آمال عواد رضوان شاعرة الرقة والجمال والانوثة وسحر الكلمات ..!!

بقلم: شاكر فريد حسن

آمال عواد رضوان ، الصوت الشاعري الصافي الآتي من الجليل الآخضر ، من ربى عبلين القرية الوادعة المتآخية المتسامحة ، ارى فيها شاعرة ملهمة فذة أصيلة مميزة ومتفردة بيراعها ومداد قلمها وحروفها وبوحها ، تتربع على عرش القصيدة الجميلة ، و بالخصوبة والولادة والفرح ، وتدهشنا بعمقها ودلالاتها .

وفي الواقع ان المرء يحار حين يكتب عن آمال ، فعن اي آمال نتحدث ونكتب ، هل نكتب عن آمال الانسانة الدافئة المرهفة بروحها ، الطيبة بقلبها ، النظيفة والنقية بضميرها ، صاحبة القيم والخلق العظيم ، المجبولة بالعزة والأنفة والكبرياء ، أم نكتب عن آمال المثقفة العقلانية التي تبحر وتغوص في اعماق وصفحات الكتب لتثري عقلها ووجدانها ، أم نكتب عن آمال المشرفة  الثقافية المتمرسة المتمكنة من اللغة والطباعة والتشكيل ، وكاتبة التقارير المميزة بطابعها ورونقها الخاص ، أم نكتب عن آمال الشاعرة المتألقة المشرقة الساطعة في دنيا الثقافة والأدب الفلسطيني ، التي امتطت حصان قصيدة النثر بحنكة ، وسارت في مراكبها بدراية ومعرفة فائقة ، وحققت أهم خصائصها باقتدار ، وهل بالامكان سبر قصائدها المحلقة المجنحة المحملة بالرموز والغموض والدلالات والتناص الشعري ..؟!!

آمال عواد رضوان ملكة الحرف ، من سفراء الشعر والأدب الذين رفعوا القصيدة النثرية الى أعلى مراتبها ، وساهموا في نهضتنا الثقافية فاحسنوا تقديرها ، فكانت صوتاً شجياً في سمفونية وجوقة البوح والنبض الشعري .

انها تسكن بيت اللغة ، وتتنفس الشعر ، وتعيش على ضفافه الواسعة ، وتعتبره اكسجين الحياة الذي تستنشقه ، وتمطرنا بوابل من الدهشة والانبهار في حضرة عشتار.

 هي لا تكتب القصيدة الا اذا استوففها حدث ما  او اذا تفجرت في داخلها المشاعر والاحاسيس وشرايين واوردة القلب ، فتلجأ الى اليراع الذي يفيض ويتدفق بسحر الكلمات لتثبت وجودها وحضورها .

تحدثنا آمال عواد رضوان  عن نفسها وسيرتها الذاتية ، فتقول : " آمال سوى طفلة خضراء انبثقت من رماد وطن مسفوك في عش فينيقي منذ امد بعيد ..!

اتت بها الاقدار على منحى لحظة تتقد باحلام مستحيلة ، في لجة عتم يزدهر بالمآسي ، وما فتئت تبتل وتغرف بناي حزنها المبحوح باشراقاتها الغائمة وما انفكت تتهادى على حواف قطرة مقدسة مفعمة بنبض شعاع ، اسموه " الحياة " .

وتضيف قائلة ؛ " ما بين رموش نهاراتها ووسائد لياليها ، ساحت آمال في عمق بوار لا يحده خواء ، تأخذها سنة من سبات في استسقاء الماضي ، وتارة ، تستفيق من قوقغة احاسيسها الذاهلة ، حين تهزها الفجوة الدهرية بين الأنا والآخر والكون ، وبين مجون الضياع المزمجر فتنة ، وبين حانات الخطايا المشتعلة كؤوسها بلا ارتواء ، والوطن يرتع في شهقات الم تعتصر املاً  من كروم المستحيل .

