في عام 2002 وبعد معركة البطولة في مخيم جنين التقيت ناطق سابق في القنصلية البريطانية في القدس وككل فلسطيني ذكرته بجريمة بريطانيا بإصدار وعد بلفور وسالته لماذا لا تعتذر بريطانيا عن جريمتها وقد اجابني الرجل بوضوح وبلا مواربة بسؤال معاكس ولماذا تعتذر بريطانيا لكم فالقيادة البريطانية والاحزاب المتنافسة تسعى لنيل رضا الناخب البريطاني لا العربي والشارع البريطاني في غالبيته لا يؤيدكم وانتم انفسكم لا تسعون لذلك فإسرائيل تسخر كل الطاقات الممكنة وفي مقدمتها الاعلام البريطاني نفسه للتأثير على الناخب البريطاني بينما تنشغلون انتم بإقامة محطات تلفزة وصحف وراديو بالعربية في لندن لتشتموا وتخونوا وتقتتلوا من لندن دون ادنى اهتمام لما يهم الناخب البريطاني.
بعد مائة عام مرت على قرار رجل غريب بمنح ارض غيره للغير دون وجل وبادراك مسبق على ما يبدو انه يمكنه فعل ذلك ببساطة في زمن كانت فيه قوى الاستعمار تنهض بأقوى صورها وبعد انتصار الحرب الاستعمارية الاولى التي جعل من بريطانيا وفرنسا قوة لا منافس لها على الارض وفي ظل غياب اي وجود عربي او فلسطيني حقيقي وبالتالي فقد كان مقبولا على عالم مهزوم امام جبروت بريطانيا ان نمر الجريمة التي ارتكبها بلفور وكان مقبولا من الفلسطينيين والعرب ان يطلقوا على الوعد لقب الوعد المشؤوم.
اليوم وبعد مائة عام بالتمام والكمال على تاريخ الشؤم فان من المفروض ان كل شيء تغير في هذاالعالم فقد اصبح للعرب دولا في الامم المتحدة واصبح العرب قوة استهلاكية كبيرة ومصدر للثروة والطاقة لا يستهان به وتفتحت عقول شعوب العالم على الحريات وحقوق الانسان اكثر فاكثر واصدرت الامم المتحدة عشرات القرارات المؤيدة للشعب الفلسطيني وحقوقه وقبلت بفلسطين كدولة غير عضو او مراقب في الامم المتحدة واعترفت عشرات الدول بفلسطين كدولة وظهر عنصرية اسرائيل اكثر فاكثر فمنذ مائة عام حاربت اسرائيل العرب وسلخت من اراضيهم وهجرت مواطنيهم كما فعلت في فلسطين فقد طالت الاعتداءات دولا مثل الاردن ومصر ولبنان وسوريا وسيادة دول مثل المغرب وتونس والجزائر.
لا زلنا بعد مضي قرن على وعد بلفور نتحدث وبنفس اللغة عن الاعتذار وتحميل المسئوليات دون ان نلتفت الى حقيقة اخطر وهي اننا نحن وحدنا المسئولين عن الحال الذي وصلنا اليه فنحن لم نسعى ابدا للتأثير المعنوي او المادي على صانع القرار الغربي بما فيه البريطاني والمال العربي الذي يهدر في شوارع المدن الغربية وحاناتها او حتى في مصانعها لم يوظف يوما واحدا لخدمة القضايا العربية وفي حين يستثمر العرب في اسواق المال بشراء الفنادق والمنتجعات والاسلحة لم يستثمر قرش عربي واحد في عالم الاعلام الغربي وكل الاعلام العربي المقيم في اوروبا ظل موجها للعرب في بلادهم ولم نهتم ابدا بما يؤثر في السياسة الداخلية او الخارجية للدول الغربية بينما تفعل ذلك وبمنهجية منظمة الحركة الصهيونية بكل اذرعها فهي كالأخطبوط في عالم الاعلام والفن والثقافة وبالتالي فلا يجوز لنا ان نلوم السيدة بلفور رئيسة وزراء بريطانيا الحالية وهي تعتز بوعد مواطنها سيء الصيت لنا ومصدر الفخر لها فهي باختصار تعلم جيدا أننا أمة لا تهتز لنا رقبة على راي مظفر النواب.
لو ان السيدة ماي تعلم اننا امة حية ومؤثرة وقد تكون لنا ادنى ردة فعل حقيقية على ما تفعل لما اقدمت على ذلك لكنها تدرك ان الامة التي ترتمي بأحضان اعدائها دون خجل لا امل يرجى ان تصحو من سباتها على المدى القريب وذلك اضعف الايمان والى ان يصبح ذلك ممكنا سيكون احفاد ماي قد وجدوا طريقا جديدا لإسكات افعالنا المنتظرة ان حصل وكانت.
بقلم/ عدنان الصباح