ما زالت بريطانيا تصر على اظهار وجهها الاستعماري القبيح جراء مواصلة ارهابها الذي ابتدأته بانعقاد مؤتمر كامبل الاستعماري لعرض خطة على الدول الأعضاء في هذا المؤتمر وضرورة تنفيذها من اجل اسقاط الدولة العثمانية لتقسيم ممتلكاتها ما بين الدول الاعضاء وإقامة دولة يهودية, حيث ان إصرار الاحتفال بمئوية وعد بلفور هو استمرار لهذا النهج الارهابي والامعان في ممارسته لما يحمل هذا الاحتفال من دعوات ضمنية لدولة الاحتلال الاسرائيلي بمواصلة اعمال القتل والتهويد ,حيث كانت بريطانيا قد اعلنت ومن خلال رئيسة وزراء حكومتها تيريزا ماي الاصرار على الاستمرار في ارهاب مارسته الحكومات البريطانية السابقة فترة احتلالها لفلسطين وخاصة بعد انتزاع قرار الانتداب لتنفيذ وعد بلفور لما جاء في تصريحاتها منذ ايام بان بلادها ستحتفل بكل فخر بالذكرى المئوية لصدور هذا الوعد والذي قالت فيها "اننا نشعر بالفخر لدورنا بإقامة دولة اسرائيل ولذلك سنحتفل بالذكرى المئوية لهذا الوعد ",فماذا نحن فاعلون امام هذا الاصرار البريطاني ؟,وأين هو دور الاعلام الفلسطيني الرسمي لفضح ممارسات الحكومات البريطانية المتعاقبة وبما تحتويه من سلوكيات إرهابية وخاصة في ظل مطالبات الرئيس الفلسطيني لبريطانيا بضرورة الاعتذار عما اقترفته من جرائم بحق الشعب الفلسطيني جراء وعد بلفور وبناء دولة يهودية؟.
صحيح بان الرئيس الفلسطيني كان قد طالب بريطانيا بضرورة الاعتذار عن اصدار هذا الوعد وتحمل مسئولياتها الأخلاقية والقانونية ,ولكن السؤال الملح والمطروح هو اذا ما كانت تلك المطالبة لوحدها قادرة على ان تشكل عامل ضغط على بريطانيا ودافعا لها لتقديم هذا الاعتذار ؟,حيث انه لا يمكننا احداث اختراق داخل المجتمع البريطاني والاتجاه بهذا المجتمع نحو ممارسة الضغط على حكومته لتقديم الاعتذار لمجرد المطالبة الرسمية بذلك ودون اقترانها بفعل ضاغط ومؤثر وان كانت تلك المطالبة قد تمت امام جميع رؤساء دول العالم وفي مقر الأمم المتحدة ,ولذلك كان لا بد من احداث هذا الاختراق من خلال الاعلام الفلسطيني الرسمي وذلك بتجاوز دوره التقليدي من حيث نقل الخبر الى صناعته وقيام هذا الاعلام بكافة وسائله ليس بتحفيز الشعب الفلسطيني لمضاعفة حملاته الرافضة لوعد بلفور وتوجيهها وبما يتوافق مع خطاب السيد الرئيس في الامم المتحدة فقط ,وانما بوضع استراتيجية إعلامية وبرامج عمل تسهم في اختراق المجتمع البريطاني لإسناد حملات المطالبة بالاعتذار وذلك من خلال تشكيل لجنة تخطيط اعلامي لوضع الاستراتيجية الاعلامية على قاعدة ما جاء في خطاب السيد الرئيس من مطالبات الاعتذار والتعويض والذي كان من المفترض ان يبدا فيه هذا الاعلام لحظة مطالبة السيد الرئيس بهذا الاعتذار من داخل مقر الأمم المتحدة وقبل نزوله عن المنصة الدولية .
ان تشكيل لجنة للتخطيط الإعلامي من نخبة المفكرين والكتاب والاعلاميين وكذلك من فقهاء القانون الدولي تحت اشراف وبتوجيه من الاعلام الرسمي ومن خلال السيد احمد عساف باعتباره رئيس هيئة الاذاعة والتلفزيون ووكالة وفا الرسمية لهو امر في غاية الأهمية والضرورة وذلك من اجل خلق جبهة عريضة من كل المعارضين لهذا الوعد ليس على المستوى الفلسطيني فقط ,وانما على المستوى العربي والدولي أيضا وكذلك من كافة فئات واحزاب الشعب البريطاني وخاصة من الاعضاء الحاليين في مجلس العموم البريطاني على ان تقوم تلك اللجنة بتكليف لجان متابعة واشراف للتنسيق والتشاور ما بين الجاليات العربية والاسلامية وما بين الاحزاب والفئات البريطانية المعارضة لوعد بلفور من اجل توحيد المواقف والبرامج للمطالبة بزوال ما احدثه وعد بلفور من انعكاسات وذلك لمحاولة ايجاد فصل كخطوة أولى ما بين حكومة بريطانيا وشعبها وقواه المعارضة حول وعد بلفور ومن ثم العمل على تركيز لجنة التخطيط الإعلامية على مخاطبة أعضاء مجلس العموم البريطاني لتسجيل موقفهم المعارض لوعد بلفور مع محاولة انتزاع اعتذار منهم جراء ما لحق بالشعب الفلسطيني نتيجة هذا الوعد وذلك بعد اظهار هذه اللجنة ما يتم الاتفاق عليه من اليات وبرامج عمل تؤكد بان ما يعانيه العالم العربي من مشكلات هو نتيجة صدور هذا الوعد .
