غزو بريطانيا

بقلم: هاني العقاد

تعتزم الحكومة البريطانية هذه الايام الاحتفال بالذكري المئوية لوعد بلفور المشؤوم الجريمة البريطانية الكبيرة بحق شعبنا وارضنا وتاريخنا الفلسطيني والتي منحت اليهود وطن قومي في فلسطين وانكرت في نفس الوقت وحتى الان الحقوق الفلسطينية لهذا الشعب في ارضة وترابه وحقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني, اليوم تعتزم بريطانيا تكرار هذه الجريمة النكراء بالاحتفال بمرور مائة عام على هذا الوعد اللا اخلاقي والا انساني وغير القانوني , هذا الوعد الذي كان سببا في ابادة شعب وسرقة ارضة واستحلال ترابه الوطني بالاستيطان وكان سببا في سرقة حضارته وانكار وجودة الانساني والسياسي وطمس كل عناوين هويته الوطنية , هذا الوعد الذي كان سببا في عدم استقرار المنطقة العربية لمائة عام حتى الان ليس بسبب الانحياز الواضح والجلي لهذه القوة التي اعطت نفسها الحق في الاتجار بالأرض واوطان الامة العربية واولها الوطن الفلسطيني بل وتقديم كل اشكال الدعم المادي والعسكري لدولة الاحتلال منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا .

تمادت بريطانيا في غيها وسطوتها على حقوق الغير والغريب انها تتمادي اليوم وعلى امتداد المائة عام دون ان تجري اي مراجعة لجريمتها او دون ان يكون للشعب البريطاني حتى راي فيما تصر حكومتهم على فعله بإعلانها الاحتفال بأحياء ذكري بلفور اللعين ,ولم تكن تلك الاحداث والجرائم الكبيرة والمذابح الدامية التي ترتكب على مدار الساعة بحق الانسانية من قبل الاحتلال الاسرائيلي قادرة على احياء ضمير بريطانيا لتصحح جريمتها وتعود عن ما فعلته على الاقل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني بحدود الرابع من يونيو حزيران 1967 , ولعل هذا التمادي يعني أن بريطانيا بلا ضمير ويعني ان شعبها لم يتم العمل عليه والتأثير عليه من قبل دعاة الحق الفلسطيني والجهات الفلسطينية المختصة سواء من الجاليات المقيمة هناك او من قبل الهيئات السياسية المختلفة .

اليوم مع حملة النضال الدبلوماسي والسياسي الواسعة للقيادة الفلسطينية والتي تسعي الى الانضمام لعشرات من الهيئات والمنظمات الدولية والنجاح الذي حققته والاعترافات التي جاءت على اثر ذلك لم تكن كافية لان تحقق اختراق في موقف بريطانيا الازلي من نصرة الحق الفلسطيني وتبني على الاقل سياسة معتدلة نوعا ما اتجاه الصراع والوقوف انسانيا في وجه الاحتلال الاسرائيلي باعتباره احتلال جاء بفعل وعد بلفور الذي مكن اليهود من فلسطين وابقي احتلالهم حتى هذا التاريخ , لذا بات علينا كفلسطينيين ان نغزو بريطانيا ونحارب اعلاميا وثقافيا على كافة المستويات والاصعدة وهذا الغزو يحتاج الى جيش كبير ومتخصص من النشطاء و الاعلامين والمثقفين والسياسيين الذين لديهم القدرة على ادارة وتنفيذ برامج مواجهة وبرامج نوعية مبنية على الحقائق التي غيبت عن المواطن البريطاني ولم يستطيع الحصول عليها او ما اكترث بالحصول عليها لأسباب مختلفة , و لعل هذه البرامج تستهدف كل فئات المجتمع البريطاني ومؤسساته المدنية والسياسية على السواء , ويستطيع هذا الجيش العمل مع كافة الاحزاب السياسية التي مازالت تناصر الحق الفلسطيني كحزب العمل البريطاني والذي رفض رئيسه مؤخرا السيد جرمي كورين ما ستقوم به حكومة بريطانيا من اعادة التأكيد على جريمتها بالاحتفال بذكري وعد بلفور المشئوم و بالتالي رفض حضور هذا الاحتفال الذي سيؤثر على علاقة بريطاني بكل الشعوب المتحررة.

لذا فان غزو بريطانيا اصبح من الاهمية الكبرى والضرورية قبل محاكمتها وقبل ان نستخدم مزيدا من العبارات التي تدين قيام حكومتها الحالية بفتح الجراح و وضع مزيدا من الملح فيها ليتألم اصحاب الجرح النازف منذ اكثر من مائة عام حتى الان وهم الفلسطينيين اصحاب الارض التي سرقتها بريطانيا واهدتها لقوي الشر والاحتلال , ولعل غزو بريطانيا لا يحتاج الى جيش يمتلك كل القدرات والادوات والوسائل الاعلامية فقط بقدر ما يحتاج الى خطة للغز ولغة جيدة يفهمها المقابل المستهدف , ولتنجح الحملة في اقصر وقت ممكن وتستطيع احداث اختراق فكري وثقافي يعمل على معالجة الثقافة السياسية للمواطن البريطاني لابد من دعم كل عمل او نشاط بالحقائق والمستندات والوثائق التاريخية الرسمية , واذا حققت الخطة نجاحا باتجاه تغير الثقافة السياسية للمواطن البريطاني فان هذا التغير سيتجه بالتأكيد باتجاه مناصرة الحقوق الفلسطينية التاريخية وغير قابلة للتصرف .

في الجانب الاخر لابد من الاستمرار في محاسبة بريطانيا وحكومتها قانونيا وامام المحاكم الدولية ذات العلاقة وامام المجتمع الدولي لكي تجبر بريطانيا على الاعتراف بان جريمتها كانت ومازالت جريمة بحق الانسانية تتطلب التكفير عنها بدفع التعويضات المطلوبة ماديا ومعنويا وسياسيا لصالح الفلسطينيين , هذه الجريمة التي ستبقي تتسبب في مزيد من العذابات و الالم وترسم اثار تلك الالام على الجسد الفلسطيني في المنافي والمخيمات والمدن والقري الفلسطينية المحتلة بالضفة الغربية والقدس والقطاع الى ان يحقق ابناء الشعب الفلسطيني استقلالهم ويعلنوا قيام دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس العربية .

بقلم/ د. هاني العقاد