تأثرت الثقافة الفلسطينية بوجه عام منذ العقد الثاني في القرن العشرين وعندما تبلورت نشاطات استيطانية على الأرض الفلسطينية ونشطت الثقافة الفلسطينية بشكل خاص بعد نكبة عام 1948 ونزوح أكثر من مليون عربي فلسطيني إلى الشتات.
ومن أهم ما كان يراهن عليه العدو الصهيوني في لجوء الشعب الفلسطيني إلى مناطق مختلفة في العالم وخاصة دول الجوار أن تمحى ثقافة هذا الشعب مندمجة في الثقافات المحلية عندما قال المنظرين الصهاينة"الكبار يموتون والصغار ينسون ".
ولقد كان لفعل حركات التحرر وهنا نذكر بالتخصيص لما رافق ثورة 1923 يوليو الناصرية من حملة ثقافية وطنية قومية أسست دعائم للعمل الثقافي ومنظور وحدة الصراع لدى الشعب الفلسطيني والشعب العربي بصفة عامة وما تلا ذلك من ثورات وأحزاب عربية انصهرت فيها الطبقة المثقفة الفلسطينية مثل القوميين العرب والبعثيين والإخوان المسلمين والشيوعيين وكان لكل من هذه الأحزاب دائرة فعل ثقافية تصب في خدمة القضية المركزية قضية فلسطين وقضية اللاجئين .
وارتبط التطور الثقافي للشعب الفلسطيني كما ذكرت بمجمل المتغيرات السياسية التي طرأت على الوضع العربي .
وفي خضم التفاعل الوطني والقومي ساقت المسؤوليات والتربية الثقافية للشعب الفلسطيني عدة شخصيات هامة ومرموقة تصدرت العمل الثقافي العربي بل كانت من أبرز الأعمال التي تطورت مع تطور الموقف العربي في الصراع العربي الصهيوني وكان هذا التطور يأخذ أوجه مختلفة من الشعر إلى النثر إلى القصة والرواية المعبرة عن الخطوط السياسية القائمة .
وبشكل أساسي ورغم توزيع الفلسطينيين في مناطق اللجوء إلا أنهم قد حافظوا على هويتهم الخاصة وتراثهم الشعبي وأجمع الجميع في توجهاتهم نحو معالجة قضية الهجرة وقضية الوطن والحقوق وإن اختلفت الرؤية والأساليب ، ونلاحظ من أسماء تعبر عن الثقافة الفلسطينية وإجماعها واتجاهها نحو الأرض سواء كان فلسطينيوا الداخل في عام 1948 أو فلسطينيي الاحتلال أو فلسطينيوا المهجر فكلهم انطلقوا من زاوية واحدة ومن قناة واحدة هي قضية الوطن المسلوب وقضية الأرض والتغني بها.
وارتفع منسوب العمل الثقافي الفلسطيني والإجماعي الفلسطيني على تلك الثقافة وهي ثقافة الكفاح المسلح التي غيرت مفاهيم الصراع والنظرة اللكلاسيكية له بعد عام 1967وتبين أن ثقافة الأحزاب لم تفلح في معالجة قضية التحرير ، إذا ارتبط التطور بمجمل المتغيرات الحادثة ببعدها الثقافي والاجتماعي والأمني والسياسي ما بعد الهزيمة ، وتوحدت الثقافات وخطابها في دعم الكفاح المسلح ، إلا أن المتغيرات السياسية في الساحة العربية أتت بمفعولها عندما أحدثت المتغيرات السياسية انحدار واضح في الأداء الثقافي للعمل الفلسطيني والعربي وخاصة بعد كامب ديفيد أي بعد عام 1977 حيث انشق الفكر العربي إلى عدة إنسلاخات وتيارات تيار المقاومة وتيار التسوية وما حمله من ثقافة العولمة الأمريكية وقضية عدم التضحية والإقليمية والتشديد في الأسلوب الثقافي والبرمجي على أصول المجتمعات العربية كالحضارة الفرعونية مثلا ً وغيرها من الحضارات وبالتالي بدأت الثقافة العربية بالانحصار والتشرذم بتشرذم الوضع السياسي العربي الإقليمي .
وتأثر الجانب الفلسطيني بذلك ، إسرائيل قد غزت التراث الفلسطيني وسوقته في العالم تراث صهيوني ومرافق لذلك المتغير السياسي العربي ونظرته للصراع ولذلك الفلسطينيين ثقافيا ً بدؤوا يعبروا بشكل أو بأخر عن مجمل ثقافات سياسية للأنظمة ومن أماكن تواجدهم لظروف ذاتية وموضوعية ، فمنظمة التحرير الفلسطينية بخطوات " FEEDBACK" دخلت في اتصالات مع إسرائيل وبالتالي همشت مركز الدراسات الفلسطينية وأهملته لأنه لا يتوافق مع نظرتها لحل الصراع المبني على المبادرات والتي مجملها التنازل عن أكثر من 82% من أراضي فلسطين .