وتتابع حديثها قائلة : " لم تفلح شفافية الواقع المر حلوة ، ولا مهرجانات الحياة من صلبها على اعمدة مدرجات ومسارح الحياة ، بل التجأت بصمت وهدوء الى كهف الابجدية ، واعتكفت فيه كناسكة تحترفها فتنة التأمل ، حيث تصطفي نيازك حروف متلألئة بالنضوج ، كادت تسقط سهواً في محرقة الألم ، او كادت ترجمها اغواءات الدروب بحصى يتجمر ، لكنها حاولت ان تلتقط بأنامل خيالها تلك الحروف اللاسعة الكاوية ، كي ترطب وجد آمالها الموشومة بنشيج خلاص قد يأتي !

كم تمازجت في طهر روحها شعاعات ايمان ، صاخبة بفصول التوغل وبوجود الجمال في غد دافئ ، وكم نقشتها انفاسها تنهيدة منحوتة ومشفرة ، على شاهدة عمر يلاحقها ، ويولي في صحوته ، ولا يلوي على التفاتة تكتظ بالحسرة !

آمال عواد رضوان تأخذنا الى عالم الخلق والابداع والمتعة والدهشة ، والى دلالات المضمون لنجدد ثقتنا في تأويل النص ، فهي بارعة ومتمكنة في انتقاء الكلمات الجميلة والمفردات العذبة المعبرة ، ومجددة في البناء الشكلي والخارجي للقصيدة ، ودائماً تأتينا مع ولادة كل قصيدة بصور جديدة مستحدثة ومبتكرة ، والموسيقى حاضرة في نصها وتنبعث من خلال الكلمات ، وتبهرنا بلغتها الماطرة الاشراقية الجميلة التي تمتعنا وتحلق بنا في عالم من الخيال ، واننا نستشف في مقطوعاتها عناصر الجمال والفن الشعري والايقاع السمفوني الداخلي الأخاذ والرنان .

آمال عواد رضوان انسانية في فكرها وطرحها ، لها خصوصيتها وقاموسها اللغوي واسلوبها المميز ، وتنطلق في كتاباتها الابداعية من منظور انساني رحب يتمثل في قيم الخير والحق والجمال والعدالة والحرية .

وتجيء قصائد آمال نتيجة تجربة شعورية منبثقة عن تأجج وحركة في خلجات النفس وانفعالاتها ، ونجدها صادقة في اصالتها ، مراوغة في مراودتها للعقل والوجدان ، وتترك في نفوسنا الأثر العميق والاسئلة المعلقة .

آمال عواد رضوان  تنقلنا الى عالمها العشقي الصوفي والاسطوري عبر جلجامش والسومريون والاسطورة الاغريقية ، وتبث مشاعرها الانسانية التي تتراوح بين الفرح واالحزن ، الغضب والتمرد ، اليأس والأمل .

نصوصها انسانية ، تنضح بانوثة خصبة مشتهاة ، يشوبها الطابع الوجداني والذاتي والفلسفي ، وتعكس قلقها والمها ومعاناتها ولواعجها الذاتية الجياشة ، وكل ما تحس وتشعر به من هموم وعذابات وجراحات قلب .

يقول الكاتب ابراهيم سعد الدين : " شعر آمال عواد رضوان ليس كغيره من مألوف الشعر ، لأن له طعماً خاصاً ومذاقاً فريداً ونكهة مميزة فحسب ، بل ايضاً لأنه يحتاج قراءة خاصة ، فهو  ليس ذلك النوع من الشعر الذي تقرؤه على عجل وتكتب عنه انطباعات سريعة عابرة ، وانما ينبغي  عليك أن تتهيأ لقراءته بكثير من الصبر والحيطة والحذر ، فهو اشبه بوردة برية لن تتمكن من استنشاق عبيرها دون أن تدمي اصابعك بوخز اشواكها ، وهو اشبه بالعسل الجبلي ، لن نشعر بحلاوته المسكرة في فمك دون ان تحتمل لدغات النحل ، تشعر بالامتاع  والمؤانسة .".

آمال عواد رضوان  تكتب في اغراض ذاتية وفكرية وانسانية ، تحاكي الطبيعة والنجوم والسماء والبحر ، وتشدو للحب ، وتناجي الحبيب ، وتصور الشوق اللاهب ، وتنثر محبة الاوطان والانسان ، وتتناول قضايا العروبة والانسانية ، وتغازل الوطن ، وتفجر كل ما يحرك مشاعرها ، لنسمعها في هذا النموذج من شعرها ، حيث تقول :

على ضفاف القصائد

تتناثر محارات الهوى

ومن ذاكرة الهروب

تتسلل أسرار الجوى

فلا نمسك بالمحار

ولا تلحق بالأثر

وهيهات .. يسعفنا الوتر

تتناءى أخاديد العناوين

تتهاوى سدود الطمأنينة

تهدها فيضانات الغياب

البوح الوله المفعم بها

مغمور بحضورها

أتراه .. ليس الا

جمال حب يختال على عرش شباب

حلم عمر تجلد بحره في غير أوان

يبسط العتاب كفه وتشح يد الزمان

تتثاءب الزغاريد مرتاعة

وتضيع الماسة

بين أكوام النعاس والهديان

يمتاز شعر آمال عواد رضوان بالخصوبة والتوهج العاطفي والكثافة الشعرية والتكثيف والصور الفنية الرائعة ، وجمالية اللغة وروعة المفردات والاكثار من استخدام المحسنات البلاغية والافكار الانسانية التي تعتز بها ، وتثري شعرها فنياً ومضموناً .

آمال عواد رضوان تقف في الصف الأول من المبدعين الذين استطاعوا أن يحرقوا الجسور بين النثر وبين الشعر ، وكتاباتها الوجدانية نموذج مبدع وساطع لأدب البوح الرفيع ، وهي من الشاعرات العربيات النادرات اللواتي يكتبن عن الحب والعشق والحبيب دون السقوط في السوقية والمثالية .

آمال عواد رضوان فيض من عطاء واشراق قريب من النفوس والقلوب ، في شعرها بهاء وجمال طيب المجتنى ، ويغمرها الحب بأجمل النفثات والنبضات .

آمال عواد رضوان مبدعة متلألئة راقية وموهوبة ، ترسل نفسها على سجيتها وتغمس ريشتها  في قلبها ، فتهزنا روائعها الشعرية الخالدة .

اجتمعت فيها جودة الابداع ، وقوة السبك ، وجمال التعبير والصياغة ، وعمق المعنى ، وسمو الخيال ، وامتازت بوحدة القصيدة ، فكأنك معها امام لوحة فنية متكاملة تعبر عن فكرة تامة ، تطل  على القارىء محببة قريباً من نفسها . انها لا تتعثر ولا تكبو ، ولا تنحدر احياناً مثل كثير من الشعراء ، تحافظ على سمتها ومستواها ، تتخير الكلمة والمعنى ولا تمر بالفكرة مسرعة ، فتتأمل وتنغمس بالخاطرة حتى تصل لغايتها كما تريد .

آمال عواد رضوان كانت يوماً برعماً أزهر في بساتين الابداع وحدائق الوحي والالهام الشعري الصافي كالزلال ، ونبت في تربة الادب ،،فاخضرت واينعت وبسقت واشرقت علينا شمسها وهب علينا نسيمها ، ومن روحها استوحت البلاغة والبيان ، والشاعرية لديها صدق واخلاص ، وابتعاد عن التباهي والمماحكة ، فهي شاعرة مميزة بكل معنى الكلمة ، وشعلة ادب وابداع تسير بنا قدماً نحو الحب والجمال .

الف تحية لآمال عواد رضوان ، التي تستحق الثناء ولمسة وفاء لدورها الريادي في الفعل الثقافي والعملية الابداعية الجمالية ، انها نهر يتدفق احساساً وشعراً وعاطفة ورقة وجرياناً يصب في بحر البوح والهمس الشعري الصادق ، مع التمنيات لها بدوام العطاء وخدمة ثقافتنا وادبنا والسمو بهما نحو العالمية .

بقلم : شاكر فريد حسن