أعزائى القراء إن ما يميز هذا العمل ، أنه حوار خرج من رحم السجون بكل ما يحمل من مصداقية ومعاناة ، وأنه يشكل حواراً مفتوحاً على مدار سنوات عبر مراسلات بين الشهيد الدكتور فى منفاه ، وبين الأسرى فى المعتقلات ، قمت بجمعها لبعثرتها فى معظم قلاع الأسر ، ومصداقية الحوار أنه كان بين مفكر ومؤسس اختاره الله واصطفاه ، وبين أسرى أمضوا فى السجون زهرة شبابهم وكل حياتهم في سبيل الله ونصرة لقضيتهم وحقوق وكرامة شعبهم .
المفكر والمؤسس والأمين العام الأول لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين من قرية " زرنوقة " بالقرب من يافا في فلسطين المحتلة عام 1948. شردت عائلة الشهيد المعلم من القرية بعد تأسيس الكيان الصهيوني عام 1948 وهاجرت إلى قطاع عزة حيث استقرت في مدينة رفح، وأسرة الشهيد المعلم الشقاقي هي أسرة فقيرة حيث يعمل الأب عاملاً.
ولد الشهيد المعلم فتحي الشقاقي في مخيم رفح للاجئين عام 1951، وفقد أمه وهو في الخامسة عشرة من عمره، وكان أكبر إخوته، درس في جامعة بيرزيت بالضفة الغربية وتخرج من دائرة الرياضيات وعمل لاحقاً في سلك التدريس بالقدس في المدرسة النظامية ثم جامعة الزقازيق، وعاد إلى الأراضي المحتلة ليعمل طبيباً في مشفى المطلع بالقدس وبعد ذلك عمل طبيباً في قطاع غزة.
كان الشهيد المعلم فتحي الشقاقي قبل العام 1967 ذا ميول ناصرية، ولكن هزيمة العام 1967، أثرت تأثيراً بارزاً على توجهات الشهيد المعلم، حيث قام بالانخراط في سنة 1968 بالحركة الإسلامية إلا أنه اختلف مع الإخوان المسلمين، وبرز هذا الخلاف بعد سفر الشهيد لدراسة الطب في مصر عام 1974 م فأسس الشهيد المعلم ومجموعة من أصدقائه حركة الجهاد الإسلامي أواخر السبعينيات. اعتقل الشهيد المعلم في مصر في 1979 بسبب تأليفه لكتابه "الخميني، الحل الإسلامي والبديل"، ثم أعيد اعتقاله في 20/7/1979 بسجن القلعة على خلفية نشاطه السياسي والإسلامي لمدة أربعة أشهر. غادر الشهيد المعلم مصر إلى فلسطين في 1/11/1981 سراً بعد أن كان مطلوباً لقوى الأمن المصرية.
قاد بعدها الشهيد المعلم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وسجن في غزة عام 1983 لمدة 11 شهراً، ثم أعيد اعتقاله مرة أخرى عام 1986 وحكم عليه بالسجن الفعلي لمدة 4 سنوات و5 سنوات مع وقف التنفيذ: لارتباطه بأنشطة عسكرية والتحريض ضد الاحتلال الصهيوني ونقل أسلحة إلى القطاع" وقبل انقضاء فترة سجنه قامت السلطات العسكرية الإسرائيلية بإبعاد الشهيد المعلم من السجن مباشرة إلى خارج فلسطين بتاريخ 1 أغسطس (آب) 1988 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية. تنقل بعدها الشهيد المعلم فتحي الشقاقي بين العواصم العربية والإسلامية لمواصلة جهاده ضد الاحتلال الصهيوني إلى أن اغتالته أجهزة الموساد الصهيوني في مالطا يوم الخميس26/10/1995 وهو في طريق عودته من ليبيا إلى دمشق بعد جهود قام بها لدى العقيد القذافي بخصوص الأوضاع المأساوية للشعب الفلسطيني على الحدود المصرية.
وقد صدرت في القاهرة عن مركز يافا للدراسات موسوعة بأعمال الشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي السياسية والفكرية والثقافية تعكس شخصية الشهيد المعلم فتحي الشقاقي وآرائه ومواقفه.