ولنأخذ نظرة على الأداء الشعري لقد كلا ً من محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد شعلة من شعلات الأدب المقاوم وهم مقيمين في فلسطين عام 1948 وبالمقابل إذا نظرنا إلى مجموعة من الشعراء مثل معين بسيسو وهارون هاشم رشيد وطارق الصيرفي وغيره من الأدباء مقيمين في قطاع غزة وأبى سلمة وعز الدين المناصرة وغسان كنفاني ومحمود القيسي ومسعد محمد زياد وطلعت سقيرق مقيمين في المهجر وكثير من الأدباء الفلسطيني وكنموذج محمود درويش الذي خرج من الأرض المحتلة ليلتحق بالثورة الفلسطينية وليكتب في معالجات شعرية معاناة شعبه أثرت عليه التنازلات السياسية التي قامت بها منظمة التحرير وأحدثت نكسة لديه ثم عاد بعد توليه عضو لجنة تنفيذية لمنظمة التحرير إلى الأراضي المحتلة عام 1948 أما الآخرين كغسان كنثاني عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية والذي غنى وكتب لبرتقال يافا فلقد تم اغتياله وكما حدث أيضا لكمال ناصر ، وكما حدث أيضا لناجي العلي.
إذا الحالة الثقافية تأثرت بمجريات الأحداث السياسية وكانت نقطة الفعل المؤثرة بشكل مباشر على الأداء الثقافي للشعب الفلسطيني الممارسة السياسية ومقدماتها لمنظمة التحرير الفلسطينية وخروجها عن خيار الكفاح المسلح تحت شعار " السلام مقابل الأرض " والسلام خيار استراتيجي " ومن هنا توجت تلك المؤثرات باتفاقية أوسلو التي أعفت الاحتلال بموجب القوانين الدولية من مسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني كشعب محتل بسلطة هامشية تتنقل بإذن الاحتلال ومن أهم الانعكاسات لهذه الاتفاقية الرديئة بل القاتلة أنها قسمت نسيج الشعب الفلسطيني عموديا وأفقيا ً وبالتأكيد ثقافيا ً :-
1/ فلسطينيي الداخل والمستفيدين من أوسلو وخطابهم الثقافي والسياسي والأمني وهذا الوضع نتج عنه عدة انسلاخات :-
- فلسطينيي الأرض المحتلة ما بعد 1967.
- الفلسطينيين المحظوظين بموجب اتفاقية أوسلو الآتين من الخارج وامتيازاتهم وخاصة من أتوا من تونس مميزين عن باقي الأقاليم الأخرى .
- لاجئي غزة والضعفاء منهم والفقراء وخطابهم السياسي والثقافي المعاكس للرؤية السياسية والثقافية لطبقة أوسلو وللمستفيدين منها .
2/ فلسطينيي الخارج همش دور الفلسطينيين في الخارج بتهميش متدرج لمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها ومسؤولياتها السياسية والثقافية والاجتماعية عن الشعب الفلسطيني في الخارج وهذا أتى بتدرج متصاعد بمقدار تورط اللوبي المسيطر على أقدار منظمة التحرير الفلسطينية إلى مزيد من الانقسامات الثقافية التي أدت إلى تجزئة كل من غزة والضفة لمناخات سياسية مختلفة مناخات سياسية محافظة على المقاومة والحقوق الفلسطينية وهذه تعبر عن نفسها في أداء ثقافي وتراثي ملتزم بالحقوق الفلسطينية والمناخ الآخر الذي يتبع خارطة الطريق وأوسلو وبنودها الأمنية والثقافية المبنية إعلاميا ً على قبول إسرائيل كدولة مجاورة وما يترتب على ذلك من إجراءات أمنية وبعد ثقافي تعليمي ينص على أن إسرائيل ليست عدو في المنطقة بالإضافة إلى إلغاء بعض النصوص في القرآن الكريم التي تحث على الجهاد وعلى بني إسرائيل .
من هنا نتفق أن الثقافة الفلسطينية توحدت بعوامل الاتجاه للحقوق الفلسطينية ولفلسطين التاريخية وعندما تغيرت تلك الأبعاد أصبح هناك خلل في الثقافة الفلسطينية أصبحت مهددة بالانسلاخ إلى عدة ثقافات تحمل أبعاد ثقافية مختلفة فعلى سبيل المثال لا الحصر توحدت الثقافة الفلسطينية بالكفاح المسلح وفي الانتفاضة الأولى والثانية عام 1967 وعام 2002 ونتج عن هذا الاتحاد أبعاد اجتماعية تكافلية ثقافية تغذيها أواصر الالتحام في المشكلة بمؤثراتها وأبعادها.
ولا ننسى أن لدور الاحتلال وللعامل الاقتصادي مؤثر مضاد لوحدة الثقافة الفلسطينية كالتوجه نحو العمل في إسرائيل وارتباط الاقتصاد الفلسطيني بالشيكل والاقتصاد الإسرائيلي وأزمة المعابر والحصار .
وبلا شك أن البرنامجين المطروحين على الساحة الفلسطينية البرنامج التسووي وثقافته والممول دوليا ً وإسرائيليا مقابل البرنامج المقاوم وهو الذي يعبر عن المصلحة الحقيقة للشعب الفلسطيني ويعبر عن الجذور الأساسية للصراع العربي الصهيوني فالأدب المقاوم مازال يأخذ دوره ولو حدث عدة انحناءات تتصاعد وتتهافت بمقدار التغير إلا أننا نستطيع أن نقول أن الثقافة الفلسطينية مهددة بوجود تيار أوسلو ونهجه السياسي في الساحة الفلسطينية وهذا له بعد آخر على الثقافة العربية برمتها .
سميح خلف