ما من دولة الا وتعمل بكل جد على مكافحة هجرة عقول مواطنيها , حيث لا يتوقف قادة تلك الدول وحكوماتها عن دراسة تلك المشكلة للحد منها وعدم تفاقمها وذلك بوضع الحلول والتوصيات من خلال عقد المؤتمرات والندوات وورش العمل, في الوقت الذي نجد فيه الفلسطينيين من القادة والمسئولين يعملون بتعمد على زيادة تلك المشكلة لتصبح ظاهرة وذلك من خلال العمل على تهجير واغتيال تلك العقول ,اما بتهميشها وتجنيبها ,واما بتضييق الخناق عليها من خلال اتخاذ إجراءات وعوامل يتم تهيئتها لهم من اجل دفعهم للهجرة دونما أي تفكير في الوقت الذي كانت تعمل فيه هذه العقول جاهدة على إرساء معالم الدولة الفلسطينية , فلماذا تتعمد السلطة انتهاج سياسة تهجير تلك العقول واغتيالها؟.
ان الطرد التعسفي الذي تقوم به السلطة الوطنية الفلسطينية لأصحاب الكفاءات من وظائفهم واعمالهم تحت ما يسمى التقاعد المبكر، وما تقوم به أيضا من تهيئة العوامل لتلك العقول والكفاءات من اجل اتخاد قرار الهجرة هي اخر ما تبقى من طلقات الاغتيال باتجاه تلك العقول، فمن هو المسؤول عن ذلك ومن هو المستفيد ايضا؟ ، وما هي سبل وقف استمرار هذه السياسة الممنهجة ومنع التدهور؟ ، فاذا ما كان الاحتلال في العقد الأربعيني كان قد ساهم في هجرة العقول، فلماذا تساهم السلطة وحركة حماس الان ومن خلال اتفاق المحاصصة فيما بينهما بتشديد إجراءاتهما لدفع هجرة من تبقى من تلك العقول؟، ومن لهده الدولة المرتقبة أيضا إذا ما هاجرت تلك العقول او تم اغتيالها؟
من المؤسف القول بان الكثير من تلك العقول والكفاءات عادت الى ارض الوطن رغم إجراءات الاحتلال ورغم تضييق الخناق عليها لعدم العودة ,الا ان تلك العقول كانت قد عملت وبكل إصرار من اجل العودة والبناء رغما عن الاحتلال ,ليس من اجل التنزه او جمع الأموال ,بل من اجل بناء مؤسسات الدولة والمساهمة في إرساء معالمهما , فلماذا تتعمد السلطة الان والمسئولين فيها طعن هؤلاء من الخلف وكأنما هو عقاب لهم على اختيار العودة وبناء الدولة وذلك من خلال دفعهم الى العودة الى حيث جاؤوا مما يجعل ذلك مبررا أيضا لعدم عودة من غادر الوطن طلبا للعلم والدراسة وتشجيع هؤلاء على الانخراط في الدول التي تعلموا بها رغم ان هؤلاء كانت منظمة التحرير وما زالت تدفع الملايين من اجل دراستهم في تلك الدول وتلقي علومهم ، فلماذا نرى السلطة قد باتت تشجع أصحاب العقول المفكرة للهجرة والسفر، وهي تعلم ان هؤلاء لم يكونوا في صفوف الثورة ومن ثم العمل في مؤسساتها من اجل عملٍ يوفر لهم الرفاهية والعيش الكريم رغم ما يمتلكونه من عقول نيرة، وانما رغبة البقاء لا الهجرة كانت من اجل النجاح والتطور والتنمية ايمانا منهم بان الدولة لا تبنى الا بسواعد وعقول أبنائها وهمتهم في ظل تردي الظروف الاقتصادية، وارتفاع مستوى المعيشة، ورغم الحصار وانتشار الفساد والمحسوبية ,وان هؤلاء الذين تدفعهم السلطة نحو الهجرة الان هم الأكثر حرصا على بناء الدولة من هؤلاء الذين يصدرون قرارات الإحالة الى التقاعد ممن يحملون جنسيات دول لا يتمنى ملوكها ورؤسائها لنا التحرير ولا حتى البناء او الاستقرار ,في الوقت الذي ندرك فيه أيضا بان حملة تلك الجنسيات ممن باتوا يمتلكون القيادة والقرار هم الأكثر ولاءا لهؤلاء الملوك من ولائهم لمن منحهم تلك الألقاب والنياشين التي يزينون بها صدورهم دون نقطة دم قد سالت منهم في معارك ولا حتى نقطة من عرق سالت منهم في ميادين التدريب وساحات العلم .
أن المصالحة الفلسطينية يجب ان تكون الخطوة الأساسية الأولى لمعالجة ظاهرة الهجرة النوعية الفلسطينية إلى الخارج, وليس الاتفاق على دفع ما تبقى من تلك العقول الى الهجرة ورفع نسبة هجرة الكفاءات من الاطباء و المهندسين و العلماء وخبراء الامن والاعلام وفقهاء القانون لان الدولة الفلسطينية المرتقبة تحتاج لمثل هذه العقول في مجالات التخطيط والبحث العلمي والأمني والإعلامي أيضا كما نحتاج الى عدم تبديد الموارد الانسانية والمالية التي انفقت في تعليم وتدريب تلك الكفاءات العلمية والأمنية والعسكرية, وهذا ما يجب ان يتداركه السيد الرئيس وكذلك الحكومة الفلسطينية بتشكيل لجنية فنية متخصصة ومتنوعة لإعادة النظر فيما تم اتخاده من إجراءات قاسية بحق الموظف الفلسطيني لاختيار من لديهم الاستعداد التعامل مع اية مشاريع عملية وعلمية وامنية تساهم في بناء الدولة الفلسطينية وتطورها كمقدمة لتعزيز مشروع التنمية المتوازنة والشاملة التي توفر مقومات العمل والاستقرار المعيشي والنفسي والانتاج العلمي وذلك من اجل الاستفادة من تلك العقول في معظم المشروعات التي تحتاجها دولتنا المرتقبة بدلا من اغتيالها او دفعها للهجرة .
بقلم/ ماجد هديب