ان الاتفاق على إيجاد لجنة عمل للتخطيط الإعلامي ووضع اليات عمل وتصورات وبرامج لهذه اللجنة من اجل تحقيق أهدافها في كشف الوجه الاستعماري الحقيقي لبريطانيا يتطلب أيضا تركيز الجهد الإعلامي من اجل فضح ما كان يمارسه الجيش البريطاني من ممارسات ارهابية ابان انتدابه على فلسطين دون تغطية او مواربة ولا حتى مغازلة وذلك ببث الافلام الوثائقية عما ارتكبه هذا الجيش من أفعال وسلوك ترقى الى مستوى المجازر بحق الشعب الفلسطيني ومقارنة تلك الافعال ليس بما يقوم به تنظيم داعش من أفعال فقط , وانما بمقارنة أفعال انعكاسات هذا الوعد أيضا بما قامت به المانيا ابان فترة الحكم النازي ,حيث ان اعمال الحكومة الاسرائيلية في تهويد القدس مع مواصلة البناء الاستيطاني وما يتبع ذلك من مصادرة للأراضي وكذلك الاستمرار بالحروب وارتكاب المجازر مع الانتهاكات المتواصلة يوميا بحق الشعب بفعل جدار الفصل العنصري ما كان لها ان تستمر دون صدور وعد بلفور ومتابعة تنفيذه والاحتفال بما حققه من إنجازات استعمارية ,ولا يمكن لتلك الاعمال ان تتوقف دون اعتذار حكومة بريطانيا وممارسة ضغوطها لتصويب ما اقترفته من جرائم.
اما على المستوى الفلسطيني فلماذا لا يقوم الاعلام بما هو مطلوب منه أيضا في ظل ما يمتلكه من خبرات وكوادر مؤهلة ؟,ولماذا يصر هذا الاعلام على التخبط والاستهبال فيما يبثه من برامج لا تتوافق مع اهداف وتطلعات شعبنا بالتحرر والاستقلال ,وانما كل ما نشهده هي الفوضوية المتصاعدة في البرامج والاهداف الانية مع انتفاء وجود الأهداف المستقبلية وذلك وفقا لما يبثه الاعلام الرسمي من برامج حوارية وما يقوم به أيضا من تغطية للمؤتمرات والندوات التي لا منفعة منها على المستويين الرسمي والجماهيري ,فلماذا لا يقوم الاعلام الرسمي مثلا بوضع الية وبرامج موجهة لتفعيل الشعب الفلسطيني وتحفيزه على مواصلة نشاطاته وفعالياته المعارضة لوعد بلفور من خلال توجيه نشطاء التواصل الاجتماعي على سبيل المثال من اجل القيام بسلسلة من النشاطات بكافة اللغات على ان تكون تلك النشاطات موجهة وموحدة في زمن واحد ومن بين تلك النشاطات الموجهة التي يجب ان يقوم بها الاعلام الرسمي على سبيل المثال لا الحصر هو ضرورة اطلاق هاشتاق يندد بوعد بلفور ومساواته بالنازية مع اشراف هذا الاعلام على حملات المطالبات بحق التعويض والاعتذار .
اما على المستوى العربي فلماذا لا يقوم الاعلام الرسمي أيضا بجهد اعلامي مركز ومتواصل مع كافة فئات وشرائح المجتمعات العربية وقواها السياسية من خلال القيام ببرامج حوارية وندوات تحمل في طياتها دعوات ومطالبات موجهة بضرورة ان تطالب تلك الفئات والشرائح حكوماتها ومجالسها التشريعية القيام بمؤتمرات صحفية في ذكرى وعد بلفور لإدانة هذا الوعد مع مطالبة تلك الحكومات في مؤتمراتهم بضرورة ان تعتذر بريطانيا لصدور هذا الوعد مع مطالبة حكومتها الحالية بتصويب ما ارتكبته الحكومات السابقة من افعال لا تختلف عما ارتكبته النازية من مذابح فحينها يمكن لنا ان نقول بان الاعلام الرسمي بدأ بتحديد أهدافه وأولوياته كما بدا مشواره الإعلامي وفقا لما هو مفترض منه وذلك بعد سنوات من التخبط الإعلامي والاستهبال فهل وصلت الرسالة؟.
بقلم: ماجد هديب
كاتب وصحفي فلسطيني