قيل الكثير عن الهجوم الإسرائيلي الأخير، الأليم والآثم، على قطاع غزة، وتوقع كثيرون ردود الأفعال والتأثيرات والارتدادات لهذا الهجوم، ولكن، وبعد انقشاع الغبار عن الحدث، فإن شعبنا الفلسطيني كله انتصر أيضاً، فقد ربح كل الربح بتفويت أهداف ذلك الهجوم، فأهداف ذلك الهجوم تمثّلت في استدراج الفلسطينيين إلى المربع الذي تربح فيه إسرائيل دوماً، وكان من أهدافه ضرب المصالحة، وكان من أهدافه أن يدب الخلاف بين الفصائل، أو بين حماس ومصر، وكان من أهدافه أيضاً التخلص من الضغوط الأمريكية، وتعطيل الجهود المصرية، وإبقاء الحصار على قطاع غزة، وجر المقاومة إلى معركة خارج حساب المقاومة الزمانية والمكانية، وخاصة أن إسرائيل وقبل ذلك الهجوم حاولت أن تضخم من قوة المقاومة وترسانتها العسكرية، إلى درجة أن من يقرأ ما تدعيه إسرائيل فسيرى أن حماس دولة عظمى.
ولذلك، فقد اختارت القيادة الفلسطينية، بكامل أطيافها وألوانها، أن تفوت على إسرائيل كل أهدافها المعلنة وغير المعلنة، اختارت القيادة الفلسطينية بكاملها أن تذهب إلى المصالحة، باعتبار المصالحة رد حقيقي ونوعي على الهجوم الإسرائيلي، كان القرار أن الرد الحقيقي هو أن نربح شعبنا ونربح مواطننا ووطننا، صحيح أنه كان هناك ضغوط من أطراف شقيقة وصديقة، وصحيح أنه كان هناك جدال ونقاش شديد حول أهمية الرد والاستجابة، وصحيح أنه كان هناك ألم كبير ورغبة في الاقتصاص، وبالرغم من هذه الحكومة الإسرائيلية المجرمة رفضت أن تعطي فرصة للدفاع المدني الفلسطيني للبحث عن من تبقى من المفقودين داخل النفق والذي نحسبهم شهداء عن الله، إلا أن الحكمة والتعقل والمسؤولية تغلبت على أي شيء آخر، كان القرار غير شعبوي، ولكنه اكثر من ضروري.
ولكن، هناك أيضاً ما هو أعمق من الشعور بالخسارة، أو الإهانة، كان هناك التأكيد على سلامة النهج الجديد، نهج الوحدة، وأن قرار الحرب والسلم هو قرار جمعي، ووطني، وأن لا يستأثر أحد بهذا القرار، وبهذا الفهم فإن القرار الشجاع والحكيم هو تطبيق آخر من بنود المصالحة الفلسطينية.
ما جرى بعد الهجوم، يثبت للقاصي والداني أن القيادة الجديدة في حركة حماس وكذلك حركة الجهاد الإسلامي، يبعثان برسالة واضحة لجميع الأطراف، أنهما طرفان يمكن عقد اتفاق معهما، وأن عهداً جديداً من العمل الفلسطيني، السياسي والميداني، قد بدء، السلطة الواحدة والقرار الواحد، وهي مطالب أكدها سيادة الرئيس محمود عباس مراراً وتكراراً، نحن جميعاً على الطريق الصحيح.
بقلم/ اللواء د. محمد المصري