لا زال الجدل قائماً بعد مرور مائة عام على وعــد بلفور الذي جاء نتيجة الرسالة التي بعثها وزير الخارجية البريطاني الأسبق آرثر جيمس بلفور، في 2 نوفمبر 1917، إلى اللورد (اليهودي) ليونيل وولتر دي روتشيلد، واشار فيها إلى أن حكومته ستبذل غاية جهدها لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
فمنذ أن أعلن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أمام القمة العربية الأخيرة في نواكشوط من خلال قرءاته لخطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، بأن الأخير كرئيس للشعب الفلسطيني سيلجأ لمحاكمة بريطانيا إن لم تعتذر عن وعــد بلفور هذا وتعترف بالدولة الفلسطينية .
هذا وكان قد كرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس ذلك في المنامة أمام مؤتمر السفراء الفلسطينيين، كما أوضح في مقال له نشر اليوم على وسائل الإعلام ، قال فيه "لا يعرف الكثير من البريطانيين آرثر جيمس بلفور الذي شغل منصب رئيس الوزراء في أوائل القرن العشرين، ولكن اسمه مألوف جداً لـ 12 مليون فلسطيني. وفي الذكرى المئوية لوعد بلفور، يتوجب على الحكومة البريطانية أن تغتنم الفرصة وتقوم بتصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبته بحق شعبنا الفلسطيني".
وكان قد أكد على هذا الموقف مراراً ايضاً وزير الخارجية الفلسطيني د. رياض المالكي ، وكان أخرها اليوم عندما اشار في بيان لوزارة الخارجية ، بأن الحكومة الفلسطينية ستلجأ إلى التعاقد مع مكتب محاماة في بريطانيا لرفع قضية ضدها، حيث أشار إلى أن الفلسطينيين سيوقعون إتفاقاً مع مكتب محاماة لرفع قضية ضد حكومة بريطانيا بشأن وعــد بلفور،
الجدير ذكره وحسب المعلومات المتوفرة من المصادر الخاصة ، فإن السلطة الفلسطينية كانت متفقة بالفعل منذ ما يزيد عن العام مع مكتبين محاماة مختلفين في لندن وذلك لدراسة إمكانية رفع قضية بهذا الشأن ، كما أن المالكي لم يوضح ما هي إمكانية رفع مثل هذه القضية في ظل عدم توافر التوازن القائم في العلاقة بين الطرفين ، حيث أن بريطانيا هي دولة عظمى من جهة ومن جهة أخرى هي من أهم الدول المانحة للسلطة الفلسطينية.
وقبل ايام جدد رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله، الدعوة للحكومة البريطانية لكي تعتذر للشعب الفلسطيني بدلًا من الاحتفال بمئوية وعد "بلفور".
وقال الحمد الله، يوم (29 أكتوبر 2017) "لقد أصبح لزامًا على المجتمع الدولي، ونحن نقترب من المئوية الأولى لوعد بلفور المشؤوم، إنهاء الظلم التاريخي الذي لحق بشعبنا".
وأضاف "نطالب المملكة المتحدة، بتحمل المسؤولية والاعتذار عن هذا الظلم التاريخي الذي ارتكبته بحق شعبنا وتصويبه بدل الاحتفال به".
ووصف الحمدالله اعتزام بريطانيا الاحتفال بمئوية "الوعد" تحديًا للرأي العام العالمي المناصر للقضية الفلسطينية، وكل أنصار العدالة والحرية وحقوق الإنسان.
وفي خطوة إرتجالية وغير منطقية أو حتى قابلة للتحقيق ، طالب أعضاء التشريعي في قطاع غزة خلال عقد جلسة خاصة، بسحب السفراء العرب من بريطانيا.
بالمقابل أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، الأربعاء الماضي (22 أكتوبر 2017) ، أنّ بريطانيا ستحتفل "بفخر"، بالذكرى المئوية لصدور "وعد بلفور" ، حيث قالت أثناء الرد على الأسئلة خلال جلسة لمجلس العموم البريطاني، (الغرفة السفلى للبرلمان)، "إننا نشعر بالفخر من الدور الذي لعبناه في إقامة دولة إسرائيل، ونحن بالتأكيد سنحتفل بهذه الذكرى المئوية بفخر".
إلا أنها أضافت مع ذلك، في إشارة إلى مواقف الفلسطينيين من هذه الوثيقة: "علينا أيضا فهم الشعور الموجود لدى بعض الناس بسبب وعد بلفور، ونعترف أن هناك مزيدا من العمل يجب القيام به ، مؤكدة على دعم حكومتها لحل الدولتين كوسيلة لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وموضحةً في هذا السياق: "إن ذلك يمثل هدفا مهما".
في نفس الوقت وحسب مصادر خاصة ، كان قد أكــد وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا الستر بيرت عن ان الحكومة البريطانية تتعامل مع هذا الموضوع بحساسية استثنائية، مؤكدا ان الحكومة لن تقوم بالاحتفال بهذه المناسبة بل بإحياء للذكرى المئوية.
كما أكد على التزام الحكومة البريطانية بتحقيق حل الدولتين من خلال المفاوضات، وعلى تثمين الشراكة الفلسطينية- البريطانية، مؤكدا بذلك على استمرار تأييد بريطانيا لإقامة دولة فلسطينية عن طريق دعم الحكومة الفلسطينية بتوفير الخدمات الصحية والهياكل التنظيمية والتعليمية والتنموية.
