لا تناقض بين المصالحة الفلسطينية والمقاومة وسلاحها المحكوم بالشرعية السياسية والدولية. فالعلاقة بينهما علاقة تكامليه عضوية. المقاومة أحد مكونات المصالحة السياسية الشاملة. والمصالحة الحاضن السياسي للمقاومة. ومحاولة إبراز أن هناك تعارضاً بين ملف المقاومة أو سلاح المقاومة والمصالحة يعتبر قفزاً فوق الواقع السياسي الفلسطيني. وهنا لا بد من تأكيد بعض الملاحظات الحاكمة للعلاقة بين المصالحة والمقاومة.
أولاً، المصالحة خيار هدفه بناء منظومة سياسية شاملة توفر القوة المادية والدولية للمقاومة، كما الحماية القانونية والشرعية. وأما المقاومة فهي مجرد وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية ذاتها للنظام السياسي. فلا تناقض بين الأمرين.
وعليه، ثانياً، حتمية خضوع المقاومة، كوسيلة وآلية، للقرار السياسي الداعم لها.
وهذا يفترض، ثالثاً، أن المقاومة تلتقي مع النظام السياسي، كإطار للقرار السياسي وتحديد الخيارات السياسية في أن الهدف هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحرير الأرض، وقيام الدولة الفلسطينية. وهذا أول المرتكزات التي ينبغي أن تقوم عليها العلاقة بين المصالحة والمقاومة، أي التزام الأهداف والخيارات، وحتى الآليات التي تحددها المصالحة السياسية.
ورابع هذه الملاحظات أن لا تأتي المقاومة بأي عمل فيه نقيض للشرعية السياسية التي تفرضها المصالحة السياسية. بمعنى تنظيم سلاح المقاومة وخضوعه للقرار الشرعي. فهذا السلاح له أكثر من جانب في هذه العلاقة، الجانب الدفاعي عن كل ما يهدد السلطة أو النظام السياسي الشرعي من أخطار التهديد. أي أنه في حال قيام إسرائيل بالاعتداء العسكري فهنا لا يمكن استبعاد استخدام سلاح المقاومة حماية للشرعية السياسية القائمة. والجانب السلمي المساهمة بالحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعي، خصوصاً في غزة، لأن مشكلة العلاقة بين المقاومة والمصالحة السياسية غير قائمة فى الضفة الغربية بالمطلق، أما في غزة فبحكم غياب السلطة، بسبب الانقسام، نمت المقاومة العسكرية كمظهر من مظاهر قوة الفصائل.
ومن الملاحظات المهمة في تحديد العلاقة دعم المقاومة لخيارات الشرعية الدولية التي تعتمدها السلطة السياسية الواحدة، فليس من المقبول ان تحقق السلطة إنجازاً أو تقدماً في مجال الشرعية الدولية، بأن يتم قبول فلسطين في المنظمات الدولية، ورفع مستوى التمثيل، وتأتي المقاومة بعمل عسكري مسلح يتناقض مع هذه التوجهات، وهذا ما ساد في مرحلة الإنقسام السياسي. فالحرب عندما تقوم، في وجود سلطة حكم وحكومة واحدة، تختلف تماماً في حال وجود حكومتين تتنازعان الشرعية، فهذا يفقد الحرب الدفاعية التي تقوم بها المقاومه شرعيتها الدولية، ويلحق بالمقاومة خسائر كثيرة. وهنا أهمية التزام سلاح المقاومة القرار السياسي الذي ينفي عنه أي صفة أو شكل من أشكال الإرهاب.
ولعل من المسائل المهمة في العلاقة بين المصالحة والمقاومة، إن خيار الانقسام عمل على إجهاض أو إضعاف خيار المقاومة، وكان ذريعة لإسرائيل لشن ثلاث حروب على غزة أدت إلى تدمير بنيتها التحتية وقدراتها المحدودة، ما أدى إلى فقدان المقاومة البنية المجتمعية القوية. وهذه العلاقة بين المقاومة والحرب أفقدت المقاومة قدراً من ماهيتها كحركة مقاومة، ومحاولة إسرائيل لصق صفة الإرهاب بها، ناهيك بأن خيار الحرب له انعكاسات سلبية على المقاومة من حيث رفع تكاليفها من حيث التسلح، وامتلاك أدوات إستراتيجية ترقى إلى مستوى الجيوش. لذلك فإن خيار الانقسام نقيض للمقاومة، بل يعمل على استنفاذ قدراتها المحدودة، وقد يعني من ناحية أخرى تحميل المسؤولية بالكامل لحركة "حماس". والعكس تماماً في حال المصالحة، فالمسؤولية تتحول الى حكومة لها صفة شرعية ومعترف بها، ومن مسؤولياتها الدفاع عن خيار المقاومة.
قد يثير بعضهم تساؤلات حول ما تريده الحكومة من مقاومة، والطبيعة العسكرية للمقاومة ، وأن الحكومة تؤيد خيار المقاومة السلمية وليس العسكرية. هذه الإشكالية يكمن حلها أولاً فى تبعية قرار المقاومة العسكري للقرار السياسي الشرعي الذي تشارك فيه حركة "حماس" أيضاً وبقية الفصائل من خلال نظام سياسي ومؤسسات سياسية تشاركية تساهم فيها كل القوى والفصائل عبر انتخابات ديموقراطية. ومن ناحية أخرى، الحفاظ على سلاح المقاومة وتحديد وظيفته، وآليات استخدامه بما يخدم القرار السياسي، والتزام قرارات الشرعية الدولية التي تحكم العمل المسلح، والإبتعاد عن كل الأشكال المناقضة لهذه الشرعية. وبهذه الآلية يمكن الحفاظ على سلاح المقاومة الذي يرتبط استمراره باستمرار الاحتلال، وقيام الدولة الفلسطينية، وبعدها يمكن أن يتحول نواة جيش وطني دفاعي. وفي المرحلة الانتقالية يمكن تشكيل مجلس أمن أعلى تشارك فيه المقاومة للتنسيق والتوفيق بين قراراتها والقرارت السياسية.
ناجي صادق شراب