(لا يمكن ان ينجح المشروع الديمقراطي في كل مجموعة القيم السياسية السائدة في البلدان العربية والتي ترفع العلاقة بين الحاكم والمحكوم من درجة التفاعل السياسي , وتقاسم المسؤوليات الوطنية ، إلى درجة الخضوع لقيم الطاعة المطلقة لولي الامر , وتمجيد الحاكم ورفع أقواله وأفعاله إلى مرتبة الإلوهية والتعبد لها ، او التي تنظر الى المناصب في الدولة على انها مجموعة عطايا يتم توزيعها حسب ارادة السلطة ومزاجها , ولاعتبارات مختلفة بعيدة عن الكفاءة والقدرة)
تصاعدت حركات المجتمع الثورية مؤخراً في البلدان العربية المجاور، وليس من الصعب على المواطن العربي العادي ان يلحظ غياب ثقافة الديمقراطية فيها، لان الديمقراطية لا تنمو في ظل غياب الثقافة الديمقراطية، حيث أن انعدام ثقافة المشاركة والتعددية السياسية في المجتمعات العربية هنا كان ابرز أسباب تعثر التجارب الديمقراطية في الوطن العربي, وتشكيل ثقافة المشاركة في المجتمع من خلال القدرة على تأسيس ديمقراطية محلية تتناسب مع واقع كل دولة على حدى عبر مستويين احدها نظري والآخر عملي، يكمن النظري في استنباط قيم التسامح وقبول الآخر والحوار وثقافة المساومة السياسية، أما العملي ففي طريق استقرار وثبات الممارسة الديمقراطية.
ولا يمكن ان ينجح المشروع الديمقراطي في كل مجموعة القيم السياسية السائدة في البلدان العربية والتي ترفع العلاقة بين الحاكم والمحكوم من درجة التفاعل السياسي, وتقاسم المسؤوليات الوطنية، إلى درجة الخضوع لقيم الطاعة المطلقة لولي الامر, وتمجيد الحاكم ورفع أقواله وأفعاله إلى مرتبة الألوهية والتعبد لها، او التي تنظر الى المناصب في الدولة على انها مجموعة عطايا يتم توزيعها حسب ارادة السلطة ومزاجها , ولاعتبارات مختلفة بعيدة عن الكفاءة والقدرة.
إن الذي يعيق الديمقراطية وتطوراتها في الدرجة الاولى هو طبيعة الثقافة السائدة, فعند وجود قابلية للفساد في الثقافة, فان الديمقراطية تتلاشى حتى وان تظاهرت الدولة او المجتمع بها، فالثقافة الديمقراطية تختلف تماما عن ثقافة المبايعة, فقد أصبح العالم العربي وبسبب الثقافة السائدة امام ممارسات متعددة كلها تتلبس بثوب الديمقراطية رغم انها لا تغزو في الحقيقة المبايعة أو الاستفتاء العام، ومثاله الانتخاب على خلفية مذهبية وقبلية فهي كممارسة لايمكن وصفها بالانتخاب, وإنما هي مبايعة يؤديها الطائفيون والقبليون بنوع من الرضا والتوافق الداخلي في ظل ثقافة المبايعة التي تعتمد على المذهبية والعرقية, ولا يوجد فرصة لتطور الديمقراطية الحقيقية التي تعتمد على المنافسة طبقا لما يمتلكه كل شخص من كفاءة ذاتية.
ان العمل على استزراع الديمقراطية في العالم العربي لن يتم الا عبر برنامج يعتمد على نوعية المواطنين بقيم الديمقراطية المتمثلة بالحرية والعدالة والمساواة واشاعة ثقافة الحوار والتسامح ونبذ ثقافة الإقصاء والتعصب وتحفيز المواطنين على المشاركة الفعالة في الأنشطة المختلفة للمجتمع ولاسيما السياسية، نظرا إلى اتساع المشاركة السياسية يعد الرافد الأساسي لترشيد الديمقراطية وتنميتها.
أضف إليه ضرورة ان يتعرف المواطنون على حقوقهم وواجبا تهم في ظل النظام الديمقراطي وتدريبهم على التمسك بها والدفاع عنها وعن وسائل الضغط المتاحة أمامهم لصيانة تلك الحقوق من الانتهاكات السلطوية .
وعلى ضوء ما ذكر أعلاه فان استنباط الديمقراطية في دولنا العربية حتى الآن على رغم كل المحاولات المبذولة هو ان اغلب النخب الحاكمة نشأت على الفكر الواحد ولا تزال تصر على رفض الآراء الأخرى مهما بدت مقنعة ولم تسمح بنشأة المواطن المشارك الفعال بل اكتفت ببناء الرعايا المطيعين لولى نعمتهم.
لذا فان المطلوب لتحقيق الديمقراطية في الوطن العربي اتحاد ارادتين، الأولى إرادة مجتمعية تؤمن بالديمقراطية، والثانية استعداد النخب الحاكمة لقبول التعددية السياسية والفكرية.
بقلم:د.حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي