لا يقل لي احد أننا نمتلك مقومات التخطيط التكتيكي ... حتى يمكن لنا أن نمتلك مقومات التخطيط الاستيراتيجي ... هذه معضلة وأزمة واشكاليه حقيقية أساسها الفكر السياسي ... وما اعتدنا عليه بتجربتنا السياسية ... كما حالة عدم انتظام اولوياتنا ... في ظل عدم التوافق بيننا ... وقلة وضعف امكانياتنا المادية والانتاجية ... في ظل اقتصاد وطني يزداد ضعفا ... وليس قوة ... في ظل نقص حاد باليات الانتاج وضعف الخدمات وتهالك البنية التحتية ... وضعف قوى السوق ما بين العرض والطلب .
الاقتصاد الفلسطيني لا زال بحالة معاناة شديدة ... وحالة انعاش قليلة بقلة موارده ... وضعف معدل دوران رأس المال الاستثماري ... وتخبط قوى السوق الداخلي ... كما حالة عدم الاستقرار باليات التصدير والاستيراد بفعل عوامل سياسية وانتاجية غير مستقرة .
عوامل عدم الاستقرار السياسي وعدم الالتزام من قبل دولة الكيان بالاتفاقيات الموقعه ... سواء كانت اتفاقية اوسلو ... و اتفاقية باريس الاقتصاديه باعتبارها اتفاقية تم ابرامها ما بعد اسلو وكانت صياغتها ودباجتها الاولى على ارضية الانفتاح الاقتصادي ... واستمرار حركة العمل الفلسطيني داخل دولة الكيان دون عوائق وموانع ... لاعتبارات لها علاقة بعدم الوصول الى الحل السياسي النهائي ... والامر الاخر المسؤولية المباشرة للاحتلال على كافة الشؤون الخاصة بسكان مناطق السلطة الوطنية ... باعتبارها قوة احتلالية عليها المسؤولية المباشرة امام المجتمع الدولي .
الا ان واقع الحال ... وما بعد سنوات من اتفاقية اوسلو بالعام 93 ... وما جاء بعدها من اتفاقيه باريس الاقتصادية .. والتي كان يجب تعديلها بصورة دائمة وعند الحاجة كل 6 شهور ... الا ان الواقع ومجرياته قد اثبت بما لا يدع مجالا للشك ... أن دولة الكيان لم تنفذ اوسلو بشكل كامل وخاصة المرحلة الثالثة منها ... كما لم تنفذ اتفاقيه باريس الاقتصاديه ... على ضعف هذه الاتفاقيات ... وعدم توفر كافة المتطلبات ... الا انها لم تنفذ ... مما زاد من الاعباء ... كما زاد من المناورات والتسويف والتهرب الاسرائيلي من الوفاء بالالتزامات .
حكومة الكيان لم تلتزم باتفاقيه اوسلو بمراحلها الثلاثة والتي بدأت بالعام 93 .. على ان يكون الانتهاء منها بشهر مايو 99 ... ولا حتى باتفاقيه باريس الاقتصاديه التي يجب ان تجدد ويجري عليها التعديل كل 6 شهور بحسب الاحتياجات والمتطلبات الاقتصادية والحياتيه لشعبنا داخل اراضي السلطة الوطنية .
أي ان حكومة الكيان منذ رابين وبيريس وباراك واولمرت وحتى نتنياهو حكومات متعاقبه لم تلتزم بكافة الاتفاقيات الموقعه ... بل تزداد بضغوطها وفرض شروطها ... بل تزداد بعنصريتها وارهابها واستيطانها ومحاولة تهويد مقدساتنا .
مهما كانت الاراء وتباينت حول اتفاقيه اوسلو وباريس الاقتصاديه ... والتي اعطت لدولة الكيان صورة الالتزام امام العالم والمجتمع الدولي انها ابرمت اتفاقيات مع الجانب الفلسطيني ... وانها تقدم ما يلبي امكانية تحقيق متطلبات حياتهم واستقلالية حكمهم ... في اطار منظورهم السياسي والذي لا يتعدى من وجهة نظر الحكومة الاسرائيلية عن سقف الحكم الذاتي الاداري ... وفق مشروع الحل الاقتصادي ... دون التطرق بشكل كامل الى الحقوق الوطنية المشروعه لشعبنا بتحقيق استقلاله الوطني واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس بحدود الرابع من حزيران 67 .