بداية الحوار :
الأخ الدكتور فتحي الشقاقى { أبو إبراهيم }: المؤسس لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين
س1 / هل لك أن تعطينا لمحة عن نشأة الحركة و أسباب نشوئها ؟
ج1 : الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين و على اّله وصحبه أجمعين , إن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين رؤية العمل الإسلامي رؤية جديدة شاملة في ساعة العمل الإسلامي عامة و الفلسطيني خاصة فكانت الحقيقة على السؤال الفلسطيني سنـ1967ـة فهي قوة تجديد ديني و فكري و سياسي و إطار ثوري و جهادي , فلقد قامت حركة الجهاد في ظروف صعبة ومع ذلك قد تكون هي الحركة الفلسطينية الوحيدة التي نشأت في مثل هذه الظروف وهذا الوقت , ثم استمرت في الحياة بل وأكدت حضورها كقوة هامة وفاعلة في الشارع الفلسطيني ولا يمكن لأحد أن يدلنا على اسم قوة فلسطينية جديدة حقيقية منذ عام 1970 غير الجهاد الإسلامي في فلسطين , وأؤكد بأنها ليست ظاهرة عابرة أو شلة أو مجموعة يمكن شقها أو بيضة يمكن كسرها وليست انشقاقا عن الإخوان المسلمين وان كان البعض عاش تجربة الإخوان , فحركة الجهاد أكثر انسجاما فكريا وسياسيا عن أي حركة وطنية أو إسلامية فلسطينية وغير فلسطينية , والحركة تبلورت منذ عام 1980 إلى 1981 م ولهذا دلالته الهامة والتي تكمن في الرؤية والمنهج الذي حملته الحركة وبشرت به في غياب حركة إسلامية ثورية تحمل الهم باستنارة , ذلك الهم الفلسطيني كهم مركزي في غياب حركة وطنية تعطي الإسلام دوره الأيدلوجي حي الباعث إضافة إلى الرؤية والمنهج كان هناك الرجال من الكوادر المخلصة المتحمسة التي تسلحت بالوعي والطهارة والتي شقت طريقها بثبات وإصرار وسط حرب شرسة في ظروف صعبة , فلم تكن مسألة الإمكان مطروحة كقوة في البداية بل نهضنا تحت شعار الواجب في مواجهة الإمكان فكان علينا أن نقوم بواجبنا مهما ضعفت الإمكانيات المادية كما أؤكد أن مصلحة الإسلام العليا هي هدفنا وغايتنا تكمن في مرضاة الله عز وجل .
س2 : ما هي الأهداف التي تسعى حركة الجهاد الإسلامي لتحقيقها ؟
ج : تسعى حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين إلى تحرير كامل التراب الفلسطيني و تعبئة الجماهير الفلسطينية و إعدادها إعداداً جهادياً شاملاً لتأهيلها للقيام بواجبها الجهادي في فلسطين , كما و تسعى إلى استنهاض و حشد جماهير الأمة العربية و الإسلامية و حثها على القيام بدورها التاريخي في مواجهة العدو الصهيوني و تعمل لأجل توحيد الجهود عربياً و إسلاميا باتجاه فلسطين و في نفس الوقت تدعوا إلى الإسلام بعقيدته و شريعته و آدابه و إحياء رسالته الحضارية للأمة والإنسانية و تعمل لأجل ظهوره و انتصاره و وحدة الأمة و تجاوز واقع التجزئة و التفسخ و قد جاءت هذه الأهداف ضمن إدراكنا للترابط و الجدل المتنامي بين مواجهة الصهيونية و الاستعمار و بين نهضة الأمة , و لا يمكن أن تحقق مشروعاً إسلاميا نهضوياً و إن لم تكن مسألة تحرير فلسطين في نواة هذا المشروع و ساحة معركته الأساسية .
س3 : لكن ما هي قوة الجهاد الرئيسية ؟ و كذلك تركيبتها التنظيمية المحتلة في الأساس أم في سوريا ولبنان ؟
ج: قوة حركة الجهاد الإسلامي الرئيسية في فكرها و إخلاص رجالها و جهدهم المتواصل لتجسيد هذا الفكر , ولي اعتقاد و يقين أن حركة الجهاد من أولى الحركات التي لم تستنفذ أغراضها بل و تمتلك طاقة كامنة هائلة قادرة على إحداث تغييرات مهمة على مستوى فلسطين و المنطقة كلما أتيح لها من الإمكانيات ما يسمح لها بتفجير جزء من هذه الطاقة الكامنة، وبالنسبة للتركيب التنظيمي ورغم مساحة الشتات الواسعة والظروف الاستثنائية التي تعيشها الحركة ، فإن للحركة مؤتمر عام ينتخب مجلس الشورى العام وهذا بدوره يختار الأمين العام ، فإني انتخبت أمينا عاما للحركة منذ البداية ولكن لم يتم الإعلان عن ذلك إلا بعد اجتماع سري لمجلس الشورى عقدناه في طهران شهر 8/1991م ، والمؤتمر العام يقر لوائح وأنظمة وقوانين الحركة وخط التحرك السياسي أوجه النشاطات الأخرى ، ومجلس الشورى يباشر تطبيق وتنفيذ هذه الأنظمة وسياسات و يتعاون معه في ذلك لجان ومجالس شورى محلية في أماكن تواجد الحركة ، ومرتبطة بمجلس الشورى العام والأمين العام وهناك أجهزة تنفيذية في مجالات العمل المختلفة عسكرية وسياسية وعلاقات خارجية وتعبئة وتنظيم ومالية ، أما وجودنا الأساسي فهو داخل فلسطين المحتلة ولم نتواجد في لبنان إلا بعد إبعادي من فلسطين مع بعض الإخوة عام 1988م .
س4 : فلسطين قضية مركزية ، لماذا؟
ج: إن هذا المفهوم يعطي للصراع مع إسرائيل تلك الخصوصية في فكر الحركة الاسلامية المعاصرة ، وهذه الخصوصية أو المركزية ، لن تعني بحال التقليل من أهمية أهداف ومهمات أخرى للحركة الإسلامية وانتصار الثورة الاسلامية العالمية ، على العكس تماما فالتعامل مع القضية بهذا المنظور هو الذي سيدفعنا إلى تحقيق الأهداف
إن علاقة تبادلية جدلية واضحة وأكيدة هي التي تربط بين القضية الفلسطينية وتلك الأهداف والمهمات ، فالحركة الاسلامية مطالبة اليوم أن تعطي لفلسطين خصوصيتها المنسية وأن تؤكد على مركزيتها في النظرية والتطبيق في فكرها وممارستها ، وهي في ذلك لا تنسى لحظة أنها اسلامية ربانية تجعل من مرضاة الله عز وجل غايتها القصوى وتجعل من إحداث البعث الاسلامي في كل الأرض غايتها الدنيا ، كما تجعل هدفها البعيد تجاوز أزمة التحدي الغربي الحديث وحل المشكلات التي يواجهها المسلمون حلا يتفق مع عقيدة الاسلام وشريعته ، أما هدفها القريب فيبقى إعادة النظام السياسي الاسلامي إلى الوجود بإقامة دولة الاسلام ، والحركة الاسلامية في تأكيدها على هذه الخصوصية والمركزية ليست محكومة بمزاج إقليمي أو مجرد مصلحة اجتماعية أو وطنية ، وإنما هي محكومة باسباب قرآنية وتاريخية وواقعية شاملة و أبعد من أي حدود جغرافية - أسباب تفرض على هذه الحركة أن تكون محورا لنشاطها السياسي اليومي باعتبارها ذروة التماس بين منهج الاسلام ومنهج الغرب وباتجاه تحقيق الغايات والأهداف السالفة .
س5 : حركة الجهاد الاسلامي وجدت في طريقها الكثير من العوائق والعقبات فهل لك أن تعطينا لمحة عن ذلك ؟
ج: منذ بداية الانتفاضة ومعركة الشجاعية الباسلة بدأ العدو يزج خيرة أبناء الحركة في السجون والمعتقلات ، فقد كان موقف العدو قمعيا منذ البداية فيما يخص الحركة فهي ليست طرفا يمكن الحوار معه بأي حال من الأحوال وليست طرفا يمكن أن يستغله العدو مباشرة أو غير مباشرة في الصراع الفلسطيني الداخلي ، فلقد شكلت الحركة ومنذ البداية نقيضا كاملا لمشروع العدو وكان اعتقال سنة 1983م في صفوف الحركة أول اعتقال جماعي في الضفة والقطاع من سنة 1967م ، ورغم ان الحركة كانت في طور البناء والتشكيل فلم يكونوا يتحدثون عنها إلا بلغة الاجتثاث ولقد جاءت بعض قرارات الإبعاد في هذا السياق ولقد ضمت السجون ولا زالت منذ مطلع الإنتفاضة طليعة من أبناء الحركة التي أراد العدو عزلها عن الشعب والشارع في هذه السنين التاريخية الحاسمة ، وللأسف فقد نجح العدو فعلا في ذلك إلى حد بعيد ، كما وأن الإمكانيات المادية غير متوفرة قياسيا بالتنظيمات الأخرى ، فاعتمادنا على الدعم الشعبي هو الأساس فلو كنا نملك "عشر" إمكانيات التنظيمات لصنعنا المعجزة في فلسطين ، هذا بالإضافة إلى الحصار الإقليمي والدولي فهو على أشده .
س6 : ماذا يعني لديك مفهوم الحركة أو التنظيم السياسي ؟
ج: إن الحركة القوية تعني : 1. بقاء قوة الأيدلوجيا والفكرة 2. سلامة الخط السياسي 3. قوة البناء التنظيمي والإتصال الفاعل . وإذا خسرت الحركة أيا من هذه الجوانب فقدت معنى الحركة ، فلا بد من أيدلوجيا حية وباعثة ونحن والحمد لله نملك هذه الأيدلوجيا ضمن رؤية ومنهج متجدد ، وبالنسبة للخط السياسي فلا زلت أفتخر أن الحركة حافظت على خط سياسي صحيح وسليم وجعلت من المبادئ والقيم ميزانا لها ، وكذلك من ثوابتنا التاريخية وحقوقنا المقدسة ، إضافة إلى حسن وعينا التاريخي والسياسي فلم يكن هناك تعارض ، بين التكتيك والاستراتيجية ، وأما قوة البناء فالحمد لله جيد ونظرا لانفصال القيادة في الخارج فقد تضطرب أحيانا الأمور في الاتصال وإن شاء الله سيكون أحسن .
س7 : هل أرسيتم قواعد الحركة في مواقع الشتات الفلسطيني ؟
ج: لقد شهدت الأعوام الأخيرة نشاطا مستمرا ويوميا ونحمد الله أننا أرسينا قواعد لحركة الجهاد الإسلامي في الخارج بمؤسسات و أجهزة تنظيم يشمل كافة مواقع الشتات الفلسطيني .
س8 : هناك بعض أسماء للجهاد الاسلامي تابعة لفلسطين فماذا تقول في ذلك ؟
ج: الحقيقة التي أنقلها لكم بدقة هي أنه لايوجد سوى حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين ، وغير ذلك من المحاولات لا ترقى إلى أي مستوى مطلوب ، وهذا أمر ليس بالغريب فلا يوجد إلا حركة جهاد واحدة وهي التي عرفها الناس والتصقوا بها واُبعِد كوادرها وقادتها والتي تتواجد الآن على امتداد العالم الإسلامي إضافة إلى دول غربية بل وموجودة حيثما تواجد الفلسطينيون .
س9 : ماذا حول نشاطكم الإعلامي ؟
ج: حول الإعلام فنحن منذ 9/1989م نصدر نشرة أسبوعية باسم المجاهد (( صوت المجاهدين في فلسطين )) وتصدر شهريا بدلا من (( الإسلام وفلسطين )) التي توقفت ومجلة أخر اسمها الأمة (( صوت الأمة إلى فلسطين وصوت فلسطين إلى الأمة )) دوليا ، ونصدر مجلة هامة جدا واسمها (( قراءات سياسية )) تصدر عن مركز دراسات الإسلام والعالم في أمريكا ، ونصدر مجلة بلغة إنجليزية ، بالإضافة إلى المطبوعات الأخرى داخل الأرض المحتلة ، وهي عديدة وكان آخرها جريدة الإستقلال ويُتاح لنا بث ساعة أو ساعتين في إذاعة صوت المستضعفين في بعض الأحيان .
س10 : هل تولوا للعمل أهمية خارج فلسطين عن فلسطين ؟
ج: إن شعاري الذي أؤمن به وأردده ويعرفه إخواني عن هو (( لو كان العمل داخل فلسطين يأخذ كل وقتي لما أعطيت للعمل خارج فلسطين - على أهميته - دقيقة واحدة ولو كان القتال والعمل المسلح داخل فلسطين يأخذ كل وقتي لما أعطيت للعمل السياسي - على أهميته - دقيقة واحدة وإنه لو لم يبقى في العمر إلا دقيقة واحدة لما فكرت فيها إلا بقتال العدو )) ولكن مشيئة الله أن لكلٍ متسع .
س11 : ماذا حول النشاط النسوي داخل حركة الجهاد ؟
ج : إننا نأمل بتطويره لكي يكون للمرأة في حركة الجهاد الإسلامي دورا بارزا ، فهذا يتفق تماما مع منهجنا الثوري ورؤيتنا الإسلامية التي تحترم المرأة التي تقدم دورا هاما ، وربما حددته النشأة ، ولأن انشغالنا بامور نضالية وهموم عديدة جعلت القيادة تغفل عن هذا الجانب الهام ونحن نأسف لذلك ، ونأمل أن تنهض المرأة وتشق طريقها وستجد كل رعاية وكل دعم ، كما وسوف نستجيب لأي طلب لتطوير هذا الجانب والنهوض به .
س12 : ما هي طبيعة علاقتكم مع إيران ؟
ج : إن حركتنا إسلامية مستقلة مبادئها وقراراتها ، وخطها السياسي وقياداتها وشخصياتها السياسية ، وكل هذا يتحدد ضمن آلية داخلية ليس لها علاقة بأي عامل خارجي مطلقا ، وتعتبر إيران دولة إسلامية صديقة وحليفة ونحدد موقفنا معها بناء على اعتبارين أساسيين هما : 1. الموقف من الإسلام كحكم وشريعة وعن الوحدة الإسلامية بعيدا عن الطرح الإقليمي أو العرقي 2. موقف إيران من القضية الفلسطينية ، وهكذا بقدر إيجابية الموقف الإيراني من هاتين المسألتين بقدر مكانة هذه الصداقة وهذا التحالف ودائما يؤكد السيد خامنئي على استقلال تخطيطنا وقرارنا ، ونقول بأن علاقتنا معهم أخوية وجادة وجيدة جدا .
س13 : هناك من يدعي بأن حركة الجهاد الإسلامي حركة أصولية متطرفة ، فما ردكم على هذا الإدعاء ؟
ج : إن تعبيري الأصولية والتطرف يحملان حكما مسبقا بالإدانة وهما مصطلحان سلبيان في مدلولهما السياسي والإعلامي ، الأصولية هنا لا تعني العودة إلى الأصل لكن الرؤية المنغلقة على ذاتها والمتعالية على الواقع المحكومة بالعداء المطلق تجاه الآخرين والتي تشد المجتمع إلى التخلف والنكوص والظلامية ويتنكر للتسامح وعلاقات التساكن الاجتماعي ويعني اللجوء إلى العنف بسبب الرغبة المجانية في العنف ، وبسبب العجز عن المواجهة والخوف من العلنية ، إن التطرف هنا لا يعني الجذرية وينكر الثورة بل يمجد الإرهاب ويحمل مدلولات مكبوتة وعصابية .
إن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تعبر عن رؤية حضارية ، داخل الحركة الإسلامية ، ترى أن الإسلام كان وما زال مجد الأمة وجوهر هويتها ومحرك تاريخها ، نحن حركة سياسية إسلامية فلسطينية ، نعتقد أن تحرير فلسطين هو السياق العملي في مشروع النهضة الإسلامية ، حيث أن الصهيونية تعبير مركب عن حرب طويلة و مستمرة قرن من الزمان ضد أمتنا ، شنها الغرب وأمريكا لمسخ الأمة ومصادر ثرواتها وأراضيها وتحويلها بشرا وجغرافيا إلى مادة خام لاستخدام آلة الإستكبار العالمي بالإضافة إلى كونها الصهيوينة تعبيرا عن التقاء مصالح الإستكبار العالمي مع مصالح بعض اليهود من المتطرفين ومن أصحاب رؤوس الأموال ومن محترفي السياسة في إنشاء كيان سياسي لهؤلاء اليهود بحيث يؤدي إلى وظيفة متقدمة للمشروع الإستعماري سياسيا وعسكريا ، ويطمع إلى التوسيع على حساب الأمة العربية والإسلامية ، ولكن هذا ليس حلا للمسألة اليهودية ، بل هو حل على حساب اليهود وضد إنسانيتهم ، ونحن لسنا ضد اليهود ولا ضد اليهودية ، ولكن نرفض أن تتمظهر اليهودية وهي الدين السماوي على شكل ممارسة سياسية عنصرية ، وضد البشرية وضد سياق التاريخ ، وواجبنا أن نجاهد هذا لتشويه الذي صنعه الإستعمار حين حول اليهود إلى كتائب غزو لقهر المنطقة ، هل هذه أصولية ؟؟ وهل هذا تطرف ؟؟ إذا كانت الأصولية والتطرف هي الدفاع عن الوطن وعن كرامة الإنسان وعن حقه في الإحتفاظ بعقيدته وعن حقه في الإبداع للإنسانية ويضيف إلى رصيدها وينبثق من عقيدتها وإيمانها فهذا ما لا يمكن أن يرفضه أحد ، ولكن الذين يرفعون تهمة الأصولية والتطرف سلاحا يواجهون به الرافضين للخنوع والعجز والخوف على رأسهم أمريكا وإسرائيل ، يمارسون الأصولية والتطرف في أسوأ أشكالها ضد شعوب العالم المستضعفة عبر القهر السياسي و الإذلال الإقتصادي وأشكال نهب والتدخل السافر والمهين في مقدرات الشعوب ، وعمليا المسخ الثقافي والتشويه الإجتماعي والهيمنة الإعلامية ولا حاجة لإيراد الأمثلة وتفصيل العناوين ، وربما كانت بعض أشكال التطرف لدى المقهورين رد فعل مقبول وفي سياق منطقي وطبيعي ضد ذلك التطرف الأمريكي الصهيوني .
س14- كيف يجب أن يكون التنسيق الفلسطيني مع الدول العربية والإسلامية ودول العالم ؟
ج : باختصار يجب أن يكون هناك جبهة واسعة تضم كل القوى التي تدرك الخطر الصهيوني على الأمة ، فالمعركة معركة الجميع وعلينا أن نسعى إلى توسيع الدائرة التي نتحرك فيها وأن نمد جسورا ونبني علاقات تخدم قضيتنا ومصالحنا المشتركة .
س15- على أي أساس طرحتم مسألة توحيد كل القوى وبشكل خاص قوى الشعب الفلسطيني ؟
ج : إنني أؤكد على هذا الطرح فبات علينا أن نتخلص من أوهام السلام ، فهذا الوطن العزيز والمقدس والصغير " فلسطين " لا يتسع لأكثر من شعب واحد وعلينا أن نختار من سيكون ؟؟.. ومن هان فنحن ننطلق لتوحيد كل قوى الأمة وقوى الشعب الفلسطيني بشكل خاص بمختلف اتجاهاته الفكرية والسياسية على أساس :
1. أنه بدون حسم مسألة الصراع على فلسطين فكل محاولات الأمة للنهوض والإستقلال ستُجهض أو تحاصر أو تدفع الأمة تكاليفها مضاعفة في التضحيات والزمن على سواء .
2. الصراع مع التحالف الغربي الصهيوني صراع يمس كينونة الأمة ووجودها وهويتها وحقها التاريخي في وطنها وبلادها وقرارها المستقل .
3. في حين يمكن أن نختلف حول الطريق " طريق إدارة الصراع على المستوى التكتيكي " فلا بد من إجماع حول أهداف وقضايا الأمة الإستراتيجية الكبرى مثل فلسطين .
4. ونحن ننطلق لإنجاز مثل هذا المشروع هناك مطلب من القوى الوطنية والقومية والإسلامية أن تعلن التزامها بأن الصراع من الخارج له الأولوية المطلقة وإن الإختلافات الداخلية السياسية والأيدلوجية حينها أن تحل بالحوار بعيدا عن العنف .
كما يجب أن ينتهي هذا التناقض الوهم بين العروبة والإسلام - نمضي معا عربيون معادون للإمبريالية والغرب وإسلاميون مجاهدون على طريق الجهاد والنضال والمقاومة .
س16- هل من لمحة حول انخراطكم في صيغة الفصائل العشرة ؟
ج : في البداية إننا نؤكد على ضرورة حشد كافة القوى الفلسطينية كخط وطني طالما أننا لا نستطيع في مثل هذه الظروف استنهاض الأمة ووحدتها على الأساس الإسلامي - هذا هو هدفنا الإستراتيجي الثابت - وإننا لم نعارض فكر التعاون مع أي طرف وطني بهدف ضرب العدو سياسيا وعسكريا ، وصيغة الفصائل العشرة والحمد لله لم تدخل ببرنامج على أساس يخالف أي مبدأ أو ثابت من ثوابت من ثوابتنا ، فالتفاهم في الفصائل العشرة وباختصار شديد تم على أساسين :
1. تصعيد الإنتفاضة المباركة .
2. مواجهة خطة الحكم الذاتي .
س 17- ألا تعتقد بانكم ستسبحون ضد التيار ؟؟ كيف ستعملون على تحقيق هذا الهدف علما بأن العرب أجمعين فشلوا في ظل عالم المعسكرين والظروف الدولية الأفضل في تحقيق الحد الأدنى من أهدافهم ؟
ج : تضطر أحيانا أن تسبح ضد التيار لتنقذ نفسك أو لتنقذ آخرين ، كل الأنبياء سبحوا ضد التيار لو في البداية على الأقل وهكذا فعل كل الثوار العظام والمبدعين ... السباحة ضد التيار أمرٌ لا شك صعب ولكنه ليس عيبا أو خطأ وفي أحيان كثيرة يكون عين الصواب ، نحن ندرك جيدا أن موازين القوى المادية ليست في مصلحتنا وبالتالي لن يكون في مقدورنا تحرير فلسطين لا غدا ولا بعد غد .. فهل هذا سبب للإستسلام وإضاعة الحقوق والقبول بالهزيمة وربما الفناء بحجة الأمر الواقع .. على العكس إن وجود موازين القوى على هذا الحال الظالم سبب جوهري أمام الإنسان للنضال من أجل تغييرها ، وبالنسبة لنا فهذا ليس مستحيلا إن لم يكن حتميا ، فالأمة أملك مفردات القوة من الأيدلوجيا الحية الباعثة إلى الجغرافيا والتاريخ الموحد إلى الإمكانات البشرية والمادية الهائلة إلى دلالات واستحقاقات المصير الواحد والأفق الواحد والمصلحة المشتركة ، صحيح ان هذه المفردات مبعثرة إلا أنها بانتظار منظم ينظمها فتتغير موازين القوى ن في حين يستمد العدو قوته من عناصر خارجية طارئة غير أصلية لا تملك إمكانية الإستمرار وضربها في أي محور أو موقع يمكن أن يشلها في بقية المحاور أو المواقع ، ألا تلاحظ أن أمريكيا والغرب والكيان الصهيوني ودول عربية وإقليمية ينفقون المليارات ويبذلون كل الجهد لخلق سلامهم الهش وتمرير مشاريعهم ، فيأتي مجاهد أو مجاهدان فردان فيركمان ذلك كله بعضه على بعض ويجعلانه هشيما ، إن توازن القوى المادية ليس في مصلحتنا اليوم ولكن هذا لا يمنعنا من تحقيق توازن الرعب مع العدو وهذا مغزى العمليات الإستشهادية التي تبرهن أن موازين القوى الظالمة ليست أبدية وأن شروطهم ليست قدر أمتنا وشعبنا وأننا نملك خيار القتال بديلا عن خيار الإستسلام ، وإن التغيير قادم بلا شك فهو قانون وسنة أبدية والأفضل أن يجدنا صابرين صامدين ثابتين في مواقفنا من أن يجدنا راكعين حاملين لصك الإستسلام أمام الكيان الصهيوني والحلف الأطلسي ، بل إن صمودنا وثباتنا هو الشرط الأول لإحداث و إتمام التغيير ، اليهود منذ ألفي عام يمنون أنفسهم باللقاء في القدس ( أورشليم ) دون أن يملكوا أي أمل أو أي قوة وحتى بعد أن بدأ مشروعهم الصهيوني الحديث مع نهاية القرن الماضي ومطلع القرن العشرين قد بدت نسبة نجاحهم معدومة ، اما نحن الذين نسبح ضد التيار حسب رأي البعض وعدميين لا نعرف طبيعة العصر ولا موازين القوى حسب أوهام الآخرين ، فقد بتنا نشكل تهديدا استراتيجيا للدولة العبرية كما قال رابين بعد عملية بيت ليد ، لقد اضطر العدو الأول منذ بداية الصراع أن يعترف بأن المقاومة الشعبية والعمليات الجهادية تشكل تهديدا استراتيجيا لوجوده ... إن هذا يعني أننا ندرك جيدا ما نفعله وسوف نواصله مع التيار أو ضد التيار ولكن ضمن المصلحة العليا لشعبنا وأمتنا ، أما فشل العرب في عالم القطبين فليس مرتبطا بعدد الأقطار والعلاقة بينهم ولكن بسبب طبيعة القوى الحاكمة المصبوغة لصالح الغرب ولصالح المشروع الصهيوني وعندما ننهي حالة التبعية القائمة ونؤكد على هويتنا الحضارية المستقلة فإن النجاح سيكون مسألة وقت - إن للهزيمة شروطها وللإنتصار شروطه - وعلينا إدراك ذلك موضوعيا وذاتيا في جميع الأحوال .
س 18- إذن فما هو مستقبلكم وسط هذا التحدي ؟
ج : رغم كل التحديات فقد بات واضحا أن الإسلام سينتصر بإذن الله إن آجلا أم عاجلا ... فما حدث هو غزوة برز مثلها في تاريخنا ثم نهضت الأمة حية وقوية وأمتنا فاعلة وشاهدة في التاريخ الإنساني ولا يمكن أن يقهرها الغزاة حتى لو احتلوا أرضها بعض الوقت ، ورغم الحصار الدولي والإقليمي الظالم فإن قدرنا أن نتواصل ، فهذه الروح التي سرت في شوارع الوطن وفي أوساط الشعب و في خلايا الدم وفي مطلع الثمانينات تحت اسم الجهاد الإسلامي ، هذه الروح لا يمكن أن تموت ، إن جبروت هذا العالم مذهل وخطير وأن آليته وتقنيته شيء عظيم ولكننا على يقين أن كل هذا أصغر منا وأصغر من اليد المؤمنة ، فالإرادة الحرة أقوى من هذا الجبروت وهذه الآلية وهذا الرعب وسنبقى كما بدأنا إرادتنا هي إرادة الشعب حرة بلا رعب ولا رهبة ، فعندما تنهزم الإرادة وتسقط الروح في الفخ وأسر الأسر ، فسينتهي كل شيء وسوف نثبت بصمود الإرادة وانتصارها وبتفاؤل الروح وتألقها حتى يمكننا مواجهة الجبروت والطغيان ، وسيبقى مبرر وجودنا الأخلاقي يحظى منا بالأولوية وسيكون مدخلنا إلى العالم وعنوان جهادنا وكافة مستويات علاقتنا ويلي ذلك المبرر وجودنا المنهجي القائم على فهمنا الثوري والموضوعي للإسلام وعلومه وتاريخه ومعركته ، وتبرز فلسطين في قلب هذا الفهم فقد توصلنا إلى مركزيتها عبر رؤية منهجية للإسلام والتاريخ والواقع ، ولذا سيبقى جهادنا في فلسطين هو مبرر وجودنا الأساسي تحت غطاء وعنوان مبرر الوجود الإخلاقي ولن نسمح بأي تناقض في حياتنا ومسيرتنا بين المبررين ، فهما في الحقيقة شيء واحد وإن هذا الإنسجام سيبقى ثوبنا ولن نخلعه مهما كان حجم التحديات والصعوبات ويقيننا أن هذا قدرنا وواجبنا الإلهي و أنه طريق الإنتصار ، فالعالم ينخره السوس وما علينا سوى أن تسلح بالإيمان بالله والغيب والوعي والإرادة الحرة ، وما تستطيع من قوة بالتأكيد أن تحد من طرقنا المليء بالعقبات والأخطار إضافة إلى التحديات و الصعوبات ، وإن شُكلت حركات الإسلام في مشاعل مضيئة فإن استمرار الجهاد تحت راية الإسلام في فلسطين يبقى نقطة الإستقطاب المركزية والأساسية لكل الأمة وسنحافظ إن شاء الله على هذه الجذوة ونصاعتها واستمرارها ، فصمودنا هو الأمل الأكبر اليوم لمنع انهيار المنطقة أما انهيارنا وتراجعنا سيكون إيذانا بتحولات وانهيارات خطيرة لا يحمد عقباها ، وسنعاني منها نحن وشعوب الإسلام ، و أؤكد بأن المعركة لم تنتهي بل تتسع ساحاتها والشعوب هناك على بوابات العواصم تنتظر بالمرصاد وعلى المجاهدين الصادقين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس أن يشحذوا هممهم و أسلحتهم فالمعركة تبدأ الآن وخاب ظن من أفلس .
س 19- وفي الخاتمة هل من كلمة أخيرة ؟
ج : في الخاتمة أقول لأبناء شعبنا ، أن معاناة الإنتفاضة كانت أشرف وأكرم بل أخف من معاناة الإستقلال الموهوم ، ومعاناة الجهاد أكرم وأعظم من معاناة الإستسلام ، وأدعو كل العاملين إسلاميين وعرب وكل الشرفاء أن يشكلوا أوسع تحالف للقضاء على هذه الجرثومة المسماة إسرائيل ، وأقول للصهاينة لا سلاحكم النووي ولا اتفاقيات الاذلال يمكن أن تجلب لكم أمنا وسلاما ، فالقدس عاصمتنا الأبدية ومركز الوطن الإسلامي ومهوى الفؤاد لكل عربي ومسلم ، وأقول للعالم أجمع بأننا لسنا إرهابيين بل نملك للبشرية في قلوبنا حبا يكفي لتحويل الأرض واحة عدل وسلام ، وأقول لأبناء الجهاد الإسلامي أن هذا زمانكم لتبرهنوا على صدق أفكاركم وأطروحاتكم التي فجرت العمل المجاهد في فلسطين وفجرت الانتفاضة المباركة ، فلقد خرجت حركتكم المجاهدة من مؤامرة تلو المؤامرة ومن ضربة تلو الضربة ، لنقف اليوم بقوة وصلابة في مواجهة هذا المسخ وهذا العار التاريخي ، فلقد حاولوا إلغاء دورنا لأنهم لا يدركون أننا من قدر الأمة التي لا تنكسر ، فلقد كبرنا تحت النار وتحت التحديات ولا زلنا ، فلن نتراجع لحظة ورغم قلة الإمكانات ، سيتمر الواجب رائدنا وغدا سوف تشهدون كيف تعلو راياتكم لأنكم ما ساومتم و لا تراجعتم .
انتهى الحوار
نقلاعن/مركز الأسرى للدراسات