تعيش المجتمعات العربية حالة أزمة تتمثل في تراجع حركة التنوير والخطاب العلماني النقدي وتضاؤل مكانة الأحزاب ، بعد انهيار الايديولوجيات وفشل التجربة الاشتراكية وعجز قوى المجتمع المدني والحركات الاجتماعية عن تحقيق التغيير المنشود وبناء الصرح الاجتماعي الجديد ، بالاضافة الى تعثر واخفاق المشروع النهضوي القومي والثقافي العربي وهيمنة الثقافة المتعولمة والاستهلاكية . وكذلك انتشار الخطاب الديني الاصولي وتنامي التيارات الظلامية المعادية للعقل التي لجأت الى التكفير والعنف ولغة الرصاص.
أن حركة التحديث والتجديد والتقدم والتنوير المجتمعية لا يمكن أن تواصل الحياة بدون التعاطي مع الواقع وتنويره سعياً لتجاوزه ، وهناك حاجة لفهم التناقضات الاجتماعية والقضاء على الجهل والتخلف وترسيخ مفاهيم قيمية جديدة ، تدفع بأتجاه التطور الحضاري وانعاش الثقافة الوطنية والديمقراطية الشعبية والتقدمية التحررية وتحقيق الازدهار والرخاء الثقافي والنهضة الاجتماعية العامة . كما لا يمكن التغاضي عن قضية المرأة ودورها الاجتماعي والسياسي في نجاح عملية التغيير والتحول الثوري في المجتمع لصالح القوى الطبقية . ولهذا يتوجب على الحركات الاجتماعية والتيارات السياسية ان تولي المسألة النسوية اهتماماً بالغاً وأن تضعها في اعلى سلم اولوياتها وبرامجها ونشاطاتها ، وفي هذا المجال يجب التأكيد بأن تحرير المرأة لا يمكن أن يتم في المجتمع الأبوي البطريركي المبني على قيم سائدة ومتوارثة ، وبدون تحرير طاقاتها الروحية والمادية واشراكها في الحركة الشعبية والديمقراطية وتخليصها من القهر والقمع والحرمان والاستغلال الفاحش والتحرش الجنسي.
وهناك جانب اّخر مهم ينبغي الاشارة له وهو العلاقات بين القوى والتيارات الفكرية والمذهبية في المجتمع العربي بحيث يتطلب الأمر ايجاد صيغة للتعاون والعمل الجماعي وتعزيز هذه العلاقات على أساس الصراحة والمكاشفة واحترام التعددية والاختلاف وتحويل صراع الحضارات الى حوار ثقافات ، وتطوير السجال الفكري في الساحة الوطنية والقومية ، لأن التنوير في اساسه هو دعوة الى احترام العقل والتعددية الفكرية والسياسية والتفاعل مع التطورات الحاصلة في الحياة الاجتماعية .
وأخيراً على رجالات الفكر والعلم والثقافة في العالم العربي العمل على زيادة الوعي التنويري والسياسي وحل الأشكالية بين الدين والتقدم ورفض الوصاية الدينية على العلوم، وتخليص الخطاب الديني من الانغلاق والتعصب وتكريس مبدأ التعددية ومواصلة النضال من اجل انشاء المجتمع الوطني المدني التعددي والحضاري، وتحقيق الاصلاح الديمقراطي والسياسي والثقافي والاخلاقي وتبني الخطاب العلماني.
بقلم/ شاكر حسن