وشدد على موقف الحكومة البريطانية من الاستيطان الاسرائيلي ورفضه جملة وتفصيلاً.
كما أن القنصل العام البريطاني فيليب هول، أكد أيضاً على أنه لن يكون هناك اعتذار من بريطانيا عن وعد بلفور او اعتراف بريطاني بالدولة الفلسطينية في الوقت الحالي، وبالنسبة للاحتفالات التي ستقيمها بريطانيا بمناسبة مئوية وعد بلفور ، فانه سيتم مراعاة متطلبات الطرف الفلسطيني في ذلك.
في النهاية بريطانيا ستحتفل بكل فخر في سياق ما تراه يتلائم ويتناسب مع مصالحها، ولربما ياتي ذلك من خلال المجاملات التي ستحتوي عليها الكلمات الرسمية في هذه المناسبة، والفلسطينيون سيحتجون ايضاً بطريقتهم الخاصة، حيث أن الفلسطييين في لندن سيحركون ما يقارب 52 سيارة أجرة مرسوم عليها قصة وعد بلفور وما تسبب به من مآسي للشعب الفلسطيني لتجوب شوارع العاصمة لندن على مدى شهر كامل ، كما ستقوم جامعة الدول العربية بتغطية صفحتين مدفوعة الأجر في صحيفة تليغراف للتوضيح للرأي العام البريطاني ما تسبب به وعد بلفور للفلسطينيين .
بالمقابل ، من الواضح أن بريطانيا ستمضي في طريقها وستحتفل بالمئوية لوعد بلفور في وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والوفد المرافق له ولن تعتذر للفلسطينيين ولن تعترف بدولتهم، وذلك حفاظاً على مصالحها مع إسرائيل في المجالات الأمنية والتجارية والإقتصادية والسياسية.
أما الفلسطينيون، ستبقى آلية ما يمكن عمله من طرفهم لا يتجاوز التعبير عن مواقف إنفعالية وفردية وذلك من خلال الإعلام ، وهذا ما يوقومون به بالفعل خاصة بعد الحالة الضعيفة التي أوصلهم إليها الإنقسام وما ترتب عليه.
هذا لا ينفي أن هناك نشاطاً إعلامياً ملحوظاً يقوم به السفير الفلسطيني في لندن مانويل حساسيان وهذا ما رصدته العاشرة من خلال لقاءاته الإعلامية المرئية والمكتوبة .
حيث يقول حسسيان أن الموقف البريطاني على المستوى الرسمي موقفاً منظماً وواضحاً وصريحاً، وبأن وعد بلفور هو جزء لا يتجزأ من تاريخ بريطانيا العظمى ، وهي ستذهب في إكمال خطواتها الإحتفالية بهذه المناسبة بالرغم من لقاءاته المتعددة مع المسؤولين البريطانيين الذين أكدوا له بأن بريطانيا لن تعتذر عن خطأ وعد بلفور الذي تسبب بتشريد سبعة ملايين فلسطيني حسب تعبيره.
كما أنه اشار إلى أنه كان يطالب ولا زال ، الحكومة البريطانية بإلتزامها بالمسؤولية الأخلاقية إتجاه الشعب الفلسطيني، وذلك بعدم الإحتفال بهذه المناسبة كونها تمثل جريمة وصفعة في وجه الشعب الفلسطيني.
كما رأى أن سياسة الحكومة الحاكمة في بريطانيا تتساوق مع السياسات الإسرائيلية بخصوص ما يتعلق بالموقف من وعد بلفور، خاصة بأنها لم تكن تراعي الحقوق المدنية والدينية للشعب الفلسطيني ، هذا عوضاً عن أنها تنكر أيضاً الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني التي تتمثل بالإعتراف بحقه بتقرير المصير.
هذا بالرغم من موقف بريطانيا المعلن بخصوص تأييدها لحل الدولتين وبأنها لا تعترف ببناء المستوطنات، وأن موقفها المعلن من قضية القدس معتدل ، حيث أنها تعتبرها محل نزاع وليس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل ، إلا أن ذلك لا يكفي، حسب تعبير حساسيان، حيث أن الفلسطينيين لم يحصلوا على موقف سياسي واضح وملتزم من بريطانيا خاصة فيما يتعلق بالإعتراف بالدولة الفلسطينية أو الإعتذار عن هذا الوعد والإقرار بتقديم تعويضات للشعب الفلسطيني أو الإلتزام بتقديم أي دعم سياسي في المحافل الدولية، وذلك تساوقاً مع موقفها المتجذر الذي يصب في صالح دولة إسرائيل.
ويرى حساسيان أن موقف بريطانيا لن يتغير ولن تعتذر ولن تعترف بالدولة الفلسطينية كما يطالب الفلسطينيون ، ولكن هذا هذا لا يعني بأن نشاط الجاليات العربية والإسلامية سيتوقف عند هذا الحد حسب تعبيره.
أخيراً ، يبقى السؤال هو ما مدى جدية الجانب الفلسطيني بذلك، خاصة في ظل الأنباء التي تتحدث عن مفاوضات سرية ما بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني برعاية بريطانية في لندن ، إضافة إلى زيارات سرية أخرى لمسؤولين فلسطينيين إلى لندن وإلتقائهم بالمسؤولين البريطانيين هناك؟.
م . زهير الشاعر