سأكتب هذه المرة في وادي غير الذي يهيم فيه الناس بحثا عن مصالحة أو ساعة كهرباء اضافية او انتظار فرصة توظيف لأربعة أبناء عاطلين عن العمل، أو عن 200 شيكل ذليلة من صراف ألي بارد، أو كثير من القضايا بين يدي ملاك المصالحة أو شيطان الانقسام كساحر ماهر يقلب التفاصيل كيفما تشاء المصالح أو جشع النوايا وسراديب الارتباطات من تل أبيب الى كثير من العواصم.
هذه المرة أكتب عن حضن عابر كأنه عمر جديد بين فارس وصابرة، حضن نطق بنحو 16 عام من الفراق في لحظات، بعيدا عن لقاءات عبر سماعة الهاتف وخلف حاجز زجاجي تحرسه الكاميرات والجنود.
هي 3-4 دقائق جمعت بلا حواجز الأسير عباس السيد مع زوجته الصابرة "اخلاص" ولا أعرف هل هو اسمها أم صفتها؟، يبدو أنه كلاهما، حيث سمح السجان بثلاثة دقائق بين الزوج والزوجة لالتقاط صورة وتبادل الأنفاس بلا جدران أو أسوار بعد 16 عام من الفراق، كل دقيقة هي انتظار مكثف للحياة في حدها الأدنى.
كم كانت السيدة اخلاص سعيدة عندما تعطلت الكاميرا لتقضي 60 ثانية اضافية بجوار ذراع بطل من أبطال فلسطين، بطل دوخ الاحتلال 8 أشهر مطارد للاحتلال وسلم نفسه طوعا ليحمي بيت وأسرة استضافته من دمار قذائف المدفعية التي حاصرت المكان.
لمن لا يعرف عباس السيد: هو أسير فلسطيني معتقل منذ عام 2002، يقضي حكما بـ المؤبد 35 مرة إضافة إلى 50 عام، بعد اتهامه بقتل (32) إسرائيليا وإصابة (150) آخرين بجراح.
سيدي عباس السيد: قد تعيدك الدقائق الثلاثة أو الأربعة الى عالمك الجميل واسرتك بين مودة وعبد الله وأمهم اخلاص، فالحرية ليست مهمتك بل مهمة شعب وقادة يجب ان تكون صورتك على مكاتبهم أنت ورفاقك الكرام حتى يستبعد النسيان في زحمة الحسابات والمصالح وازدحام الانشغالات في مسافة طويلة بين عبودية الارتباطات وحرية القرارات.
سيدي السيد: صحاب الشعر الأبيض الجميل والزند الصلب والعقل المنظم والقلب الموجوع على البيت والوطن، مصيرك حتما الحرية لأنك منحتها مسبقا لشعبك من عمرك وقرابة 150 يوما من التعذيب الوحشي، لقد سددت كل فواتيرك للوطن وأكثر ونحن بانتظار وفاء من وعد إن أخلصوا العزم.
سيدتي أم عبد الله: كلنا يعلم أن 150 ثانية من الدهشة والحب لا تكفي لإزالة الهموم وتفريغ الانين، لا تكفي للحديث عن لحظات الانتظار وارتفاع حرارة الأطفال في الليالي الباردات، ولا عن قساوة الجنود على بوابات السجن، ولا عن وداد يزداد لهيبا مع الايام، فالمسافة بين الفخر والكبرياء من جهة، والحنين والاشتياق لا تدركه عدسة صحفي عابر ولا زيارة متعاطف لأقل من ساعة، ليبقى القلب يقلب آهاته مرة نحو القمر ومرات نحو الغروب وكثير من الأوقات مع ذكريات وصور وحوارات مخبأة في الذاكرة دون أن تفقد رونقها أو تأثيرها، هي دقائق معدودة لكنها حتما ستكون حرية تلملم باقي العمر بإذن الله، واسمحي لي ان أهدي لكل الاسيرات بانتظار الاحرار قصتي القصيرة بعنوان: بطولة دافئة
وقفَ الشابُّ الوسيمُ عمادٌ أمامَ القاضي الإسرائيلي بشجاعةٍ وابتسامتُهُ الواثقة بعد أنْ نطقَ بحكمِهِ المؤبدِ ثلاث مراتٍ.
وفي بيتِهِ القرويِّ جلستْ زوجتُهُ العروسُ أمامَ المرآةِ تغرقُ في التفكيرِ والدموعِ، وهي لم تُكملْ شهرَ العسلِ مع زوجِها الأسير.
فكرتْ فيما قالتْ صديقتُها لها صباحًا: أنتِ صغيرةٌ وجميلة، وألفُ شابٍّ ممكنُ يتقدمُ لك, وطلبُ الطلاقِ مع حكمِ زوجِك مشروعٌ ومفهومٌ".
تذكرتْ الليالي الورديةَ مع عمادٍ، فاندفعتْ قشعريرةٌ باردةٌ في شرايينِها، وقال جسدُها: عمادٌ لن يعودَ، وبسرعةٍ قفزتْ روحُها في وجهِ الرغبةِ لتقررَ: البطولةُ ليستْ حكرًا على الرجال.
بقلم: عامر أبو شباب