من حق مدينة الأسوار عكا أن تفخر ببحرها الخالد وشطها الجميل وتاريخها العريق المحاصر المهدد بالدمار ، كما أن من حقها بالمقدار نفسه أن تفخر بأنها أنجبت لشعبنا الفلسطيني كاتب الثورة غسان كنفاني ، وعلينا أن نفكر ملياً كيف نعمق الاحترام والتخليد لهذا الانسان الفذ والكاتب المميز في مسقط رأسه ومدينته الصامدة التي لا تخاف هدير البحر .
كان غسان كنفاني قاصاً وروائياً وصحفياً ورساماً ومناضلاً سياسياً واعلامياً وداعية ومحرضاً ثورياً .
كان يحارب وينافح ويقاتل بقلمه وفكره في كل الاتجاهات ، كأنما هو في سباق مع الزمن ، وكأنما كان يشعر ويحس بحدسه أن حياته ستكون قصيرة ، ولذلك ارادها غنية طافحة وعامرة بالابداع والعطاء .
وكان قد كتب مرة لابنة أخته " لميس " التي لقيت مصرعها معه : " الناس صنفان ، متفرج ومعترك مكافح ، وأنا افضل أن أعيش حياة الاعتراك والكفاح حتى لو كانت قصيرة على أن أعيش مئات السنين متفرجاً ".
غسان كنفاني في أعماله القصصية والروائية لم يصور الواقع والترحال الفلسطيني فحسب ، وانما صور الواقع من خلال الاصرار على تغييره ثورياً .
وقد ساهم بصورة فاعلة في انبعاث الأدب الفلسطيني أدباً مقاتلاً ، يعبر عن الثورة الفلسطينية ، يلهمها ويستلهم بطولاتها . وهو يمثل نموذجاً للأديب الثوري الملتزم مع شعبه بالقلم وبكل أشكال القتال الوطني .
مر أدب غسان كنفاني بمراحل من التطور ، حيث انتقل وتحول من أدب يصور عذاب المخيمات الى أدب يصور ثورة المخيمات ، ثورة الشعب الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية .
وتعد أبحاثه ذات قيمة وأهمية كبيرة وعظيمة ، فكتابه عن ثورة ١٩٣٦ لا يزال حتى الآن من أفضل النصوص التاريخية - الفكرية لتحليل تلك الصفحات الماجدة من تاريخ شعبنا ، وكذلك دراسته عن الأدب الفلسطيني داخل الخط الأخضر ، التي صدرت العام ١٩٦٤ ، ودراسته عن " الأدب الصهيوني " ، وثيقتان تكشفان شجاعة غسان وعمق ثقافته وشمول اهتماماته .
مات غسان كنفاني شهيداً وهو في شبابه متوهج العطاء ، متوهج الروح الثورية المقاتلة ، ولسوف يبقى الى الأبد في ضمير شعبنا رمزاً رائعاً للمثقف والمبدع الثوري الذي يدمج حياته بحياة شعبه وقضاياه وهمومه ومستقبله .
ان شعباً منه غسان كنفاني وكمال ناصر وكمال عدوان وماجد أبو شرار وراشد حسين ومحمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم وأحمد حسين واميل توما واميل حبيبي وسالم جبران والقائمة طويلة ، هو شعب ثقافته لن تموت ، وقضيته الوطنية العادلة المقدسة لن تموت ، بل ستنتصر في نهاية المطاف.
بقلم/ شاكر فريد حسن