محاولة اختصار ... واختزال ... القضية الوطنية الفلسطينية بمشروع حل اقتصادي ... ومحاولة الانعاش من موت سريري ... كما محاولة اجراء تسهيلات بالدخول والخروج ومنح التصاريح ... تعتبر محاولات تضليليةمخادعه ... لخداع اسرائيلي مكشوف امامنا ... كما انه مكشوف امام العالم الذي ينظر الى هذا الكيان باعتباره يعمل خارج اطار قرارات الشرعيه الدولية وارادة المجتمع الدولي...وما يخرج عن المؤسسات الدولية من قرارات ادانة لسياسة الاستيطان وجرائم المستوطنين ومحاولة تهويد المقدسات الاسلامية .
أي اننا اليوم ... ومنذ سنوات ... وحتى تلك اللحظات ... لا زلنا نعاني سياسيا واقتصاديا من سياسة اسرائيلية مخططة ومبرمجة ... دون ان نمتلك ... وان نعمل نحن كفلسطينيين على مواجهة ما يخطط ضدنا ... وما ينفذ على ارضنا ... وما يفرض علينا ... لنجد انفسنا أمام حالة ... وخيار وحيد لتلبية احتياجاتنا ... من خلال سياسة الاقراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي لتنفيذ مشروعات البنية التحتية المتهالكة ... ولتغطية نفقاتنا التشغيلية والتطويرية ... وفي احسن الاحوال تقدم لنا المساعدات والمنح المالية ... دون فوائد لاعتبارات سياسية وانسانية لا يمكن ان نصنع من خلالها بنية اقتصاديه صناعيه خدماتيه قادرة على الاخذ بنا صوب اقتصاد متكامل وقادر على النهوض بحياتنا وتلبية متطلباتنا .
حتى القروض التي وصلت الى ارقام كبيرة لا يمكن لها ان تغطي احتياجاتنا وتنفيذ مشاريعنا ... وتغطية نفقاتنا التشغيلية والتطويرية ... مع كل ما يقدم لنا من مساعدات ومنح كوسائل دعم مالي وفني للحد من ازماتنا ومعضلاتنا .
نتحدث عن السياسة ... والمواقف السياسية ... والنظام السياسي ... وحقيقة علاقاتنا الوطنية ... فأهل السياسة مستمرون بالحديث والجدل والمناكفة ... ومحاولة الكسب السياسي بحالة الفراغ الاقتصادي ... ودون وجود ارضية صلبه يمكن الوقوف عليها لتوفير متطلبات الحياة الانسانية القادرة على تعزيز مقومات الصمود والتحدي ... واستكمال المشروع الوطني التحرري .
لا حديث حول الاقتصاد ... ولا حديث حول الانتاج ... ولا حديث حول الموارد والبنية الصناعيه ... ولا حديث عن اهمية زيادة الايرادات الناتجة عن العملية الانتاجية وليس عن طريق الضرائب المباشرة وغير المباشرة التي يتم تحصيلها للخزانة العامة .
نحن بحاجة الى حالة انتاج كلي وجزئي يشكل قاعدة صلبة لمقومات اقتصاد وطني قادر على تلبية احتياجاتنا ... وتطوير احوالنا ... والدفع بمواردنا واليات انتاجنا الى وضع افضل ... واكثر قوة وقدرة لتلبية احتياجات المواطن ... من حيث العمل وتلبية احتياجاته واستهلاكه اليومي .
اقتصادنا ضعيف ... ومواردنا قليلة ... ومتطلباتنا تزداد بفعل مجتمع يزداد بعدد سكانه ... وزيادة متطلباته الانسانية والخدماتية لنجد انفسنا في ظل حالة ضعف بالبنية الصناعيه والخدماتية والتجارية .
امام هذه الازمة ... يجري البحث عن الوظيفة الحكومية ... وكأنها المخرج الوحيد ... وكأن الحكومة تمتلك من الايرادات والميزانيات ما يمكن ان يغطي هذا الكم الكبير من طالبي الوظيفه الحكومية ... وهذا ليس مسؤولية من يطالب بالوظيفة لتلبية احتياجاته الانسانية والمعيشية واثبات ذاته الشخصية والعلمية ... لكنها مسؤولية الحكومة التي لا تخطط ... ولا توفر ... ولا تعمل على ايجاد المخارج العمليه والعلمية لازمة قائمة ... وازمات قادمه ... تزداد بحدتها وتأثيراتها على مجمل اوضاعنا .
