين حماس والقاهرة لا تقف عند مرحلة المصالحة الفلسطينية بل تتعدي ذلك لتصل الى نهاية المطاف لمرحلة ان تكون حماس على طاولة حل ملف الصراع بالكامل ان الصفقة الحالية قد تكون من اهم ما سوف تنجزه القاهرة في الشأن الفلسطيني منذ اكثر من عشرون عاما اليوم تبدأ اول مراحل الصفقة في القاهرة من خلال انطلاق حوارات كبيرة بين فتح وحماس لإنجاز المصالة الفلسطينية وعقد شراكة دائمة على اساس المصلحة العليا للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة لان المصالحة الفلسطينية البوابة الشرعية لكل مراحل صفقة القاهرة حماس والمعروف ان مصر لن تحقق المصالحة وتترك باقي الملفات على حالها لأنها بالتأكيد يوما ما ستفسد ما وصلت اليه القاهرة بل وستعيد الفلسطينيين الى نقطة الصفر في اي حالة تترك فيها القنوات مفتوحة امام تدخلات غير نزيهة وغير مفيدة لمسيرة التحرر الفلسطيني وتقرير المصير ولعل استكمال مهمة القاهرة يعني ترتيب كل اوراق القضية الفلسطينية المبعثرة وتوحد الجهد الفلسطيني للتخلص من الاحتلال الاسرائيلي بلا مزيد من اراقة الدماء والدمار الكبير الذي قد يطال البني التحتية للدولة الفلسطينية القادمة ولعل هذا يعني ان مصر استطاعت ان تجند كل عناصر القوة الفلسطينية المطلوبة لصالح مواجهة التحديات التي قد تعصف بالقضية الفلسطينية وتتمثل تلك العناصر في الوحدة الوطنية الفلسطينية الحقيقية وتولي منظمة التحرير الفلسطينية مسؤولية كل البرامج والقرارات بما فيها قرار الحرب والسلم على السواء .

نعرف أن القاهرة تعمل بذكاء بارع في ترتيب كل ملفات الحالة الفلسطينية الداخلية كمدخل يمكن القاهرة من اداء دور فاعل في الزام المجتمع الدولي بتقديم حلول على اساس الشرعيات والمرجعيات الدولية الخاصة بالصراع كما ويمكنها من التربع على ملعب الدبلوماسية الدولية و الضغط بما تملكه من عناصر القوة التي بيدها الان بعد التمكن من انجاز الملف الداخلي الفلسطيني وتقوية وتمتين جبهتهم الداخلية ولا يمكن ان يتم هذا الا اذا تحققت شراكة سياسية الفلسطينيين و وحد الفلسطينيين تمثيلهم السياسي واجمعوا على استراتيجية واحدة من اجل مواجهة اسرائيل وفي نفس الوقت تمكنهم هذه الاستراتيجية من التحدث بلغة واحدة يفهمها العالم ويدعمها كل دول الاقليم و الكتل السياسية المركزية بالعالم .

بقلم/ د. هاني العقاد