أي اننا امام ازمة سياسية اقتصادية مركبة ومتراكمة ... ينتج عنها ازمات اجتماعيه انسانيه ... بفعل واقع طال انتظاره ... وبفعل الزمن المفتوح بكل عواصفه ورياحه ... والغياب الواضح للخطط الحقيقيه ... وترتيب وتنظيم الاولويات ... وزيادة الموارد القادرة على الحد من مخاطر الواقع الاقتصادي ... كما مخاطر القادم السياسي والاقتصادي في ظل عدم اليقين ... والامساك بطبيعة ما هو قادم سياسيا ... والذي يمكن ان نحقق من خلاله مشروعنا الوطني ودولتنا ذات السياده .
أي اننا امام ازمة سياسية اقتصادية قادمه ... اساسها احتلال عنصري واستيطان وحصار واتفاقيات لا تلبي طموحاتنا ومتطلباتنا ... وحتى لا يلتزم المحتل بها ... في ظل ارادة دولية لا زالت تتأرجح دون المقدرة على حسم موقفها وقرارها ... لاجل تحقيق حريتنا وسيادتنا ودولتنا .
فما هو المخرج الفلسطيني ... لاخراجنا من المأزق السياسي والاقتصادي الذي نعيش فيه ؟؟!
أولا :- السرعة بترتيب اوضاعنا السياسية وعلاقاتنا الوطنية في ظل نظام سياسي قادر على مخاطبة المجتمع الدولي والعربي ... والمطالبة بمشروع اقتصادي كبير يلبي كافة احتياجاتنا وخططنا التي يجب ان توضع بصورة استيراتيجية .
ثانيا :- تنظيم الخطط والاولويات وفق دراسات علمية وبحثية وليست وليدة الخيال والتنظير ... وان تكون الخطط ملبية لاحتياجاتنا وقادرة على استيعاب اجيالنا الشابة وكفاءاتنا وخبراتنا وبكافة المناحي والمستويات .
ثالثا :- اعادة دراسة سوق العمل ومدي ارتباطه بالسياسة التعليمية وضرورة التناغم والانسجام وان لا نبقي على حالة التعليم الجامعي خارج اطار متطلبات السوق والتخصصات المطلوبة .
رابعا :- التقليل من النفقات التشغيلية والادارية في ظل نفقات لا داعي لها .
خامسا :- ان نعزز ثقافة الانتاج والعمل في ظل الابداع والابتكار وان نخفف من ثقافة الاستهلاك واهمية ترشيد النفقات ومحاصرة ظاهرة الاتكالية على الوظيفة الحكومية التي لا يمكنها ان تستوعب هذا الكم الكبير من اعداد الخريجين .
سادسا :- الانتاج الاجمالي وزيادة حالة الضعف ... وبالتالي معدل الدخل الفردي بصورة مستمرة يشكل ازمة اقتصادية مضاعفة في ظل الفرق الشاسع ما بين الدخل والمتطلبات المعيشية وهذا يسبب ازمات فردية ومجتمعيه لها مخاطرها واخطارها .
لذا يجب ان نقلل من حالة الانتظار الطويل ... والجدل المستمر ... حول السياسة والعلاقات التنظيمية ... وكأن انهاء الانقسام يحتاج الى سنوات في ظل حالة اقتصادية واجتماعيه هي الاسوأ ... وفي ظل انهيارات اقتصادية ... وافلاس مالي للعديد من رجال الاعمال ... وواقع اغلاق العديد من المصانع والمحال التجارية ... كما حالة الضعف العام لاعمال البنوك التجارية والازمات المترتبة على ازمات عملاءهم وضيق احوالهم ... كما مخاطر اخراج رأس المال الوطني ... وحتى الكفاءات والخبرات العلمية الى الخارج ... باعتبارها مكتسبات وطنية لا يجب التخلي عنها والاستغناء عن خدماتها ... خاصة ونحن بحاجة ماسة للجميع منا .
نحن بحاجة الى اعادة صياغة وترتيب اوضاعنا الاقتصادية والاجتماعيه في ظل رؤية سياسية كاملة ... اساسها الواقعية... والحسابات الدقيقه ... بعيدا عن التنظير والمزايدات ومحاولة التصيد ... والبناء على الازمات ... وكأنها مواقف سياسية صحيحة وصائبة .
كم نحن بحاجة الى تجمع فكرنا ... كما تجمع ارادتنا ... كما تجميع امكانياتنا ... كما تجميع نوايانا ... وتعزيز الثقة بيننا ... حتى يمكن لنا ان نخرج من ازماتنا ... وان نحل جزءا يسيرا من معضلاتنا ... التي تزداد علينا ... في ظل هذا الزمن وهذا الواقع ... وما هو قادم سياسيا واقتصاديا ... وضرورة التخطيط الاستراتيجي له .
بقلم/ وفيق زنداح